يتميّز الخليج العربي بالأنظمة التي تمزج بين الدين والدولة في سياساتها الخارجية، المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تضم اثنين من أقدس المواقع الإسلامية، وتنبع قوة الأسرة الحاكمة من اتفاق قام به أسلافهم مع طائفة دينية أصولية من السُنة.
على الجانب الآخر، تُعدّ إيران أكبر دولة شيعية في العالم ودائمًا ما دعمت الجماعات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة منذ الثورة الإيرانية في عام 1979، وقد كان هناك قدر كبير من عدم المسؤولية في استخدام كلا البلدين التكتيكي والاستراتيجي للإسلام من أجل تعزيز سياساتهما الخارجية وتعزيز الدعم السياسي المحلي.
ولكن بين هذين العملاقين الإقليميين تقع دولة الإمارات العربية المتحدة؛ وهي دولة صغيرة غنية بالنفط والغاز، منذ استقلالها عن المملكة المتحدة في عام 1971، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كعنصر فاعل ومؤثر في الشرق الأوسط، وكانت أقل اهتمامًا بالجغرافيا السياسية الطائفية في المنطقة، ولكنَّ الإمارات كثيرًا ما تدعم الجماعات القومية وتسعى جاهدة لفرض فصلٍ جيفرسونيّ (نسبة إلى توماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة) بين الدين المؤسسي والسياسة، في الداخل والخارج.
يؤمن صنّاع القرار في الإمارات إيمانًا عميقًا بأهمية الفصل بين الدين والدولة في العالم العربي، إنهم يرون الدروس التحذيرية في تطور الإسلام السياسي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، جماعة الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، يُنظر إليها على أنها تنظيم دولي يسعى تدريجيًا وبشكل لا يُمحى إلى نشر نفوذه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وممارسة الضغط على الطبقة السياسية باستخدام الإسلام نفسه.
جماعة الإخوان، كما يجادل المفكرون الإماراتيون، تستفيد من عدم المساواة المالية لحشد مؤيديها والمطالبة بتفويض إلهي، في هذا النمط من التفكير، فإنَّ الإخوان المسلمين ونظرائهم ممن يسعون إلى السلطة لتحقيق أهدافهم الخاصة، لا يحترمون الحدود الوطنية، ويغذون تطرف المجتمع على نحو بطيء ولكنه أكيد المفعول، ولذلك، ركّزت الاستجابة الإماراتية على مواجهة الإسلاميين الذين يسعون إلى استغلال الدين لأهداف خاصة بهم وإظهار (وتنفيذ، حيثما أمكن ذلك) بديل للحكم في منطقة الشرق الأوسط؛ نظام يتم فيه بناء وتشكيل قرارات النخب الحاكمة من قِبل الإسلام.
وفي نفس الوقت، ولتعزيز نفوذها، تتطلع الإمارات العربية المتحدة إلى أن تصبح حليفًا فاعلًا يمكن الاعتماد عليه للولايات المتحدة، ولذلك، فإنَّ تجنب الإمارات للخلط بين الدين والسياسة قد حظي بدعم كبير من واشنطن، بالإضافة إلى الرسائل السياسية الجيدة والمهنية في العاصمة الأمريكية، ومع ذلك، سيكون من الصعب الترويج لهذا النهج في المنطقة، لا سيما وأنَّ القوى الإقليمية الأخرى تكثّف استخدامها الخاص للإسلامويّة في السياسة الخارجية.
الاختلافات الاستراتيجية
توجّه مدينة أبو ظبي السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي عاصمة البلاد وأكبر إمارة بين الإمارات السبع التي تشكّل المجلس الأعلى للاتحاد، في هذه المدينة، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات، يضع محمد بن زايد آل نهيان، والمقربين منه نظام الحكم في البلاد، وقد ساهمت الشخصيات القيادية في المجلس لدعم البلاد الفكري والعملي للسياسات الجيفرسونية، والمواقف التي كانت واضحة، لا سيما منذ بداية الربيع العربي.
في أوائل عام 2011، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر من المؤيدين الفاعلين لثورات الربيع العربي، وكان لكلا البلدين دور حاسم في عملية حلف الناتو “الحامي المُوحَد”، وهي الحملة التي سعت للدفاع عن المعارضة الليبية من معمر القذافي، قدّمت الإمارات ست طائرات F-16 وست طائرات ميراج 2000 للمساعدة في إقامة منطقة حظر جوي في ليبيا ولإثبات أنَّ عملية الناتو في ليبيا ليست مجرد حالة أخرى من التحالفات الغربية لقصف دولة عربية.
