ساترداي نايت لايف بالعربي .. سخرية مقلمة الأظافر

SNL

تناولت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير مطول نشرته على صحفتها أمس السبت الماضي النسخة المصرية من البرنامج العالمي “ساترداي نايت لايف”، موضحة بأن البرنامج العربي يفتقر لتناول المواضيع السياسية والجنسية والدينية التي اشتهرت بها النسخة الأميركية الأساسية من البرنامج الشهير.

افتتح كاتب المقال، سودارسان راغافان، قائلًا بأن أضواء المسرح وإعدادته تبدو مألوفة للغاية، وكذلك الفرقة التي افتتحت المسرحية الكوميدية، حيث تضمن المشهد الذي تابعه الكاتب محاولة مدير محطة نووية التستر على حادث بالتزامن مع قيام موظف يحمل رأسًا مخروطيًا ضخمًا الادعاء بهزلية بأن الأمور بخير، مستقطبًا بذلك ضحكات الجمهور، وبمجرد انتهاء الفصل الهزلي، يتوقف الممثلون جميعًا ليصيحوا بانسجام تام: “ساترداي نايت لايف بالعربي”.

يشير المقال بأن النسخة العربية من البرنامج الأمريكي الشهير تتضمن جميع الأشياء المعتادة، كاستضافة المشاهير، مقدمي الأخبار الذين يحاكون الأحداث الجارية، العروض الموسيقية، والعروض التمثيلية التي تتضمن تعليقات اجتماعية ساخرة، ولكن على عكس البرنامج الأم، “ساترداي نايت لايف العربي” يقف أمام مهمة شاقة، كونه مضطر، كما يشير المقال، لأن يعثر على الإلهام الكوميدي في منطقة ترزح تحت وطأة الحرب والعنف الذي تمارسه الدولة الإسلامية (داعش).

يوضح الكاتب بأنه من غير المتوقع أن تشهد النسخة العربية من البرنامج الكوميدي الشهير السخرية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أو القادة العرب الآخرين من خلال الاستهزاء بسياساتهم أو خطاباتهم، لأن الهجاء السياسي في المنطقة العربية اليوم سيسفر بسهولة عن إغلاق العرض، أو حتى عن عقوبة السجن.

“نقوم بعرض ساترداي نايت لايف بدون توجهات سياسية، هذا الأمر يشبه فقدانك لإحدى ساقيك الاثنتين”، نقلت الصحيفة عن جورج عزمي، أحد كتّاب العرض، والذي استتبع قائلًا بأن “الجنس والدين مواضيع محرمة للتناول أيضًا”، وموضحًا بأن “الفريق يحاول أن يتناول الأمور بهدوء على طول الطريق”.

ينتقل بعدها كاتب المقال لتفسير الخلفية السياسية التي يأتي في سياقها البرنامج الساخر، موضحًا بأنه يعمل ضمن جو من تصاعد ثقافة القمع في مصر وفي أجزاء أخرى من المنطقة، ومستشهدًا بحكم الحبس لمدة 10 سنوات الذي تلقاه المدوّن السعودي رائف البدوي بتهمة “إهانة الإسلام” على موقعه على الإنترنت، وبقيام الحكومة في البحرين بسجن الصحفيين بتهم وصفتها جماعات حقوق الإنسان بالواهية، ومختتمًا بقيام السلطات التركية بالسيطرة على أكبر صحيفة في البلاد في وقت سابق هذا الشهر.

أما في مصر بحد ذاتها، فلم ينس أحد، وفق ما يشير المقال، ما حدث للكوميدي الساخر باسم يوسف، الذي يُعرف بلقب جون ستيوارت مصر، حيث تم إغلاق برنامجه الذي كان نسخة عن البرنامج الأميركي “ذا ديلي شو” قبل عامين، أي في ذات الشهر الذي تقلّد فيه السيسي سلطة مصر، وجاء ذلك على خلفية قيام يوسف بالسخرية في إحدى حلقاته من السيسي، ليعلن بعدها بأن المناخ السياسي في مصر خطير للغاية لمواصلة البرنامج، ويغادر مصر ويحط رحاله في نهاية المطاف في الولايات المتحدة الأمريكية.

