بعد الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2008 انطلاقًا من الولايات المتحدة الأمريكية، ونتج عنها انهيار لكثير من البنوك العالمية وانخفاضات حادة في أسوق المال والعقارات؛ اجتاحت موجة من الركود الاقتصادي العالم أدت لانخفاض معدلات النمو ونتج عنها مشاكل اقتصادية لا يزال العالم يعاني منها حتى اليوم.
وفي سعي حثيث من قِبل الاقتصاديات العالمية، عملت الحكومات إلى تسريع معدلات النمو من خلال استخدام سياسات اقتصادية متنوعة في سبيل إعادة معدل النمو للارتفاع مرة أخرى وتلافي المشاكل التي خلفتها الأزمة! فماذا يعني مفهوم النمو الاقتصادي؟
النمو الاقتصادي
هو التغيير الإيجابي والزيادة في كمية السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد باستخدام عناصر الإنتاج الرئيسية، الأرض والعمل ورأس المال في فترة زمنية معينة، وبالتالي الزيادة في مستوى البلاد الحقيقي من الناتج القومي التي يمكن أن تسببها الزيادة في نوعية الموارد أو كميتها، ويمكن قياسه من خلال الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي.
ومن هذا التعريف يمكن أن نستخلص أن النمو هو عملية شمولية تتم على مستوى المجتمع وليس على مستوى الأفراد، فهو يعالج حالة الإنتاج الكلي والدخل القومي ويهدف إلى زيادتها ولا يتدخل في إنتاج الأفراد ومقدار دخولهم، لذلك من الممكن أن نشهد نموًا اقتصاديًا بفضل طفرة في أسعار الأسهم والعقارات والأصول المالية في بلد ما! وفي هذه الحالة يُطلق على هذا النمو بـ “النمو التضخمي”، والأنكى من هذا إذا اعتمدت الدولة على مصادر الموارد الطبيعية الريعية كمصدر لرفع معدلات النمو وهذا مرض يصيب اقتصاديات كثير من الدول حول العالم وفي مقدمتها الدول الخليجية، وعليه فإنه ليس غريبًا أن نلحظ في بلدان عربية معدلات نمو مرتفعة وفي نفس الوقت نشهد بطالة عالية ونسب فقر كبيرة وحالة اجتماعية سيئة تسود المجتمع، ففي ظل اتباع الدول هكذا نموذج فإنها ستبقى عاجزة عن توفير الرفاه والتشغيل العام لمجتمعاتها.
وساد في العالم في العقود الماضية أن النمو هو العامل الأساسي لتحديد مستوى المعيشة لذا بات تحقيق معدلات نمو مرتفعة الشغل الشاغل للاقتصاديين وصناع القرار في البلدان المتقدمة والنامية والمتخلفة، إلا أن عملية النمو هذه من حيث المفهوم يشوبها جملة من التشوهات تم توجيه الانتقادات لأصحابها الكلاسيكيون من أمثال آدم سميث وريكاردو ومالتس وستيوارت، حيث تسهم عملية النمو في سوء توزيع الثروة في المجتمع بشكل غير عادل ما يؤدي إلى تفاوتات كبيرة بين دخول الأفراد ضمن المجتمع، لأن ثمار النمو لا تتوزع بصورة عادلة على مستوى الدولة بل تستأثر بها فئة قليلة على حساب الفئة الأكبر ما يسهم في رفع معدلات الفقر، وعليه فإنه لا يعني زيادة النمو الاقتصادي في الدولة تحقيق الرفاه الاقتصادي للمواطن والمجتمع وهذا ما ينخدع به كثير من المواطنين في الدول العربية.
عناصر نظرية النمو التي أوجدها الاقتصاديون الكلاسيكيون هي:
- تطبيق سياسة الحرية الاقتصادية المتمثلة بالحرية الفردية، وحرية المنافسة الكاملة، واستبعاد أي تدخل للدولة في الحياة الاقتصادية.
- بناء رأس المال هو أول خطوة نحو التقدم.
- يعد الربح الحافز على الاستثمار فكلما زاد معدل الأرباح، زاد معدل التكوين الرأسمالي والاستثمار.
- ميل الأرباح للتراجع وذلك نظرًا لتزايد حدة المنافسة بين الرأسماليين على التراكم الرأسمالي.
