عرف المشهد السياسي في إيران تطورات كبيرة بعد انتخابات 26 شباط/ فبراير، والتي أفرزت برلمانًا يسيطر عليه الوسطيون والإصلاحيون والمعتدلون بقيادة حسن الروحاني، هذه النتائج التي أثارت قلق المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي الخامنئي، الذي لا يبدو راضيًا على ما أفرزته صناديق الاقتراع.
ومن المنتظر أن يُقدّم الأعضاء الجدد في البرلمان الإيراني الدعم المناسب للانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي الذي يرغب فيه الرئيس حسن الروحاني، أعقاب الاتفاق النووي الدولي الذي وقعه في يوليو عام 2015.
كما أنه بات من الواضح، أن العلاقة بين روحاني وعلي الخامنئي ليست علاقة عداء أو تصادم، فالرئيس الإيراني لم يتوجه لمفاوضة الغرب حول الملف النووي إلا بعد أن حظي بدعم ومصادقة المرشد الأعلى.
ولكن عندما تهتز قوة جبهة المحافظين المتشددين من الممكن أن تؤثر على دعائم الحكم الإيراني والتي تساهم في الحفاظ على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتحميها من أي تدخل أمريكي، كما لا يمكن أن ننسى ذكر الدور الكبير الذي يلعبه المعتدلون والمتمثل في تهدئة العلاقات الدولية الإيرانية، ولكن السؤال المطروح الآن هل يمكن أن نعتمد عليهم دائمًا؟
مؤخرًا، تحالف كلٍ من الرئيس السابق، أكبر هاشمي رفسنجاني، والرئيس الإصلاحي، علي خاتمي، واللذان تربطهما علاقة متوترة نوعًا ما مع المرشد الأعلى، وعلى الرغم من تواصل حجز علي خاتمي في الإقامة الجبرية، إلا أنه لا يزال يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل المشهد السياسي في إيران.
وقد انتقد المرشد الأعلى، يوم الجمعة 11 مارس، نتيجة استراتيجية الرؤساء الثلاثة؛ فالقائمة التي يديرها رفسنجاني والتي تضم حسن روحاني، حصدت العديد من الأصوات إلى درجة إقصاء وجوه بارزة من المحافظين المتشددين من مجلس الخبراء، هذا المجلس الذي يتم تجديده تزامنًا مع تجديد أعضاء البرلمان، خاصة وأنه بإمكان هذا المجلس، خلال فترته النيابية على مدى الثمانية سنوات القادمة، تعيين خلفًا للمرشد الأعلى البالغ من العمر 76 سنة، ومع ذلك، يبقى المعسكر المحافظ هو المهيمن، إلا أن إقصاء هذه الوجوه البارزة من المحافظين تسبب في “جرحًا” لمؤسسة الحكم في البلاد.
وفي هذا السياق، أعرب المرشد الأعلى عن شكوكه حول السياسة التي يعتمدها الرئيس حسن روحاني، مع اعتقاده أن الوفود الأجنبية، التي تزور طهران في الوقت الراهن، ستقوم في الأخير باستثمارات فعلية، وعلى الرغم من التحفظات العديدة للمرشد الأعلى، يمكن أن نعتبرأن الانتخابات كانت انتصارًا من وجهة نظره؛ أوّلا، لأن الرؤساء الثلاثة تمكنوا من إقناع جزء كبير من الناخبين من أجل التصويت يوم 26 فبراير/ شباط، حيث قال المرشد الأعلى: “على الجميع المشاركة في الانتخابات، حتى أولئك الذين لديهم مشاكل مع النظام الإسلامي”، حتى تؤكد هذه الانتخابات مدى مصداقية إيران في الخارج.
وتأتي هذه الدعوات من أجل مشاركة الناخبين بكثافة في عملية التصويت بعد القمع الذي تعرضوا له جراء اعتراضهم على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد سنة 2009، ما جعلهم غير متحمسين خلال الانتخابات التشريعية التي نظمت سنة 2012، ولم تشهد صناديق الاقتراع في إيران عودة الناخبين إلا مع انتخاب الرئيس حسن الروحاني سنة 2013، آملين في تغيير المشهد السياسي الإيراني بعد وعوده المتعلقة بمجال حقوق الإنسان، والتمثيل السياسي وسيادة القانون، إلا أن عدم تحقيق هذه الوعود، كان وراء تخوف المرشد الأعلى من مقاطعة الناخبين لصناديق الاقتراع.
وعلى طريقته، تابع الرئيس السابق لإيران علي خاتمي، دعواته للإيرانيين على الشبكات الاجتماعية، من أجل التصويت لصالح قوائم الوسطيين، فعلى الرغم من وجوده تحت الإقامة الجبرية، يعتبر علي خاتمي الرجل السياسي الأكثر شعبية في البلاد، وهو ما كان وراء هذا النجاح الذي حققته قوائم الوسطيين والإصلاحيين في الانتخابات الأخيرة.
وهكذا، فإن المرشد الأعلى، الذي يتمثل دوره في تحقيق التوازن بين الكتل والتيارات السياسية المختلفة داخل مؤسسة الحكم، عزز من موقفه، بعد ثمانية أشهر من الاتفاق النووي.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس مكتب الرئيس روحاني، محمد نهاونديان، يوم الجمعة 11آذار/ مارس، في منتدى اقتصادي في لندن، في خطاب موجهٍ للمستثمرين أن “المخاطر السياسية في إيران بدأت تقل، وحان الوقت ليهتم الإيرانيون بالاقتصاد”.
وهكذا يمكن استخلاص أن نجاح سياسة التنمية التي اعتمدها الرئيس رفسنجاني خلال تسعينات القرن العشرين، كان حافزًا للرئيس روحاني الذي انتهج سياسة الانفتاح وتطوير القطاع الخاص مع دعم الاستثمارات الأجنبية، أما فيما يتعلق بالحريات العامة، فتبقى المسألة معلقة إلى وقت لاحق.
المصدر: لوموند/ ترجمة: إيوان 24