لا يزال مواطنو مجلس التعاون الخليجي يمنون النفس من الاتفاقيات المعقودة منذ عام 1978 التي أطرت للوحدة بين دول المجلس سياسيًا واقتصاديًا، إلا أن هذه الاتفاقيات لا تزال في طور الحلم الذي لم يتحقق بعد، وفي ظل التكتلات بين دول العالم والاتفاقيات التجارية العالمية التي باتت تشدد على أهمية تطبيق الوحدة الاقتصادية لمواجهة التحديات الدولية والإقليمية التي تواجه اقتصاديات الدول الناشئة والنامية والتي من ضمنها الدول الخليجية، كما أن ظهور الأطماع الاستعمارية الحديثة بالأسواق الخليجية والسيولة الهائلة المتوفرة فيها فضلاً عن الثروات الطبيعية والاحتياطيات التي تقدر من بين أكبر الاحتياطيات حول العالم، أضف إلى ذلك انخفاض أسعار النفط العالمية واعتماد موازنات الدول الخليجية على إيرادات النفط ، تظهر الحاجة الماسّة أكثر من أي وقت مضى لإيجاد محفّزّات جديدة للنمو للحفاظ على مستوى نمو وسطي عند 3% بين دول المجلس.
شركة إرنست آند يونغ عرضت دراسة لها بعنوان “قوة التكامل” في مؤتمر صحفي لها بدبي البارحة الإثنين، تقول إن الناتج المحلي الإجمالي سيتعزز في دول المجلس في حال التكامل بين بعضها بنسبة 3.4% أي بنحو 36 مليار دولار كما يمكن أن يجعلها سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030، وأشارت الدراسة أن منافع التكامل ستعود بالنفع على دول الخليج الست كافة إلا أن أكبر المكاسب ستكون لصالح الإمارات والسعودية والبحرين وعُمان، وستستحوذ هذه الدول الأربع على زيادة في الناتج المحلي تتراوح بين 3.5% و4.1%.
وذكرت الدراسة أنه في حال قررت دول المجلس أن تغدو سوقًا واحدة بدلاً عن ستة أسواق منفصلة لكل منها سياسته وإجراءاته ستكون مجتمعة تاسع أكبر اقتصاد في العالم بحجم يماثل الاقتصاد الكندي والاقتصاد الروسي ويقارب حجم الاقتصاد الهندي.
وإذا حافظ الاقتصاد الخليجي الناشئ على معدل نمو سنوي قدره 3.2% خلال السنوات الـ15 القادمة، فمن الممكن أن يصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030، وبذلك يكون قد اقترب من حجم الاقتصاد الياباني”.
الرسم أدناه يوضح الناتج الإجمالي المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2013 والأرقام بمليارات الدولارات.
تعد دول الخليج الست امتدادًا طبيعيًا وجغرافيًا لبعضها البعض، تشترك بسمات تاريخية واجتماعية وثقافية مشتركة، ويؤطر ارتباطها فيما بينها الأعراف والتقاليد المشتركة، ومن مسوّغات قيام التكامل الاقتصادي بين دول المجلس:
1- ازدياد التنسيق الاقتصادي في الفترة الأخيرة بين دول المجلس ما أدى إلى التقليل من الازدواجية في المشاريع الاقتصادية الكبيرة وبالتالي احتمالية ظهور التنافس السلبي بين الدول أصبحت واردة أكثر.
2- تنويع القاعدة الإنتاجية من قِبل دول المجلس لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التكامل الاقتصادي فيما بينها، والحد من التأثير غير الإيجابي في التشابه الهيكلي لهذه الاقتصاديات، وتبدو أهمية ذلك جليّة في توسيع رقعة السوق لتستوعب صناعات المنطقة، والتحول من الاقتصاديات ذات الحجم الصغير إلى اقتصاد موحد ذي حجم كبير، لتصبح قادرة على إنتاج سلع أكثر تنوعًا وأكبر حجمًا وأكثر قدرة على التنسيق والتنافس مع العالم الخارجي، ومن شأن هذا التعاون المشترك أن يحرر اقتصاديات المنطقة من التبعية الأجنبية للأسواق العالمية والاقتصاديات الأجنبية.
3- وجود اتحاد جمركي موحد وسوق خليجية مشتركة يعني التخلص تدريجيًا من الآثار السلبية للتباين النسبي في البنية الاقتصادية لدول المجلس، ومن شأنه أن يقدم نظامًا تعويضيًا لتحسين اقتصاديات هذه الدول وتطويرها.
كما يوجد عوامل داعمة للعمل الاقتصادي المشترك بين دول المجلس منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي:
العوامل الداخلية
1- الموقع الجغرافي المنبسط لدول المجلس التي تقع في منطقة واحدة لا توجد بينها حواجز طبيعية وتجمعها حدود مشتركة مكنت من التواصل بين المواطنين وسهولة انتقال البضائع والسلع فيما بينها، فضلاً عن وجودها على سواحل بحرية تعزز من أهمية موقعها الاستراتيجي في حركة التجارة فيما بينها من جهة ومع مختلف دول العالم من جهة أخرى.