على الرغم من الأهداف المشتركة لكل من قطر والإمارات العربية المتحدة في ليبيا، إلّا أنهما سرعان ما اختلفتا؛ إذ قدمت قطر التمويل والتدريب والعتاد العسكري والدعم السياسي للإسلاميين الثوريين. وشمل ذلك دعم عبد الكريم بلحاج، وهو زعيم ميليشيا تضم قيادة جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة لكنه تخلى عن ماضيه المتطرف لبدء تشكيل ميليشيا جديدة وحزب سياسي، أطلق عليه اسم “الوطن” بعد أن بدأ الربيع العربي، وفي المقابل، دعمت الإمارات العربية الجماعات المناهضة للإسلاميين، وتألفت هذه الجماعات من الحركات القومية مثل كتائب الزنتان، والسويق، والقعقاع، وبطريقة مماثلة، برزت الإمارات باعتبارها الداعم الأهم للجنرال خليفة بلقاسم حفتر بحلول ربيع عام 2014، حفتر هو قائد عسكري سابق كرّس حياته لإنقاذ الدولة من سيطرة الإسلاميين بعد سقوط نظام القذافي، وفي هذا الصدد، استخدمت الإمارات طائراتها وقواتها الخاصة، بالتعاون مع مصر، لمساعدة الجماعات الموالية لها خلال معركتها ضد الإسلاميين في مدينتيّ طرابلس ودرنة.
تعمقت الخلافات بين الإمارات وقطر في حالة مصر، بعد الربيع العربي، شعر السعوديون والإماراتيون بالخوف من صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة، وبعد انقلاب يوليو عام 2013 الذي أطاح بالرئيس التابع لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، من منصبه، دعمت البحرين، والكويت، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، المناهض للإسلاميين، لكنَّ قناة الجزيرة القطرية انتقدت بشدة حكومة السيسي في حين توقف الدعم المالي التي قدّمته دولة قطر لحكومة مرسي، وهنا تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب غيرها من دول الخليج، لسد الفجوة المالية.
وبعد عدة سنوات من هدوء الصراع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، بدأت أبو ظبي في تركيز اهتمامها نحو منافستها في الخليج، وبحلول مارس عام 2014، أقنع ولي العهد الإماراتي المملكة العربية السعودية بأنه يجب كبح جماح قطر، ونتيجة لذلك، سحبت البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة سفرائها من الدوحة لإجبار قطر على قطع علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وبعدها، أشارت تسريبات صحفية أنَّ المملكة العربية السعودية كانت تفكر في إغلاق الحدود البريّة الوحيدة لقطر، وهي خطوة كان من شأنها أن تقطع الوصول إلى ربع مصدر الواردات في البلاد من حيث القيمة، وبعد تسعة أشهر من الضغط، ازدادت مخاوف المملكة العربية السعودية من انقسام مجلس التعاون الخليجي، ومن ثمّ رأت القيادة في الرياض أن قطر قدّمت ما يكفي من التنازلات، وبحلول ديسمبر عام 2014، عاد السفراء إلى قطر، واجتمعت دول مجلس التعاون الخليجي في القمة السنوية المقرر انعقادها في البلاد، ولكنَّ هذه القمة عُقدت ليوم واحد فقط بعد أن كان مقررًا لها أن تعقد على مدى يومين، وبدون حضور ثلاثة زعماء لدول الخليج.
في ربيع عام 2015، واصلت الإمارات توريط نفسها في الصراعات الإقليمية؛ حيث انضمت إلى المملكة العربية السعودية، وإلى تحالف مكّون من دول المنطقة في التدخل العسكري في اليمن الذي كان أكبر وأكثر تعقيدًا مما توقعه بعض المحللين، الأهداف الإماراتية والسعودية المشتركة في اليمن: منع الحوثيين من السيطرة التشغيلية على صواريخ سكود التي استولوا عليها من الحكومة اليمنية، سعى التحالف أيضًا لمنع الحوثيين، الذين لديهم بعض الدعم المحدود من إيران، من ترسيخ سلطتهم في الدولة اليمنية لمنعهم من التطور في نسخة خليجية لحزب الله، تلك الميليشيا المدعومة من إيران والحزب السياسي الذي أصبح مؤثرًا في السياسة اللبنانية، الارتباط الديني هنا لا يقل أهمية عن المبررات الجيوسياسية.
