لعله لم يشعر بالثقة التامة وهو يجلس في مقعد أردوغان، بعد أن خلفه كرئيس للوزراء، ليترأس اجتماع المجلس الأعلى العسكري، فقد جلس داوود أوغلو في الاجتماع السنوي الأهم للقوات المسلحة التركية في أغسطس الماضي والجميع يتحدث عن هشاشته أولًا في مقعد جلس عليه أردوغان لأكثر من عشر سنوات، إضافة لكونه أنذاك رئيسًا مؤقتًا للوزراء في ظل النتيجة الأسوأ التي خرج بها حزب العدالة والتنمية في يونيو الماضي وخسر بها أغلبيته البرلمانية، قبل أن تجري الانتخابات المبكرة في نوفمبر ويستعيد الحزب ثقة ناخبيه.
على أي حال مضى الاجتماع، واختارت القوات المسلحة التركية وفق تقليدها المعروف شخصًا جديدًا كرئيس للأركان في ولاية تمتد لأربعة أعوام (تنتهي أغسطس 2019)، وهو خلوصي أكار، خلفًا لنجدت أوزال، وكلاهما كما نعرف مما كتبته الصحف التركية حولهما من مؤيدي ابتعاد الجيش عن ممارسة السياسة كما فعل في الماضي، وترسيخ المكتسبات الديمقراطية، كما أن خلوصي أكار بالتحديد صاحب خبرة في الملفات اللوجستية والاستخباراتية، وهو ربما ما جعله مناسبًا في تلك المرحلة.
خلال شهر واحد من ذلك الاجتماع في سبتمبر، وقع داوود أوغلو على مذكرة صادرة للولايات التركية كافة، تسمح الحكومة بموجبها بنشر جنود القوات البرية التابعة للجيش للمساعدة في محاربة الإرهاب أو التدخل في أية حوادث عامة، وكان ذلك بالطبع على خلفية عودة الاقتتال بين الجيش وحزب العمال الكردستاني، إلا أن المذكرة استندت لقانون صدر قبل تلك الأحداث، وهو قانون الإدارة المحلية رقم 5442، بعد تعديل أُدخِل عليه عام 2013، والذي يتيح لحكام الولايات استدعاء القوات المسلحة لمواجهة اضطرابات حال قرر عُمدة الولاية أن قوات الشرطة المتواجدة غير كافية لإيقافها.
انقلاب هو إذن في وضع الجيش التركي الداخلي، والذي ظل لحوالي عقد ينعم بالهدوء، ويخرج من اللعبة السياسية تحت حكومة العدالة والتنمية، بل ويعاني من محاكمات قياداته القديمة بتُهَم الضلوع في التخطيط لانقلابات أو المشاركة في انقلابات سابقة، كما حدث في قضيتي أرغنكون والمطرقة الشهيرتين، واللتين حوكم بموجبهما العشرات من الصحافيين والرجال العسكريين على خلفية مخطط لإسقاط حكومة العدالة والتنمية، وهي القضية التي شاركت في تحريكها عناصر حركة كولن داخل السلك القضائي كما يعرف كثيرون أثناء تحالفها مع الحزب الحاكم أنذاك، وتحولت وفقما يقول نقادها إلى حملة انتقامية بحتة لتقليم أظافر الجيش بشكل عام.
الانقلاب لا يتوقف على الجيش، ولكن على علاقة العدالة والتنمية بأصدقائه وأعدائه، فأصدقاء الأمس الذين ساعدوه على التخلص من قبضة العسكر، وهي حركة كولن بالأساس، أصبحت الغريم الرئيسي، والتي شن أردوغان حملة قاسية عليها باعتبارها “دولة عميقة” لطرد عناصرها من جهاز الشرطة والقضاء، واستحوذت الشرطة على الصحيفة التابعة لها “زمان” مؤخرًا وهي الأكبر في تركيا، في حين حظى أعداء الأمس بالعفو، كما حدث بالفعل في مارس 2014 بإطلاق سراح رئيس الأركان السابق إلكر باشبوغ، والذي اعتقل سابقًا على خلفية تحريضه لإسقاط الحكومة كأول رئيس أركان يُعتقل في تاريخ الجمهورية، ثم في يونيو 2014، حين قررت محكمة تركية إطلاق سراح 236 شخصية عسكرية تركية قُبِض عليها في إطار قضية المطرقة سابقًا بحُجة عدم ارتباطهم بالأدلة المُساقة ضدهم، وعدم قدرة المحكمة أصلًا على الوصول للأدلة كاملة.