“لا يمكنك بالضبط أن تحدد الأمر الذي قد يضعك خلف القضبان”، نقلت الصحيفة عن عمرو سلامة، مخرج البرنامج.

يسوق الكاتب بعدها الأماكن التي حظيت بامتيازات عرض برنامج ساترداي نايت لايف والتي تتمثل بإسبانيا وإيطاليا وألمانيا والصين وكوريا الجنوبية، موضحًا بأن النسخة العربية تصل إلى جماهير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي هذا السياق، تسعى نسخة الشرق الأوسط من البرنامج لتأسيس عرض فريد في ذات الوقت الذي يسعى فيه المنتجون والممثلون الكوميديون للحفاظ على التاريخ الرائد والمكانة الأسطورية التي اكتستبها النسخة الأميريكية من البرنامج خلال عرضها على فترة تتجاوز الـ40 عامًا، حيث يشير المقال بأن بعض أعضاء الفريق سافروا العام الماضي إلى نيويورك للقاء أعضاء الفريق الأمريكي وللتعرف على طرق إنتاج البرنامج، فضلًا عن تشاور المنتجين العرب بانتظام مع نظرائهم الأميركيين.

ويضيف الكاتب موضحًا بأنه تم عقد اختبارات أداء مفتوحة في القاهرة، لاختيار 12 ممثل مصري تتراوح أعمارهم ما بين أواخر سنوات المراهقة وحتى منتصف الثلاثينيات، ويشمل الفريق ممثلان كوميديان عملا سابقًا ضمن برنامج باسم يوسف، هما خالد منصور وشادي الفونس، اللذان امتنعا بشكل واضح حتى الآن عن التفوه بأي عبارات استفزازية، على حد زعم المقال.

ذكرت الصحيفة بأن تسجيل حلقات البرنامج، الذي يُعرض على شبكة قنوات أو إس إن “OSN“، وهي خدمة أقمار صناعية خاصة مقرها دبي مخصصة لمنطقة الشرق الأوسط وغير خاضعة للرقابة، يتم ضمن أحد أقدم الاستوديوهات المصرية، التي لا تبعد كثيرًا عن أهرامات الجيزة الشهيرة، وينقل الكاتب بأنه وفي كل أسبوع، يتم إنتاج حلقتين من البرنامج بربع عدد الأعضاء الذين تستخدمهم النسخة الأمريكية منه، حيث يضطر الطاقم لتسخير ساعات عمل طويلة للتسجيل في كل أسبوع، وعلى الرغم من كون البرنامج يُسجل أمام الجمهور، إلا أنه لا يُبث على الهواء مباشرة، لتجنب الوقوع في المشاكل، كما يوضح المقال.

تقتبس الصحيفة من مخرج البرنامج سلامة، سببًا آخر لعدم عرضه على الهواء مباشرة، حيث يقول: “في مصر والشرق الأوسط برمته، علينا أن نتأكد من أن كل شيء خاضع للرقابة ويطابق سياسة القناة، حيث لا يعرض البرنامج على الهواء مباشرة حتى يكون لديهم الوقت لتحرير وإخراج ما يريدونه، وبشكل عام، وفي مصر، يصعب للغاية العثور على أي عرض كوميدي يبث على الهواء مباشرة”.