ترى دولة الإمارات العربية المتحدة أنَّ الزيدية هي نظير الشيعية، والتي تعتبرها أساسًا هامًا للدعم الإيراني للحوثيين، وبالرغم من البساطة الثيولوجية لهذا الارتباط، إلّا أنّه يتوافق مع النهج الإماراتي الجيفرسونيّ الأوسع، وعلى هذا النحو، فإنَّ ائتلاف دولة الإمارات العربية المتحدة دعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كزعيم وطني.
في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على نهجها الجيفرسونيّ في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لقد دعمت الطائرات الإماراتية الضربات الجوية للتحالف والحملة الأوسع نطاقًا ضد أهداف التنظيم في العراق وسوريا من عام 2014 وحتى الآن، وفي الحرب الأهلية السورية، غابت الإمارات نسبيًا هناك، وكانت مترددة في تمكين مئات الميليشيات ذات الدوافع الإسلامية من أجل أن يكون لها رأي في هذا الصراع.
وفيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، انتهجت دولة الإمارات العربية المتحدة نهجًا جيفرسونيًا على نطاق واسع أيضًا، لقد تعاونت الإمارات لفترة طويلة مع الزعيم السابق لحركة فتح، محمد دحلان، حركة فتح هي حزب سياسي فلسطيني علماني، ودحلان يشتهر بموقفه المناهض للإسلاميين، فضلًا عن تقديمه نصائح لولي العهد الإماراتي بشأن إنشاء جهاز أمن داخلي، استعداد دحلان للعمل عن كثب مع الإسرائيليين، وهي أحد الأشياء التي ساهمت في سقوطه في السياسة الفلسطينية، انعكس بوضوح على الإماراتيين، في نوفمبر عام 2015، أعلنت إسرائيل أنها بصدد تأسيس مكتب دبلوماسي رسمي في أبو ظبي، وبالرغم من أن المكتب سيكون أقل من سفارة أو قنصلية، إلّا أنَّ وجود مكتب إسرائيلي في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة يُعدّ خطوة هامة لكلا الدولتين.
السياسات كلها محلية
مدينة أبو ظبي هي أكبر وأغنى إمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتحتوي على تباين صارخ في الثروات؛ فعلى سبيل المثال، يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لإمارة أبو ظبي إلى 70 ألف دولار، وفي ثلاث إمارات أخرى، الفجيرة، ورأس الخيمة، وأم القيوين، يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 20 ألف دولار، وفي ظل هذه الهوامش التي تتجلى فيها الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، ازدهرت جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين في العقود الأخيرة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
كما أنَّ القلق من أنَّ الربيع العربي قد يمتد إلى الإمارات في عام 2011 قاد أبو ظبي للردّ بتقديم حزم المساعدات والاستثمار والقروض السكنية، وزيادة المعاشات التقاعدية للعسكريين، ودعم المواد الغذائية بمليارات الدولارات، وتهدف كل هذه المبادرات في المقام الأول إلى مساعدة الإمارات الشمالية على التعامل مع الضغوط المالية التي قد تسمح بانتشار الإسلام السياسي.
ولكن، ثمة اختلافات جوهرية بين الإمارات الغنية والفقيرة داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، طوال تاريخ البلاد، كانت الإمارات الشمالية أكثر تحفظًا سياسيًا ودينيًا من إمارة أبو ظبي، تأسست جماعة “الإصلاح”، وهي جماعة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، في دبي في عام 1974، وسرعان ما أنشأت العديد من الاتصالات والدعم في الإمارات الشمالية، وتولى أعضاء بارزون من رأس الخيمة المناصب الوزارية في التعليم، والعمل والشؤون الاجتماعية، والعدل، والشؤون الإسلامية، والأوقاف في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم.
وسرعان ما أثارت التصورات بأنَّ جماعة الإصلاح لديها الكثير من النفوذ وأنها تتصرف مثل المافيا التي تسيطر على التوظيف في الوزارات، الكثير من القلق في أبو ظبي ودبي، وفي أواخر الثمانينات، طالبت إمارة دبي بأن يعطي الأئمة نسخًا من خطبهم للحكومة للموافقة المسبقة عليها، وفي الوقت نفسه، كانت إمارة أبو ظبي تسعى إلى تمركز وتوحيد الإمارات تحت قيادتها، ولم ترغب في وجود أي منافسة، وبدأت أيضًا تطويق أنشطة جماعة الإصلاح للحدّ من نفوذها، وبعد محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك من قِبل مجموعة إسلامية متطرفة في عام 1995، أُجبر بعض أعضاء جماعة الإصلاح على التقاعد من وظائف وزارية وتمّ ترحيل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين البارزين في قطاع التعليم من الإمارات.