تشَتين دوغان، أشهر المقبوض عليهم في قضية المطرقة والقائد السابق للجيش الأول التركي، بعد الإفراج عنه
بالتزامن مع تلك التحولات، وقعت حوادث مريبة في الحقيقة لا يبدو فاعلها واضحًا أو واحدًا، بدأت بتفجير ريحانلي في 2013 بولاية هطاي المتاخمة لسوريا، ثم تفجير دياربكر الذي استهدف مسيرة لحزب الشعوب الديمقراطي المرتبط بحزب العمال الكردستاني في يونيو 2015، ثم تفجير سوروج القريبة من الحدود السورية في يوليو 2015 والذي استهدف نشطاء يساريين وأكراد، ثم تفجير أنقرة الأكبر في أكتوبر الماضي والذي راح ضحيته أكثر من مائة شخص واستهدف مسيرة كردية أيضًا، ثم تفجير السلطان أحمد في إسطنبول مطلع هذا العام، وهي كلها حوادث يشتبه بضلوع محسوبين على داعش في القيام بها أو تعرفت السلطات على منفذيها بالفعل وأثبتت ارتباطهم بداعش.
تباعًا، يأتي تفجير حافلة أنقرة في فبراير، والتي كانت تقل عسكريين، كسابقة باعتبار الطرف الذي تبناها محسوبًا على حزب العمال الكردستاني، وإن لم يتبنى الحزب نفسه العملية بصورة رسمية، ثم تفجير أنقرة الأخير والذي تبناه طرف كردي أيضًا، وأخيرًا تفجير الأسبوع الماضي في شارع استقلال بإسطنبول والذي ثبت قيام شخص على علاقة بداعش به.
تمت كل تلك الحوادث في فترة قصيرة نسبيًا، ومن جهات مختلفة بل ومتصارعة هي حزب العمال الكردستاني وداعش، إن صحت أصلًا الادعاءات بضلوعهما في التفجيرات، وهو أمر غريب بالنظر لإعلان داعش باستمرار عن تبنيها لأية عملية تقوم بها كما حدث في باريس وغيرها، إلا أنها لم تعلن أي شيء بخصوص تفجيرات تركيا رُغم ثبوت انتماء المنفذين لها، وهو فعليًا أمر لا يكفي ليثبت ضلوعها بالكامل بالنظر لوجود مجموعات محسوبة على داعش داخل تركيا وعملها بدون تلقي الأوامر منها مباشرة بالضرورة.
بالتزامن مع زعزعة الاستقرار تلك بشكل غير مسبوق منذ وصول العدالة والتنمية للسلطة، يثير الانتباه كذلك الانزلاق السريع للاقتتال بين الجيش وحزب العمال، وإن كان البعض يسوق الأزمة السورية باعتبارها سببًا كافيًا لتعكير صفو المفاوضات بين الحزب والدولة، على اعتبار ارتفاع سقف مطالب حزب العمال بمكتسباته في سوريا، فإن الواقع هو أن “عملية السلام” ظلت مستمرة رُغم مجريات الأحداث في سوريا، وأنها استمرت حتى مارس 2015، حين اجتمع وزير الداخلية إفكان علاء ونائب رئيس الوزراء يالتشن أقدوغان بقيادات حزب الشعوب في قصر دولمة بغشة، وتناولت الصحف تصريحات على لسان رئيس الحزب صلاح الدين دميرطاش قال فيها بأن عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال، على استعداد للدعوة إلى ترك السلاح.
