بالرغم من أن غالبية المواطنين الأمريكيين يكرهون كل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب بعد الانتصارات التي حققها كل منهما في ولاية فلوريدا ونورث كارولينا وأوهايو وإلينوي، إلا أن المرشحة الديمقراطية والمرشح والجمهوري يستعدان الآن لشق طريقهما إلى البيت الأبيض.
والسؤال هنا: مَن سيفوز وما الفرق الذي ستحدثه تلك الانتخابات في العالم بأسره؟
بالطبع من السهل أن ننتقد دونالد ترامب وخطاباته العنصرية والتعصب في طريقه المحتمل نحو تحول جذري في السياسة الأمريكية إلى الفاشية، ولكن نادرًا ما ينتقد أي شخص تصرفات ترامب ببلاغة وبحدة مثلما فعل محرر مجلة نيويوركر، ديفيد ريمنيك.
في مقالة نُشرت مؤخرًا، كشف ريمنيك عن الانحطاط الأخلاقي غير المسبوق الذي مهد الطريق لظهور دونالد ترامب على منصة الحزب الجمهوري.
بإيجاز، أعلن ريمنيك أن ترامب هو المستفيد الوحيد من عملية طويلة من الانحطاط الفكري الجمهوري.
كما أدان بول ريان تصرفات ترامب ولكن ليس خطاب حزب الشاي هو الذي أدى إلى صعوده السياسي في الآونة الأخيرة، واحتقر جون ماكين ترامب، ولكن سارة بالين المرشحة الجمهورية السابقة لمنصب نائب الرئيس أعلنت دعمها لدونالد ترامب.
وفي الأسبوع الماضي، انتقد ميت رومني ترامب ووصفه بأنه “مصطنع” وكاره للنساء، ولكن في عام 2012 أيد ترامب وأشاد بفهمه الاستثنائي للاقتصاد.
احتمال الإمبريالية الليبرالية
من المهم والضروري تأكيد وتوضيح كل هذه الأمور، ولكن هل الإرهاب الذي يواجهه العالم من نتائج هذه الانتخابات الأمريكية يقتصر على رئاسة ترامب؟ هل احتمال ظهور إمبريالية ليبرالية فاسدة من هيلاري كلينتون ليس وشيكًا أيضًا، وليس خطيرًا على نحو مماثل؟
هل لدى بيرني ساندرز أي أمل في إنهاء هذا الاحتمال السياسي والعائق الأخلاقي؟ للأسف، تتضاءل فرصه بالفوز بعد كل انتخابات أولية.
في نوفمبر المقبل، أيًا كان اختيار مواطني الولايات المتحدة، فإنه مع الحفاظ على فرصة ضئيلة لمرشح اشتراكي ديمقراطي يتبنى دبلوماسية رعاة البقر في سجله أقل من منافسيه، سيضع المرشحون العالم بأسره في خطر مواجهة تهديد وجودي.
الناس في جميع أنحاء العالم، الذين يشعرون دائمًا بأنهم يعيشون تحت رحمة القوة المفترسة للإمبريالية الأمريكية، يشاهدون الانتخابات الرئاسية الأمريكية ويستمتعون بعمق الفساد لكنهم يشعرون بالخوف من احتمال فوز كلينتون أو ترامب.
أي مرشح منهما سيسقط المزيد من القنابل، ويقود أسطول أكبر من الطائرات بدون طيار، ويعد “قائمة اغتيال” جديدة، ويرسل المزيد من الأسلحة لإسرائيل لقتل المزيد من الفلسطينيين، ويبيع المزيد من الأسلحة نفسها إلى الدول العربية الثرية ليرسلونها إلى الدول العربية الفقيرة، ومَن سيبني غرف تعذيب على غرار معتقل غوانتانامو؟
لقد اعتاد الليبراليون الحالمون في الولايات المتحدة على القول بأنه إذا فاز ترامب فإنهم سيهاجرون إلى كندا، أين يذهب الناس في جميع أنحاء العالم، من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا، وفلسطين، وليبيا على وجه الخصوص، في حالة إما إذا فازت كلينتون أو ترامب؟ هل يذهبون إلى كندا؟
متعصبٌ عنصري أم نسوية ليبرالية؟
سيختار الناخبون الأمريكيون أي نوع من الإمبريالية سيخضع لها العالم: الإمبريالية العنصرية المتعصبة للفاشية من قِبل النازي الجديد المفضل لجماعة كو كلوكس كلان، دونالد ترامب، أم الإمبريالية الفاسدة لهيلاري كلينتون، المرشحة الليبرالية البرجوازية النسوية التي تفضلها نسويات مثل غلوريا ستاينم ومادلين أولبرايت.