ولكن التنافس بين الإمارتين عرقل حملة أبو ظبي ودبي ضد جماعة الإصلاح، ذكرت كورتني فرير في أطروحتها التي تدرس فيها تطور جماعة الإخوان في الخليج، أنَّ الشيخ صقر القاسمي، قائد رأس الخيمة (1948-2010)، دعم جماعة الإصلاح لأنه اعتقد أنّها قوة تعمل من أجل الخير، وفي تلك الفترة، رأت أبو ظبي أنها مجرد محاولة للتفاوض مع جماعة الإصلاح، لكنها اضطرت إلى تصعيد نهجها في مواجهة تعنت الجماعة، وفي نهاية المطاف، أرادت أبو ظبي أن تراجع الجماعة نفسها وتنبذ أية ارتباطات خارجية أو انتماءات مع المرشد العام للإخوان المسلمين في القاهرة، وأن تحذو حذو الجماعة في قطر، التي حلّت نفسها في عام 1999، ولكنَّ جماعة الإصلاح رفضت ذلك، ومن ثمّ تصاعدت التوترات.
هجمات 11 سبتمبر عام 2001، والتي شملت على رجل من رأس الخيمة وآخر من الفجيرة، أكّدت مخاطر سماح أبو ظبي لمثل هذه الجماعة بالعمل وخلق مناخ للتطرف، ولذلك، اعتقلت الحكومة مئات من أعضاء جماعة الإصلاح وتمّ تغيير آخرين في مختلف الوزارات للحدّ من نفوذهم، وفي هذه الحملة، ظهر ولي العهد المستقبلي محمد بن زايد باعتباره شخصية وطنية بارزة، وقاد المناقشات في عام 2003 لإقناع جماعة الإصلاح بالحدّ من أنشطتها المحلية، كان المنطق الذي يقف خلف نهجه كما تقول فرير: “لو لم تكن جماعة تخريبية سياسيًا، فإنها لا تتطلب قدرة تنظيمية مستقلة”، ولكنَّ هذه المحادثات لم تفض إلى شيء، بل تمّت إقالة مئات من أعضاء جماعة الإصلاح من المناصب الحكومية المختلفة في عام 2006، ومع ذلك، رفضت الجماعة التراجع.
تغيّرت الأمور مع الربيع العربي الذي أدى إلى رد فعل ثنائي في أبو ظبي، إلى جانب حزم المساعدات التي استهدفت الإمارات الشمالية، هاجمت الحكومة الإماراتية جماعة الإصلاح بشكل مباشر؛ حيث ألقت القبض على المئات منهم وحكمت عليه بالسجن، ومن ثم تم حل الجماعة رسميًا، وإعلان جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، وبالإضافة إلى ذلك، تم حظر مجموعة من منظمات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والدراسات، وطردها أو عدم تجديد تصاريح العمل الخاصة بهم، الكثير من هذه المنظمات، مثل مركز الخليج للأبحاث ومؤسسة ألمانيا كونراد أديناور، لم يكن لها أي علاقة بالإسلاموية إلاّ أنها وقعت في مرمى النيران، وفي تلك الفترة، فُرضت العديد من القيود على حرية التعبير في ظل تحصين الحكومة لنفسها، خوفًا من اندلاع اضطرابات مستوحاة من الربيع العربي.
لم يحدث أي شيء، ولكنَّ الطريقة التي سيطر بها الإسلاميون على الساحة السياسية بعد الربيع العربي بلورت فرضية معينة بين النخبة في أبو ظبي لعدم الثقة في الإسلاميين، إنهم يرون الإسلاميين على أنهم حفنة من الانتهازيين الذين انتظروا في هامش المجتمع فرصة الاستيلاء على السلطة، وكان على المرء أن ينظر فقط في الكوارث التي حلت بليبيا وسوريا واليمن، ومصر، لمعرفة ما هي المشاكل التي قد تظهر عندما تهيمن هذه الجماعات، وكان هذا أحد الدروس المركزية من انتفاضات الربيع العربي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي حددت سياساتها المحلية والدولية منذ ذلك الحين.