2- التشابه في الأنظمة والسياسات والتشريعات الاقتصادية المشتركة، في الأهداف والتوجهات التنموية وتماثل السياسات التجارية والاقتصادية الخارجية لدول المجلس.
3- ارتباط دول المجلس بجملة من الاتفاقيات الثنائية والجماعية للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية ووجود مشاريع اقتصادية برؤوس أموال مشتركة.
العوامل الخارجية
1- بروز مفاهيم اقتصادية وتكتلات إستراتيجية دولية مثل منظمة التجارة العالمية W.T.O ومن قبلها اتفاقية الجات، ومن ثم ظهور العولمة الاقتصادية بشركاتها المتعددة الجنسيات، حيث تمثل جميعها تحديًا للاقتصاديات الناشئة ومنها اقتصاديات دول مجلس التعاون وبالتالي فإن تسجيل حضور اقتصاديات المنطقة في الساحة العالمية وتواجدها في الخريطة العالمية يستوجب تعاونًا مشتركًا ثم تكاملاً اقتصاديًا يعزز من كيانها وحضورها.
2- تنامي أطماع الدول والقوى الاستعمارية الحديثة – لاسيما في العقود الأخيرة – في الموقع الاستراتيجي لدول المنطقة وفي ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز وفي أسواقها التجارية الواسعة وفي سيولتها الزائدة، إنما يتطلب قيام دول المجلس التعاون باتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي من شأنها حماية مصالحها وتحسين اقتصادياتها والمحافظة على ثرواتها وأسواقها وسيولتها، سيما وأن هذا لا يتأتى إلا في ظل صيغة تكاملية تحمي وجودها وتحقق الحماية والحصانة المطلوبة.
3- بروز توجهات عالمية تسود العلاقات الاقتصادية الدولية تدعو إلى تحقيق اندماجات اقتصادية وخلق كيانات اقتصادية كبيرة لمواجهة التحديات العالمية يعزز من أهمية توجه دول المجلس نحو المزيد من التكامل والاندماجات لمواجهة استحقاقات المرحلة القادمة المتسمة بالصعوبات والتحديات خاصة وأن تحقيق اندماجات حقيقية بين اقتصاديات المنطقة من خلال السوق الخليجية المشتركة يشكل دعامة حقيقية من أجل المحافظة على الاستقلال السياسي والتحرر الاجتماعي.
ومن ضمن اتفاقية الوحدة لمجلس التعاون الخليجي المعدلة في العام 2001 بخصوص التعاون الاقتصادي جاء فيه:
1- الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون اعتبارًا من يناير 2003.
2- العلاقات الاقتصادية لدول المجلس مع الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى والمنظمات الدولية والإقليمية وتقديم المعونات الدولية والإقليمية.
3- السوق الخليجية المشتركة حيث تشمل تحجيج مجالات المواطنة الاقتصادية.
4- الاتحاد النقدي الاقتصادي اعتبارًا من 2010، وتحسين البيئة الاستثمارية في دول المجلس.
5- التكامل الإنمائي بين دول المجلس بما ذلك التنمية الصناعية وتنمية النفط والغاز والموارد الطبيعية والتنمية الزراعية ومحو الأمية وحماية البيئة والمشروعات المشتركة.
6- تنمية الموارد البشرية بما في ذلك التعليم ومحو الأمية وإلزامية التعليم الأساسي وتفعيل الاستراتيجية السكانية وتوطين القوى العاملة وتدريبها وزيادة مساهمتها في سوق العمل.
7- البحث العلمي والتقني وتطوير القاعدة العلمية والتقنية والمعلوماتية وحماية الملكية الفكرية.
8- التكامل البنية الأساسية بما في ذلك النقل والاتصالات والتجارة الإلكترونية، وتوحيد القوانين والأنظمة والإجراءات في المجالات الاقتصادية وأخيرًا بناء المؤسسات الخليجية المشتركة.
بينما تنتظر مشاريع العمل الاقتصادي المشترك التطبيق بين المجلس:
1- الاتجاد الجمركي
2- السياسة التجارية الموحدة.
3- السوق الخليجية المشتركة.
وعليه فإن التكامل الاقتصادي لدول الخليج أصبح ضرورة في هذه المرحلة من تاريخ مجلس التعاون، لتعزيز قدرتها على مواجهة الهزات والأزمات المالية والاقتصادية والتجارية، ومن أجل حماية اقتصادياتها باعتبارها المصدر العالمي للطاقة وحماية أسواقها باعتبارها الأسواق الرائجة للسلع والصناعات العالمية.