وقد اعترف أصحاب هذه النظرية أن الاقتصاد سيمر بحالة من السكون أو حالة الاستقرار كنهاية لعملية التراكم الرأسمالي، ذلك أنه ما ن تبدأ الأرباح في التراجع حتى تستمر إلى أن يصل معدل الربح إلى الصفر، ويتوقف التراكم الرأسمالي، ويستقر معدل نمو السكان، ويصل معدل الأجور إلى مستوى الكفاف، وبالتالي تكون النتيجة النهائية للتنمية هي الركود، الناتج عن الميل الطبيعي للأرباح نحو التراجع، وهذه النتيجة غير مقنعة بالنسبة لأصحاب النظرية الحديثة والنيوليبرالية.
فضلاً أن نظرية النمو كما هي عليه لاقت العديد من الانتقادات من أهمها أنها لم تهتم كثيرًا للتكنولوجيا، وأهملت القطاع العام وتجاهلت الطبقة الوسطى في المجتمع علمًا أنها تعد الأكبر في المجتمع.
وعليه فإن الدول العربية التي تسعى للحاق بركب الدول المتقدمة وتحقيق الرفاه لمجتمعاتها وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين عليها أن تسلك طريق التنمية وليس النمو، وبالفعل فإن كثيرًا من البلدان العربية والخليجية بالأخص وضعت خططًا استراتيجية في التنمية المستدامة بكل مجالاتها ولعل أولها التنمية الاقتصادية التي تسعى من خلالها لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتحقيق الرفاه له، وفيما يلي نوضح الفارق بين التنمية والنمو.
التنمية تتميز بأنها ذات طبيعة كيفية بعكس النمو الذي يوصف بأنه ذات طبيعة كمية، وتحقيق التنمية الاقتصادية يحتاج إلى زيادة النمو الاقتصادي من خلال إحداث تغيرات نحو الأفضل في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة مع التنسيق فيما بينها.
وثمة فروقات واضحة وجوهرية بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، فالنمو الاقتصادي كما شرحنا في الأعلى يركز على التغيير في الكم الذي يحصل عليه الفرد من السلع والخدمات في المتوسط دون أن يهتم بهيكل توزيع الدخل الحقيقي بين الأفراد أو بنوعية السلع والخدمات المقدمة، في حين أن التنمية الاقتصادية تعرف بأنها العملية التي يتم من خلالها زيادة في الإنتاج والخدمات وزيادة في متوسط الدخل الحقيقي مصحوبًا بتحسين الظروف المعيشية للطبقات الفقيرة لذلك هي تركز على حدوث تغيير هيكلي في توزيع الدخل والإنتاج وتهتم بنوعية السلع والخدمات المقدمة للأفراد ولا تركز على الكم قفط بل تتعداه إلى النوع.
ويمكن القول أن التنمية كمفهوم أشمل من مفهوم النمو؛ حيث إن التنمية تتضمن زيادة لإنتاج وعناصر الإنتاج وكفاءتها وتتضمن إجراء تغييرات في هيكل الناتج، الأمر الذي يتطلب إعادة توزيع عناصر الإنتاج في مختلف القطاعات الاقتصادية وبالتالي فإن التنمية هي عبارة عن نمو يصاحبها إحداث تغيير في هيكل الناتج مع ما يقتضيه ذلك من إعادة توزيع عناصر الإنتاج بين القطاعات، وضمان الحياة الكريمة للأفراد بالإضافة إلى ضمان استمرارية هذا النمو من خلال ضمان استمرار تدفق الفائض الاقتصادي أو المتبقي بعد حاجات الأفراد والموجه للاستثمار.
- النمو يوصف بأنه تغير في الشكل وفي الجوانب المادية للفرد والمجتمع.
- التنمية هي تغيرات هيكلية على صعيد الفرد والمجتمع على حد سواء.
- النمو يتوقف في مرحلة معينة من الزمن، وهي جزء من العملية التنموية، كما أن لها أنواع كمية ونوعية، ويمكن قياسها
- التنمية تبقى مستمرة ولا يمكن قياس التنمية بدقة.
والخلاصة أن التنمية المستدامة مع ما تحويه من التنمية الاقتصادية هي الهدف الأسمى المتعقل الذي يجب أن تسعى إليه حكومات الدول النامية والعربية على وجه الخصوص، حيث يضمن تطبيقها إلى جانب التنمية السياسية والاجتماعية والبيئية إلى زيادة في مستويات المعيشة، وتحسين احتياجات الفرد واحترام الذات والتحرر من الظلم بهدف تطوير وتحسين الظروف المعيشية لزيادة النمو الاقتصادي في البلاد والعيش في بيئة مستدامة، لذا فإن تحقيق معدلات نمو مرتفعة دون تطبيق لاسترايجية تنموية ليس دليلا على النجاح الاقتصادي في بلد ما.