خلافات في الرأي
وبالرغم من انحياز الولايات المتحدة إلى جانب المملكة العربية السعودية لعشرات السنين، كان هذا التحالف على الرغم من، وليس بسبب النهج السياسي للرياض، ولكنَّ نهج جيفرسون التي تتبناه دولة الإمارات العربية المتحدة يعكس المبادئ الأمريكية الأساسية للحكم، ويمكن أن يؤدي في الواقع إلى تحالف أكثر استدامة بين البلدين، إنَّ موقف الإمارات من الإسلامويّة هو خبر سار لواشنطن، ما كُتب حول الإسلام السياسي يؤطر هذه المسألة من حيث ما إذا كانت جماعة معتدلة نسبيًا، مثل جماعة الإخوان المسلمين، هي “الحزام الناقل” لمزيد من التطرف أم أنها جدار الحماية ضده، دولة الإمارات العربية المتحدة هو من المؤيدين الواضحين لنظرية الحزام الناقل، وتسعى قبل كل شيء لتقديم هذه الحالة بشكل مقنع للولايات المتحدة، وهناك مشروع قانون لعام 2016 في مجلس النواب الأمريكي دعا إلى إعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ومن غير المرجح أن يتم إصدار هذا القانون، ولكنه يدل على أن هناك جهات ذات نفوذ في الكونغرس الأمريكي تتخذ نهجًا مماثلًا.
ويدل أيضًا على نجاح دبلوماسية دولة الإمارات العربية المتحدة مع الولايات المتحدة، وفي وسط هذا الضغط، يبرز سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة؛ وهو سياسي بارع يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ويقوم بدور مؤثر في واشنطن، لقد احتفظت دولة الإمارات بجماعات ضغط تساعد على تشكيل وإيصال الرسائل الرئيسية حول البلاد أيضًا، ونتيجة لذلك، حظيت الإمارات بتغطية إخبارية إيجابية تصف البلاد كحليف جدير بالثقة ومتطور عسكريًا في منطقة الخليج، وقد دفعت جماعات الضغط أيضًا المخبرين المحليين في واشنطن لوصف قطر باعتبارها دولة داعمة للإسلاميين وحليف غير جدير بالثقة.
كما تتبنى الإمارات نهجًا أكثر دهاءً: لقد أصبحت الدولة واحدة من أكبر الجهات الخيرية المانحة في العاصمة الأمريكية حيث استثمرت مليارات الدولارات في جميع الصناعات الأمريكية، وافتتحت جامعة نيويورك في أبو ظبي، وأطلقت معهد دول الخليج العربي في واشنطن، كما أنَّ الأدوات التقليدية للضغط، مثل تقديم رحلات خمس نجوم لسباقات الفورمولا 1 في أبو ظبي، قد زادت من انطباع صانعي القرار الرئيسيين بأنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة هي بلد عصري جذاب، وأضاف مصداقية لادعاءاتها بأن الإسلاميين مثل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يشكّلون خطرًا على المنطقة.
وبصرف النظر عن القضية الخطابية ضد الإسلاميين، عززت دولة الإمارات مصداقيتها باعتبارها شريكًا عربيًا قادرًا وفاعلًا للولايات المتحدة على استعداد لتحمل بعض العبء للحفاظ على أمن الخليج؛ وهو أمر غير عادي في منطقة حيث كان يتم دعوة واشنطن للقيام بدور رجل الشرطة، أرسلت دولة الإمارات قوات للمشاركة في مهمة قوة المساعدة الأمنية الدولية التابعة لحلف الناتو في أفغانستان، وساهمت بطائرات لمهمة الناتو في ليبيا، وانضمت إلى التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما وضعت قواتها في عملية عسكرية طموحة ومحفوفة بالمخاطر مع المملكة العربية السعودية في اليمن، وفيما يتعلق بالأمن الإقليمي، تتدخل الإمارات بنشاط وتلبي الدعوات المتزايدة من الولايات المتحدة لدول الخليج للقيام بدورهم في المنطقة.
فصلٌ وليس علمانية
تأتي السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أنها تضع البلاد إلى جانب الولايات المتحدة، مع بعض التناقضات الرئيسية، تحارب الإمارات الإسلاموية، ولكنها لا تريد أن تصبح دولة علمانية وفي هذا السياق، ينبغي النظر إلى بناء مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي كوسيلة لحكومة الإمارة لتجسيد أهمية الإسلام في الدولة، كما أنها قوة صغيرة تحوّلت إلى لاعب سياسي رئيسي، يتجلى هذا التوتر بشكل بارز في علاقات البلاد مع المملكة العربية السعودية، لقد تأسست حكومة الرياض على اتفاق واضح ودائم لتقاسم السلطة بين القوى الدينية والسياسية لا يمكن لدولة الإمارات تغييره.
