صنع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري التاريخ في الأسبوع الماضي عندما أعلن قيام نظام فدرالي في شمال سوريا، ويعتبر الإعلان رمزيًا ومحفزًا على حد سواء، كما أن هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأنه ليس مجازفة كما يعتقد الكثيرون، وعلى الرغم من اختلاف الأكراد السوريين والعراقيين حول العديد من القضايا، فقد جاءت هذه الخطوة لربط المناطق المتجاورة التي يسيطر عليها الأكراد، الذين يسيطرون على أراض متجاورة في حجم سريلانكا.
وفي سوريا، يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي على ما يقرب من 10000 ميل مربع، وهو ما يقرب من ثلثي الأراضي التي يحكمها الأكراد العراقيين. وفي شهر أكتوبر، سيطر الحزب على مزيد من الأراضي بعد تحقيق مكاسب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا، ومنذ ذلك الحين، أخرج الجناح العسكري للحزب، وحدات حماية الشعب، تنظيم الدولة الإسلامية من جنوب الحسكة، وقد حفز هذ الأمر النشطاء الأكراد الذين يحلمون بدولة لـ “أكبر أمة بلا دولة في العالم”.
ومن ناحية أخرى، أقلقت تلك الأخبار تقريبًا جميع المنخرطين في الصراع الدائر في سوريا، بما في ذلك حلفاء الأكراد المفترضين مثل هيثم مناع، وهو معارض سوري نأى بنفسه عن التوجه الرئيسي للمعارضة، وذكرت الولايات المتحدة أيضًا أنها لن تعترف بتلك الفيدرالية، كما رفضتها تركيا بما لا يثير الدهشة كذلك.
كما يخشى السكان المحليون في شمال شرق سوريا أيضًا المشروع القومي لوحدات حماية الشعب، وخاصة بعد حوادث، تم توثيقها من قِبل منظمة العفو الدولية، هدم البيوت والتهجير القسري للعائلات العربية من قِبل الميليشيات الكردية.
ظاهريًا، يبدو المشروع الكردي ساذجًا، وفي العراق، اقتطع الأكراد منطقة شبه حكم ذاتي بعد أن أعلنت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ملاذًا آمنًا داخل العراق في العام 1991، وفي سوريا، الأكراد أكثر عددًا، وهم محاطون بالتركيبة السكانية العربية المعادية والجماعات المسلحة، فضلاً عن تركيا، وتنتشر المناطق ذات الأغلبية الكردية أيضًا في جميع أنحاء شمال سوريا.
ويقول الكثيرون إن هذه الخطوة كانت سابقة لأوانها، وكان يمكن للأكراد أن يواصلوا إحكام سيطرتهم على شمال شرق سوريا من خلال العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية والحفاظ على نظام الكانتونات المؤقتة القائم، كما جاء الإعلان أيضًا في أعقاب “الطعنة الخلفية” لوحدات حماية الشعب للمعارضة السورية عندما هاجمتها عندما كانت تتعرض للقصف من قِبل روسيا والنظام في شمال حلب الشهر الماضي، ولكن الفرص يمكن أن تتغلب على المخاطر الواضحة، حيث لازال حزب الاتحاد الديمقراطي يمتلك الوقت لبناء الحقائق على الأرض وقيادة مستقبل فيدرالي لسوريا.
وقد استطاع الأكراد إثبات أنفسهم كدرع ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وتدرك واشنطن، الداعم العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، أنه إذا تم إضعاف الأكراد، فسوف يتم تعزيز قوة تنظيم الدولة الإسلامية، وفي حالة عدم وجود بديل فعال، من غير المرجح أن توقف الولايات المتحدة الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي، ويبدو أن تركيا أكثر استعدادًا لحشد القوات ضد الأكراد، الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية، أكثر من استعدادها لدعم جيش فعال يوازن بين وحدات حماية الشعب ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
ويمتلك حزب الاتحاد الديمقراطي ميزة الحفاظ على الولايات المتحدة إلى جانبه ما دام تهديد تنظيم الدولة الإسلامية لازال قائمًا، وهذا يعني أن حزب الاتحاد الديمقراطي يمكنه أن يواصل ترسيخ قدمه في تلك المناطق، وهي المكان الوحيد الذي لا يمكن لنظام بشار الأسد أن يقصفه.
ومن غير المرجح أن تتوحد فصائل المعارضة السورية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي؛ فقد هيمنت التوترات بين القوى الوطنية وجبهة النصرة على مشهد المعارضة في الأسابيع الأخيرة، ولا تمتلك المعارضة القدرة على القتال ضد الأكراد، وتنظيم الدولة الإسلامية والنظام في نفس الوقت، الصراع في سوريا لا يزال محتدمًا، وسوف تواصل المعارضة التركيز على النظام في الوقت الراهن.
يمتلك حزب الاتحاد الديمقراطي أيضًا حلفاءً داخل القبائل العربية في شمال شرق سوريا، وقد يزيد ذلك من دعم فكرة الفيدرالية اعتمادًا على كيفية حكم الحزب للمناطق التي يسيطر عليها في الأشهر المقبلة، ويعتبر حميدي الدهام، من قبيلة شمّر، هو الحليف الرئيسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، حيث يقود ميليشيا قبلية تعمل في ظل قوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدةـ وفي حين توجد توترات عميقة بين الكثيرين في الحسكة وبين الأكراد، يرى البعض أن مصالحهم مع حزب الاتحاد الديمقراطي، حتى إن البعض يستشهد بالتحالفات التاريخية مع الأكراد ضد القبائل العربية الشقيقة.
الأكراد لديهم الوقت للسيطرة على المناطق العربية الكبيرة، وهذا أمر يمكن تحقيقه إذا أخذنا في الاعتبار أن الحسكة والرقة، خلافًا لمحافظات أخرى، كان بها تمرد مسلح ضعيف خلال الصراع، حيث تم نزع سلاح سكانها بشكل كبير من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية عندما كان يسيطر عليهما، كما أن المناطق التي سيطر عليها النظام تمتلك أيضًا قدرة ضئيلة للانتفاض ضد حكامهم الجدد.
ولكل هذه الأسباب، لا يبدو أن إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي خياليًا للغاية، وحتى إذا واجه الأكراد جهدًا منظمًا لتفكيك مشروعهم، فإن سيناريو النهاية سيكون صفقة لتقاسم السلطة يمكنها إنقاذ بعض مكاسب الأكراد على الأقل، وبخلاف ضغط الولايات المتحدة وتركيا، يمكن فقط للتمرد المنظم ضد حزب الاتحاد الديمقراطي أو هزيمة الميليشيات الكردية أن يقتل فكرة الفيدرالية.
وفي الوقت الحاضر، من غير المرجح أن يحدث كلا الأمرينـ وفي نهاية المطاف، قد يدرك السوريون مزايا النظام الذي أسسه الأكراد بالفعل.
المصدر: ذي ناشيونال/ ترجمة: إيوان 24