اجتماع دولمة بغشة بين قيادات الحكومة وحزب الشعوب الكردي في مارس 2015
بدأ الانقلاب في الملف الكردي بعد انتخابات يونيو 2015، حين حصل حزب الشعوب على أكثر من 10% ليصبح أول حزب كردي يدخل البرلمان التركي، وخسر العدالة والتنمية بدوره أغلبيته البرلمانية، وإن كانت الخسارة سببها الرئيسي فقدان أصوات بعض الأتراك ممن اتجهوا للحزب القومي، وقد تعددت الأقاويل في اتساع الهوة بين الحزب الحاكم والأكراد، فهناك من قال بأن بروز حزب الشعوب وفقدان العدالة والتنمية لمليون صوت كردي كان سببًا كافيًا لذلك، إلا أن هذا لا يفسر أبدًا عودة الاقتتال، فملف عملية السلام في نهاية المطاف متعلق بمستقبل الدولة وعلاقتها بمواطنيها، ويتجاوز العداوات الحزبية بشكل واضح، كما قال آخرون بأن فقدان أصوات مليوني تركي لصالح القوميين الأتراك أنذاك دفع الحزب لمواقف أكثر قومية في الملف الكردي لاستعادة ناخبيه، وهو تحرك قصير النظر من الحزب الحاكم إن صح.
يعتقد البعض بأن تصريحات دميرطاش الموجهة ضد أردوغان شخصيًا أثناء الحملات الانتخابية، وضد مخططاته لتحويل النظام التركي إلى نظام رئاسي، قلبت موقف أردوغان من الحزب بما يكفي لضرب عملية السلام، وفي ظني أن ذلك لا يزال غير كافٍ، وإلا فإن أردوغان يكون قد تحول حينئذ لديكتاتور مجنون بشكل كامل، يعلق أوضاع بلاده السياسية ومستقبل العقد الاجتماعي فيها رهن طموحاته الشخصية وكأنه زعيم كوريا الشمالية، وإن كانت طموحاته السياسية الشخصية موجودة بالفعل، إلا أنها لم تصل لذلك الحد، وبالتالي فإن عودة الحرب في جنوب شرق تركيا بتلك السرعة بعد انتخابات يونيو تحتاج لأسباب أخرى على أقل تقدير.
لنطرح السؤال الآتي: ما العلاقة بين هبوط أسهم أردوغان (بعد انتخابات يونيو) وعودة الحرب مع حزب العمال؟ لنتذكر هنا أن أردوغان، مهما بلغت قوته، لا يزال طرفًا من أطراف عدة للدولة التركية، وأنه مع حزبه كان على مدار حكمه الطرف الأكثر اهتمامًا بالانفتاح على الأكراد ثقافيًا وسياسيًا، بل إن داوود أوغلو كرئيس للوزراء قد كتب تصوراته عن “تركيا الجديدة” في وثيقة العام الماضي تضمنت شطب كلمة تُرك من الدستور القادم، باعتبارها إشارة للأتراك عرقيًا، والتركيز على فكرة مواطني الدولة التركية كمجموعة متعددة الأعراق واللغات والأديان، وهي رؤية لا شك تتجاوز بشكل هائل النظرة التقليدية داخل أروقة الدولة التركية، والتي يسود الاعتقاد بين بعض أطرافها، لا سيما الحرس القديم، بأن فتح تلك المساحة مع الأكراد لن يمر دون استغلال حزب العمال الكردستاني لها بشكل يهدد وحدة تركيا.
في الحقيقة تبدو تلك الرواية صحيحة جزئيًا، فأثناء عملية السلام على مدار العامين الماضيين قام حزب العمال بالفعل بتدشين نوع من الحكم الذاتي من تلقاء نفسه في بعض الولايات بالجنوب الشرقي، حيث حصّل الضرائب من بعض التجار، وأسس محاكم لمعاقبة المتمردين عليه، وأقام نقاط تفتيش في مناطق عدة، ولم يكن غريبًا أن تشتعل مواجهات بين الحزب وحركة هدى ݒار الكردية الإسلامية في مدينة جيزرة أواخر العام 2014، فالتوتر بين حزب العمال الشيوعي أو يساري التوجه والمجموعات الكردية الإسلامية معروف وقديم، والدولة التركية على مدار عقود من صراعها معه دعمت بشكل أو آخر فصائل كردية إسلامية عدة بوجه مقاتليه، بل إن بعض الأكراد يعتقدون بأن تلك المجموعات بالكامل محسوبة على الاستخبارات التركية.
