يحيا الشارع الجزائري هذه الأيام حالة من الترقب الأمني المصحوب بالحذر من عمليات إرهابية جديدة تؤرق دولة المليون ونصف شهيد، في ظل حالة الانتعاش والصحوة التي تعيشها الجماعات المتطرفة على الحدود الجزائرية التونسية الليبية، لاسيما بعد مقطع الفيديو الأخير الذي بثته ولاية الرقة التابعة لتنظيم “داعش” منذ يومين، على لسان أحد أعضائها، والذي هدد فيه الجزائر سلطة وجيشًا وشعبًا وأئمة، ملفتًا أنهم قادمون إلى الجزائر مهما طال الزمن، وبالرغم من حذف هذا المقطع بعد ساعات قليلة من بثه إلا أنه فرض العديد من علامات الاستفهام التي تبحث عن إجابة.
الجزائر وصدمة الإرهاب
استيقظ الملايين من الشعب الجزائري في الـ 28 من نوفمبر عام 1991م على عمل إرهابي هو الأول من نوعه في تاريخ الجزائر الحديث، حين تعرضت مدينة قمار القريبة من الحدود الجزائرية – التونسية لهجوم إرهابي من قبل 40 شخصًا، أسفر عن مقتل ثمانية عسكريين، فضلًا عن الاستيلاء على كميات هائلة من الأسلحة الثقيلة والذخيرة، لتدخل الجزائر معترك المواجهات المسلحة مع الجماعات الإرهابية المتطرفة.
ثم جاء مقتل الرهينة الفرنسي “إيرفيه جوردال” علي يد تنظيم داعش الجزائر في أواخر عام 2014م ليضيف حلقة جديدة من مسلسل الأعمال الإرهابية التي زلزلت الشارع الجزائري، وزادت من حدة التوتر الأمني والاستنفار العسكري الذي أصاب الجزائريين بالتضييق والخناق فضلًا عن الترقب لما يمكن أن تسفر عنه الأيام التالية لهذه الواقعة.
وخلال العام الماضي 2015 وبدايات العام الحالي 2016 شهدت الدول المجاورة للجزائر لاسيما تونس وليبيا أعمالًا إرهابية أصابت المنطقة بتوتر شديد وفقدان للاستقرار والاتزان، فضلًا عن حالة الهلع التي سيطرت على شعوب تلك البلدان.
وباتت تهديدات التنظيمات الإرهابية خاصة “داعش” على الحدود التونسية والليبية وترًا يوميًا تتعرض له الجزائر قيادةً وشعبًا، في ظل زيادة منظومة التسليح لدى هذه التنظيمات المتطرفة، والتي توعدت أكثر من مرة في بيانات عدة بمواصلة زحفها نحو العاصمة الجزائرية، وهو ما دفع الجيش الجزائري لإعلان حالة الاستنفار القصوى ترقبًا لأي هجوم قد تتعرض له البلاد مابين الحين والآخر.
إحباط أكبر عملية إرهابية
تمكنت قوات الجيش الجزائري خلال الأسبوع الماضي من إحباط عدة عمليات إرهابية كانت كفيلة بإحداث حالة من الدمار الشامل للأجواء الأمنية والسياسية بالبلاد، وذلك حين تمكنت من إلقاء القبض على عدد من الإرهابيين المنتمين لتنظيم “داعش”، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة التي كانت بحوزتهم.
وفي بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية نجحت قوات العمليات الخاصة من توقيف عدد من الإرهابيين في مدن تيزي وزو وعين أمناس وقمار على الحدود التونسية الليبية، واسترجاع كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر، من بينها 6 منظومات صواريخ ستينغر مضادة للطيران، و20 مسدسًا رشاشًا من نوع كلاشنيكوف، وثلاثة قاذفات صواريخ من نوع آر بي جي، وبندقيتان رشاشتان آر بي كا، وكذا بندقتان قناصتان، ومسدسان آليان، و16 قذيفة آر بي جي، و4 قنابل يديوية، وحزامان ناسفان، 383 طلقة من مختلف العيارات، و97 مخزن ذخيرة، وسيارة رباعية الدفع، ونظارتا ميدان، وجهازا تحديد المواقع، وهواتف وأغراض أخرى.