الجانب الديمقراطي الليبرالي من الإمبريالية الأمريكية ينبغي أن يبحث عن ذاته بنفس قدر مطالبته للجمهوريين المحافظين للقيام بذلك.
ما هو شكل العالم بعد ما يقرب من ثماني سنوات من رئاسة الديمقراطية الليبرالية؟ كل الفظائع التي ارتكبها بوش قبله، دمجها أوباما في مؤسسات شرعية، لقد بدأ بوش الحرب في أفغانستان، ولكن أوباما وسع نطاق تلك الحرب إلى باكستان مما زاد من تعزيز طالبان.
بدأ بوش الحرب في العراق، لكن أوباما تركها في حالة خراب، كما أن تأخره للتدخل في سوريا أدى إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية في عهده.
قام بوش بممارسة التعذيب في زنزانات تحت الأرض مثل معتقل جوانتانامو، وقبل أشهر من نهاية فترة ولايته الثانية، فشل أوباما في الوفاء بوعده بإغلاق المعتقل.
أطلق بوش هجمات الطائرات بدون طيار، لكن أوباما طورها إلى فن قاتل لدرجة أنه أُطلق عليه اسم “الرئيس بدون طيار”، كما وصل عدد المدنيين الذين قتلتهم إدارة أوباما إلى المئات بل الآلاف.
لم نسمع أبدًا عن “قائمة القتل” في عهد بوش، لكن أوباما وضعها وقام بتنفيذها.
نسبة تأييد أوباما
يقولون إنه مع احتمال فوز ترامب، ارتفعت نسبة تأييد أوباما في الولايات المتحدة، ولكن حاول تفسير ذلك إلى الأمهات الفلسطينيات اللاتي يعيشن تحت رحمة هجمات الطائرات بدون طيار الإسرائيلية في غزة، أو للآباء الأفغان والباكستانيين لضحايا هجمات الطائرات بدون طيار، أو إلى الضحايا الليبيين لقصف حلف شمال الأطلسي، أو انظر في الآثار المترتبة على الدستورية الأمريكية واتفاقية جنيف.
قد يفر الناخبون الأمريكيون من احتمال فوز ترامب لاختيار الوعود الفارغة من كلينتون، ولكن أين يمكن أن يختبأ العالم عندما تبدأ قنابلها في السقوط على الأفغان والباكستانيين والفلسطينيين واليمنيين، وغيرهم؟
على الأقل يمكن أن يقوم المواطنون الأمريكيون بمخاطرة محسوبة على احتمال تحسن أداء أحد المرشحين، أو على الأقل القيام بأقل الأضرار، ولكن الناس في جميع أنحاء العالم الذين ينتظرون هذه الانتخابات الأمريكية ليس لديهم هذا الخيار، إنهم يجلسون بلا حول ولا قوة ويترقبون ويتساءلون تحت رحمة أي نوع من النزعة العسكرية العنيفة سيتوجب عليهم حساب مدة بقائهم على قيد الحياة.
بعيدًا عن مواقع الانتخابات التمهيدية الأولية والانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم، فإن الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال وأهلهم يعدون الأيام قبل معرفة ما مَن سيحدد نوع الإمبريالية التي ستقصف أوطانهم، هل هو المرشح العنصري المتعصب أم النسوية الليبرالية؟
المصدر: الجزيرة / ترجمة: إيوان 24