جانب من المواجهات بين حزب العمال الكردستاني وحركة هدى ݒار الكردية الإسلامية في جيزرة، ديسمبر 2014
لا نحتاج تفكيرًا طويلًا فيمن أبدى عدم ارتياحه أنذاك مما قد تؤدي له عملية السلام، ففي واحدة من المرات القليلة التي تحدث فيها نجدت أوزال، رئيس الأركان أنذاك، في الشأن السياسي، قال صراحة بأن الجيش لا يعرف تفاصيل خريطة الطريق الخاصة بعملية السلام، وأنه ليس جزءًا من الجهود المبذولة فيها، لكن الجيش “سيتخذ التصرفات اللازمة إذا تجاوزت العملية الخطوط الحمراء الممثلة في وحدة البلاد وعدم انقسامها.”
يبدو ذلك إذن سببًا إضافيًا مقنعًا لعودة الحرب، فهبوط موازين العدالة والتنمية، مع فقدانه بالتحديد لأصوات تركية لصالح القوميين من المتحفظين على عملية السلام، أمر كفيل بإعطاء المساحة للجيش ليلقي بثقله في هذا الملف، خاصة بالنظر لقلق المؤسسة العسكرية التركية مما يجري على الحدود السورية، ونشاطات حزب العمال على الناحية الأخرى عبر شقيقه الممثل بوحدات حماية الشعب كما تُعرَف، والتي لم تخفي رغبتها تأسيس نظام فيدرالي بشمال سوريا على غرار ذلك الذي تطالب به في جنوب شرقي تركي بشكل قد يخلق فعليًا كيانًا كرديًا هو حق لها بالطبع كما ترى وأنصارها، وتهديد لوحدة الأراضي التركية كما يري الجيش التركي.
علاوة على كل ذلك، وانتقالًا للملف السوري، تبدو هناك علامات استفهام عدة حول حادث إسقاط الطائرة الروسية، وما إن كان قرارًا عسكريًا صرفًا اتخذته القيادات العسكرية دون الرجوع للحكومة باعتباره واجبها العسكري، وإن صحت تلك الرواية فإن القرار يكون فريدًا من نوعه لأن الروس اخترقوا المجال الجوي مرات عدة لفترات قصيرة، أضف لذلك أن تلك الخروقات معتادة بين الأتراك واليونانيين طوال العام، وهو ما يعني أن الهدف منها لم يكن عسكريًا بطبيعة الحال، وبالنظر لإضرارها بالموقف التركي في الأزمة، وإحداث توتر كانت تركيا في غنى عنه مع روسيا في وقت تعاني فيه من خلافات مع واشنطن، يبدو لي منطقيًا بالفعل أن القرار كان عسكريًا صرفًا، وأنه أريد منه إعادة موقف أنقرة الإقليمي إلى موقعه الغربي التقليدي.
مرة أخرى هي مجرد رواية لا يسع أحد أن يتحقق منها بالكامل، غير أنه يصعب تخيل موافقة الجيش على قرار كهذا بسهولة إن كان قد صدر من الحكومة دون تحفظ منه على ما يشكله من خطر، وإن صحت الرواية الأولى إذن فتحرك الجيش يكون قد أتى أكله تمامًا، فالسياسة الخارجية للحكومة تحولت بالفعل بعد الحادث بشكل واضح، أولًا بتوتر شديد في العلاقات مع الروس، وثانيًا بتقارب مع الولايات المتحدة وأوروبا، وأخيرًا بعودة العلاقات لمجاريها مع إسرائيل، وإن كانت النقطة الأخيرة ستجري عاجلًا أم أجلًا بالنظر لتوتر العلاقات مع إيران في إطار الأزمة السورية والمصالح المشتركة للطرفين، (وهو توتر لا تبدو أنقرة عازمة على بقائه طويلًا أصلًا كما رأينا من زيارة داوود أوغلو لطهران مؤخرًا نتيجة المصالح الاقتصادية القوية للبلدين.)