وحسب البيان فإن الأسلحة والذخائر التي تم استرجاعها تشير إلى أن المجموعة التي تم القضاء عليها كانت تعد العدة لعمليات إرهابية كبيرة، بالنظر إلى كمية الأسلحة التي تم العثور عليها بمخبأ هذا التشكيل، الذي يبدو أن عدده أكبر مما أُلقي القبض عليه.
الواضح من خلال هذه العملية التي تعد الأكبر للجيش الجزائري في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بإحباط العمليات الإرهابية داخل البلاد، أن بها بعدًا استخباراتيًا قادرًا على رصد المكان والزمان، وهو ما ساهم في توجيه قوات الجيش للقضاء على هذه العناصر الإرهابية دون تكبد أي خسائر في القوات المنفذة للعملية.
الاستخبارات.. السلاح الأقوى
في ظل التهديدات المتلاحقة التي تتعرض لها الحدود الجزائرية كان لا بد من إعادة النظر في الاستراتيجيات الأمنية المتبعة في التعامل مع تلك الجماعات المتطرفة، سواء داخليًا أو خارجيًا، وهو ما دفع الدولة لتطوير منظومتها الأمنية في مكافحة الإرهاب، بإسناد مهمات التدخل لوحدات القوات الخاصة التابعة للجيش الشعبي الوطني، بدلاً من الطريقة الكلاسيكية المتمثلة في توزيع وظيفة محاربة الإرهاب لفرق أمنية عادية من شرطة وجيش ودرك.
وفي تصريحات صحفية لمصدر أمني رفيع قال إن القوات العسكرية الخاصة قد أثبتت لدى الاستعانة بها في العديد من المرات، نجاحًا مضمونًا بعمليات التدخل لمواجهة المجموعات المسلحة، لذا فإن هذه النجاحات ستكون سببًا في قرار السلطات الأمنية العليا في البلاد، إسناد مهمة مكافحة الإرهاب إليها، وهو ما تجسد في عام 2015 حين تم الاستعانة بالقوات الخاصة في 20 عملية مكافحة للإرهاب كللت جميعها بالنجاح، لذا فقد تقرر توليتها المهمة بالكامل، على أن تتولى باقي الوحدات العسكرية عمليات الدعم اللوجستي.
ويذكر أن أغلب العمليات التي تم خلالها القضاء على أمراء تنظيمات مسلحة، على غرار القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم “جند الخلافة” الموالي لتنظيم الدولة، كان بفضل تدخل القوات الخاصة التابعة للجيش الجزائري، بعد عمليات استخباراتية دقيقة.
أما على المستوى الخارجي، فقد نجحت الجزائر في إبرام العديد من الاتفاقيات الأمنية مع بعض الدول فيما يتعلق بالتعاون الاستخباراتي في مكافحة الإرهاب، وفي مقدمة هذه الدول، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، البرتغال، إيطاليا وإيران.
ففي تقرير نشرته صحيفة ” الصباح نيوز” التونسية أكد أن روسيا زودت الجزائر، مؤخرًا، بصور لتحركات الجماعات الإرهابية على الحدود مع تونس وليبيا ومالي والنيجر والمغرب وموريتانيا.
الصحيفة نقلت عن مسؤول جزائري أن وزارة الدفاع الجزائرية حصلت على قرابة 500 صورة تم التقاطها على الحدود البرية الجزائرية الليبية والجزائرية التونسية، مشيرًا إلى أن تلك الصور مكنت القوات الجزائرية من إحباط محاولات عدة لتسلل الإرهابيين، خاصة على الحدود مع ليبيا.