ومع ذلك، تقبلت الإمارات هذه التناقضات لثلاثة أسباب: أولًا، المملكة العربية السعودية هي دولة كبيرة مع جيش قوي وعدد ضخم من السكّان، بالإضافة إلى ذلك، فهي خادمة الحرمين الشريفين، ولذلك، فإنَّ دولة الإمارات ليست في وضع يسمح لها انتقاد الاتفاق السياسي الجوهري الذي يقع في قلب الدولة السعودية، ثانيًا، أينما تنتهج دولة الإمارات سياسة خارجية تدعمها مُثل جيفرسون، فإنها تشعر بالقلق من تشكيل الدولة في أعقاب الثورة، المملكة العربية السعودية دولة مستقرة نسبيًا وقوية، وغنية، وهناك احتمال ضئيل لاندلاع ثورة يمكن من خلالها استخراج الدين من الحمض النووي للدولة، ثالثًا، هناك اتفاق بين النخب في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بشأن القضايا الرئيسية، لقد كانت النخب السعودية والإماراتية حاسمة في ضرورة وقف الحوثيين في اليمن، وترى هذه الشراكة الأسئلة المتعلقة بالحكم الديني كأسئلة ثانوية تأتي بعد مخاوف الأمنية الأكثر إلحاحًا في المنطقة.
ولكن حتى مع تعاون الرياض وأبو ظبي في اليمن، بدأت بعض أساليبهما تتباعد وتختلف بشكل واضح، لقد استخدمت كلا البلدين قوات بالوكالة لمحاربة الحوثيين، ولكنَّ دولة الإمارات تميل إلى استخدام القبائل ذات العلاقات العائلية بالإمارات ومرتزقة أمريكا الجنوبية، في حين أنَّ السعوديين قد طوّروا العلاقات مع الفرع اليمني لجماعة الإصلاح، ومثل دولة الإمارات، أعلنت المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، في مارس عام 2014، ومع ذلك، في ظلّ قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الذي اعتلى العرش في يناير عام 2015، أعادت الرياض العلاقات مع مختلف عناصر الجماعة المحظورة لتعزيز أهدافها في اليمن وأماكن أخرى، ويبقى أن نرى مدى تسامح دولة الإمارات وإلى متى، ويخبرنا التاريخ الحديث أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستكون مستعدة للسماح لمجموعة مثل تنظيم الإصلاح للقيام بدور فعّال في أي اتفاقات تقاسم السلطة في مرحلة ما بعد الصراع.
الصعوبات التي تواجهها دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن تؤكّد التحديات الأوسع نطاقًا عندما يتعلق الأمر بتعزيز الحكم العلماني في المنطقة، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يهيمن الخطاب الديني الصريح على الدوائر السياسية والعامة، ولذلك، فالجماعات الوطنية التي تدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة ضد هذا المد الواسع ليست منتجات للدعم الخارجي، إلّا أنها لا تحظى بدعم كبير في العالم العربي، وبالرغم من أنَّ دولة الإمارات ممول جيد، لكنها لا يمكن أن تستمر في تقديم الدعم لتلك الجماعات إلى الأبد، خاصة مع انخفاض أسعار النفط لمستويات قياسية، وبالطبع، تدرك أبو ظبي هذه التحديات، وأنها تسبح ضد التيار في منطقة الشرق الأوسط، وأن تفكيك العلاقات بين الدين والسياسة في المنطقة يعني الكشف عن مواقف فلسفية راسخة.
ولكنَّ القيادة الإماراتية بحاجة إلى مقاومة تحمسها الشديد في تنفيذ السياسات الجيفرسونية إذا لم تكن تحاول إثبات التعنت العقائدي التي تشكو كثيرًا من أنّه هو ما يميّز الإسلام السياسي، لقد بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة تتبني نهجًا غامضًا في هذه المسألة، لا سيما عندما لم تعارض أبو ظبي تمكين المملكة العربية السعودية لقادة جماعة الإصلاح في مدينة تعز اليمنية، وإذا كانت دولة الإمارات ستواصل مهمتها العبثية الشاقة في فصل الدين عن السياسة في الشرق الأوسط، يجب أن تنسج مسارًا دقيقًا بين البراغماتية والعلمانية.
المصدر:فورين أفيرز/ ترجمة:إيوان 24