جانب من العمليات العسكرية التركية في جنوب شرقي البلاد
بالإضافة لكل ذلك، يبدو استنزاف الجيش التركي في معركة داخلية في هذه المرحلة رغبة لدى كافة الأطراف التي لا ترغب برؤية تدخل عسكري تركي من أي نوع في شمال سوريا، بما في ذلك للمفارقة الجيش التركي نفسه، والذي يريد من تلك الحرب التأكيد على خطوطه الحمراء وإسقاط أي عمل عسكري بسوريا من حسابات الحكومة في آن، كما يبدو أن التنسيق الأمريكي الروسي في سوريا، والذي أعطت بموجبه واشنطن الضوء الأخضر بالكامل للروس، شكل ضغطًا على تركيا أراد به الأمريكيون إجبار أنقرة على التزام مقعدها الغربي التقليدي، فالخلافات بينهما في الملف السوري لا تخفى على أحد، وإشعار تركيا بالتهديد الروسي المباشر، على غرار الحال في الحرب الباردة، هو التحرك الأمريكي الأقدم والأسهل للتأثير على الموقف التركي.
أخيرًا، وبالعودة لمسألة التفجيرات المتكررة، فإن توجيه أصابع الاتهام لداعش وحزب العمال أمر سهل ومنطقي في ظل المعركة الدائرة، غير أن تاريخ السياسة التركية يشي لنا بأن حوادث كتلك يمكن أن تأتي من الداخل التركي، ومن أطراف على علاقة ببعض دوائر السلطة أو بغض الطرف عن المجموعات التي تقوم بها على الأقل من جانب السلطة، والمصالح هنا متعددة، بدءًا من الضغط على الرأي العام الغربي للتأكيد على كون حزب العمال إرهابيًا ويستهدف المدنيين، والدليل هنا ضلوعه في تفجير أنقرة مثلًا، وفقما ادعت مجموعة كردية متطرفة، وحتى زعزعة الاستقرار الداخلي بالفعل بشكل يُضعف الحكومة على غرار السبعينيات، وهي تهمة للمفارقة وُجهِت لبعض العسكريين المقبوض عليهم عام 2008 وتم إثباتها بعد حيازة وثائق وملفات، أما الطرف الذي يملك مصلحة في ذلك فهم كثر، فقد تكون داعش بالفعل ردًا على انضمام تركيا للتحالف الغربي ضدها، أو جهات داخلية مستغلة الخلايا المحسوبة على داعش داخل تركيا، وهي مجموعات تقع تحت نظر المخابرات التركية كما نعلم، (بل وربما تمتعت بعلاقات جيدة معها في وقت مبكر من الأزمة السورية لأسباب منطقية يطول شرحها.)
***
إجمالًا، وتلخيصًا، يبدو هناك “انقلاب” داخل تركيا في الأونة الأخيرة، وهو ليس انقلابًا بالمعنى الكلاسيكي المعهود، ولكنه انقلاب في السياسات على أصعدة مختلفة، والأرجح أن الجيش إما يمارس ضغوطًا من داخل الدولة لتعديل ما لا يعجبه في سياسات أردوغان الأخيرة، أو أن أردوغان بنفسه ارتأى تبني خطاب الجمهورية القديمة والاعتماد على الجنرالات مرحليًا للحفاظ على قواعد ناخبيه في الداخل والخروج من المأزق في الخارج، بما في ذلك من مخاطرة بإعادة الجيش ولو جزئيًا لموقعه القديم، وهي مخاطرة أيضًا بالنظر لعدم امتلاك أردوغان حلفاء خارج نطاق حزبه كما كان سابقًا، بدءًا من حركة كولن وحتى الأكراد.
في كلتا الحالتين تبدو رائحة تركيا القديمة وقد خرجت للأجواء مجددًا بشكل لا يوحي بأن المسيرة نحو تركيا 2023 تسير وفقما أراد لها العدالة والتنمية يومًا ما.