وأضاف أن المعلومات التي حصلت عليها الجزائر، مكنت القوات الجزائرية من اعتقال العديد من العناصر الإرهابية، والحصول منهم على معلومات أفادت منها في إحباط محاولة إدخال كمية من الصواريخ، منها 6 صواريخ “ستنغر” مضادة للطائرات والمروحيات، وأسلحة وذخائر.
وبين المصدر أن الجيش الجزائري قام بتصفية أحد أهم الأمراء الإرهابيين التابعين لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” المكلف بمنطقة تونس وشرق الجزائر، المدعو كمال عربية.
وأكد المصدر للصحيفة التونسية أن الجزائر هي من طلبت من روسيا مساعدتها لمراقبة حدودها البرية والجوية والبحرية، عبر تزويدها بصور الأقمار الصناعية، وذلك في إطار التعاون العسكري بين الجزائر وروسيا.
وفي سياق متصل، أفادت بعض المصادر أن وزارة الدفاع الجزائرية أرسلت الأرقام التسلسلية الخاصة بصواريخ ستينغر الأمريكية المحجوزة في ولاية الوادي، والتي أحكمت قوات الجيش السيطرة عليها بعد إلقاء القبض على العناصر الإرهابية التي كانت بحوزتها، إلى وزارة الدفاع الأمريكية، من أجل معرفة مصدر هذه الصواريخ ومن أين أتت.
المصدر أكد أن الأمريكيين طلبوا تعاون الجزائر بعد الكشف عن حجز صواريخ مضادة للطائرات، من نوع ستينغر التي تصنع في أمريكا، لدى إرهابيين تابعين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مشيرًا إلى أن الأمريكيين يعملون على التأكد من الأرقام التسلسلية للصواريخ من أجل معرفة الدولة التي سلمتها للإرهابيين، في إطار برنامج أمريكي لتتبع الأسلحة الأمريكية النوعية عبر العالم، لمنع وصولها إلى الجماعات الإرهابية، وهو ما يسمى ببرنامج المراقبة البعدية للأسلحة النوعية.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الجزائر أبلغت واشنطن بموضوع حجز الصواريخ المضادة للطائرات لدى الإرهابيين في الجنوب، ساعتين قبل الإعلان رسميًا عن العملية، حيث يمثل وجود مثل هذه الأسلحة لدى الإرهابيين تهديدًا للطيران المدني التجاري.
هل ينجح الجيش الجزائري؟
مما سبق يتضح أن الوضع الأمني المتردي في دول الجوار الجزائري خاصة في تونس وليبيا، وما تمخض عنه من تهديدات نُفذت بعضها واُحبط البعض الآخر، يضع العديد من علامات الاستفهام حول قدرة الجيش الجزائري على التصدي لأي هجوم محتمل.
حالة من الترقب تنتاب السلطات العسكرية والأمنية الجزائرية خوفًا من تنفيذ تنظيم الدولة الإرهابي لأي من تهديداته التي أعلن عنها مرارًا وتكرارًا، وهو ما دفعها للرفع من درجة الحيطة والحذر، ومراقبة كذلك الحدود مع ليبيا وتونس، التي وإن تبقى مغلقة، إلا أن اختراقها يبقى واردًا، حيث تمتد الحدود الليبية على طول 982 كيلومترًا، والتونسية على طول 956 كيلومترًا، وهو ما يجعل مراقبة الحدود مسألة صعبة ومعقدة ومكلفة في نفس الوقت.
السلطات في الجزائر تترقب ما بين الساعة والأخرى تعرض البلاد لعملية انتقامية داعشية، وبالرغم من الاعتماد على المنظومة الاستخباراتية باعتبارها خط الدفاع الأول لإفشال أي هجوم قبل وقوعه، إلا أن الخوف من هجوم يحمل توقع التنظيم يلقي بظلاله على حديث الشارع… فهل ينجح الجيش الجزائري في التصدي لأي عمل إرهابي محتمل من قِبل داعش أم سيفاجئ التنظيم الإرهابي منظومة الأمن الجزائرية من حيث لا تتوقع؟