يدلف كاتب المقال بعدها لتوضيح التهكمات ومبدأ السخرية اللذان ينتهجهما البرنامج العربي، حيث يشير إلى أن الحلقة الأولى من البرنامج، تُظهر تعهد “وزير السعادة المصري” الجديد بالتخلص من الأغاني التي ينتجها موسيقيان شعبيان لأنها حزينة للغاية، موضحًا بأن المشهد الهزلي مستلهم من واقع تعيين الإمارات العربية المتحدة لوزير سعادة جديد في الشهر الماضي، وينتقل إلى حلقة أخرى تهكم فيها البرنامج من المجتمع المصري من خلال تصويره لمبيد فئران في أحد المشاهد يقوم بالتخلص من الفأر من خلال إغرائه بمبلغ مالي كبير، ومشهد آخر يظهر آلة بيع تتهكم على المصريين العاديين ولكنها تذعن وتحسّن من لهجتها تمامًا إزاء قيام مجموعة من رجال الشرطة المصريين بالوصول إليها لشراء الصودا، ويخلص الكاتب بالمحصلة بأن هذا السرد هو أقصى ما يستطيع طاقم البرنامج أن يستثيره من السخرية والتهكم.

النسخة الأمريكية من البرنامج تشتبك بشكل شديد القوة مع القضايا التي تهم مجتمع الولايات المتحدة، ولن يكون من المبالغة القول إنها أثرت بشكل كبير في المشهد السياسي.

في هذا الفيديو على سبيل المثال، يتهكم فيه مذيعا البرنامج تينا فاي و داريل هاموند على مرشحي الرئاسة السابقة سارة بالين والمرشح المثير للجدل دونالد ترامب بشكل قد يعتبره الكثيرون مسيئا للغاية.

هنا يسخر ويل فاريل من جورج بوش ومن المرشحين الذين يخوضون السباق الرئاسي عن الحزب الجمهوري، وفي هذا الفيديو يسخر البرنامج أيضا من آراء المرشحين الجمهوريين، أو منسارة بالين (مرة أخرى) أثناء ترشجها كنائبة للرئيس على بطاقة جون ماكين، أو يسخرون من الديموقراطيين هنا.

البرنامج سخر من جورج بوش، ويمكن القول إنه توقع أن يخوض الأمريكيون حربا في العراق قبل 11 سبتمبر بأكثر من سبعة أشهر، ولاحقا يسخر من قصف العراق، ومن علاقات السياسيين الجنسية.

لكن الأهم على الإطلاق هو كيف يتعامل السياسيون مع السخرية منهم! هذه سارة بالين -الحقيقية- تشارك في ساترداي نايت لايف بعد أن أشبعتها تينا فاي سخرية مع رفيقها في السباق الرئاسي جون ماكين الذي وصفته فاي بأنه يبدو أمام باراك أوباما مثل شاجنة القمامة!

وفقًا لكاتب المقال الذين عاين آراء بعض شرائح الشعب المصري، غياب التسييس في البرنامج يشكل للبعض نوعًا من الهروب المرحب به من واقع الأزمة الاقتصادية والمخاوف الأمنية والإجراءات التي اتخذتها الحكومة، حيث ينقل المقال عن المحرر أحمد يسري، 33 عامًا، قوله: “السياسة هي شيء علينا أن نتحمله في كل يوم وكل ساعة، ومن اللطيف أن نبتعد عنها”، أما آخرون، فيشيرون بأن عصر السخرية السياسية في مصر قد اندثر، ومن ذلك ما قالته الموظفة الحكومية إسراء مدحت، 28 عامًا، والتي أوضحت للصحيفة: “لا يوجد داعٍ للسخرية السياسية بعد باسم يوسف، فالطريقة التي غطى بها السياسة وأبقى فيها الشعب على علم بما يجري، لا يمكن تكرارها”.

يختتم المقال بقوله أنه وبمواجهة القيود المفروضة على الإبداع، لا يرى منتجو وممثلو سترداي نايت لايف بالعربي أن هدفهم يتمحور باستثارة عامل محفز للتغيير، بل بقدرتهم على الاستمرار بالبرنامج في البيئة المقيدة التي يعيشونها اليوم دون تشويه الإرث التاريخي للبرنامج الأصلي.

“أفضل إنجاز يمكننا أن نسعى إليه، هو ألا نصل لمرحلة يقول فيها أي بأننا أفسدنا ساترادي نايت لايف” يقول سلامة.