طالبان لن تتفاوض مع الحكومة الأفغانية لأنها تفوز بالمعركة

4f241da42e71429195b9927fcca536e4_18

ترجمة وتحرير نون بوست

ضمن جو من الحتمية، تعثرت الجهود المبذولة من قِبل فريق التنسيق الرباعي، الذي يضم أفغانستان والصين وباكستان والولايات المتحدة، لإقناع حركة طالبان بالدخول في مفاوضات سلام وجهًا لوجه مع الحكومة الأفغانية، حيث أعرب دبلوماسيو الفريق عن أملهم في أن يكون رفض حركة طالبان لإجراء المحادثات متمخضًا عن تكتيك يسعى لاكتساب النفوذ، وأن تكون باكستان قادرة على الضغط وإقناع قادة حركة التمرد المقيمين في باكستان لتغيير قرارهم بعدم المشاركة.

في حال حدوث هذا الأمر، فإنه سيشكل بالتأكيد سمة من سمات السياسة الأفغانية، ولكن مع ذلك، فإن الوضع القائم في أفغانستان لا يوفر أي حافز لحركة طالبان للتفاوض مع الحكومة في كابول.

من هذا المنطلق، يمكن أن يسفر انخراط الملا أختار منصور، زعيم طالبان، بالمفاوضات مع الحكومة الأفغانية عن نتائج كارثية، خاصة في ظل عدم توطيده لسلطته داخل الجماعة بشكل حازم جرّاء الظروف المريبة التي اكتنفت توليه لقيادة الحركة، فمازال العديد من وجهاء طالبان غاضبين جرّاء قيامه بإخفاء حقيقة وفاة الملا محمد عمر، مؤسس الحركة وزعيمها الروحي، في مايو 2013.

هل تواطأ منصور في مؤامرة مع الجيش الباكستاني؟

يُنظر إلى منصور اليوم بأنه كان متواطئًا في مؤامرة مع الجيش الباكستاني، مما وضعه تحت رحمة ضغوط مفرطة ناجمة عن ذلك؛ لذا، إن تنازل منصور عن بعض الشروط المسبقة الرئيسية التي كانت الحركة قد اشترطتها للدخول في المحادثات، سيّما شرط انسحاب القوات الأجنبية، فإنه سيخاطر بتفكك حركة طالبان، خاصة في ظل الخطر الداهم الذي يلوح بالأفق والناجم عن النمو السريع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان وباكستان، واستقطابه للعديد من قيادات وأعضاء طالبان.

على هذه الخلفية، أصدر منصور الأسبوع الماضي بيانًا يدعو فيه لتضافر الجهود لاستعادة مقاتلي طالبان الضالين والذين حوّلوا ولاءاتهم، حيث تشير مصادري ضمن هيكلية قيادة العمليات العسكرية الخاصة بطالبان، بأن بيان الملا الأخير هو مقدمة لحملة منسقة سيشنها ضد تنظيم داعش في تلك المنطقة، والذي أطلق على نفسه اسم ولاية خراسان؛ كما أنه وبعيد انخراط التنظيمين في اشتباكات دموية منذ نوفمبر الماضي، تم حصر القتال ما بين الطرفين، مما يعكس مجددًا رغبة منصور باستقطاب أبنائه الضالين إلى حضن الجماعة، سيّما محمد رسول، وذلك بمساعدة علماء الدين التابعين لطالبان.

في هذا الموضع تمامًا يكمن المحفز الرئيسي الذي يمكن للقوى العالمية والإقليمية، المتمثلة في فريق التنسيق الرباعي، أن تقدمه لطالبان من خلال إشراكها بالمفاوضات ككيان سياسي شرعي، بدلًا من التعامل معها على أنها منظمة إرهابية.

يشير الواقع أن الولايات المتحدة لم تصنف طالبان أكثر من كونها تمرد مسلح، وعلى الرغم من تزايد حالات إعادة الاشتباك مع الحركة في المناطق الساخنة في أفغانستان، ما زالت وزارة الدفاع الأمريكية تصفها حاليًا بأنها “شريك مأمول في السلام”.

هذا التصنيف نابع من قدرة حركة طالبان المؤكدة على تحقيق الاستقرار في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وإن كانت تقوم بذلك من خلال فرض النظام على السكان المحليين باستخدام العصا أكثر من التلويح بالجزرة.

جميع ما تقدم تمخض عن حدوث المشهد الغريب الحالي في مقاطعة نانجارهار الشرقية، حيث واجهت قوات داعش القوة الجوية الأمريكية والقوات البرية الأفغانية على إحدى الجبهات، وقوات طالبان على جبهة أخرى، وتعمد كل جانب تجنب الاشتباك مع الآخر بشكل دقيق تبعًا لتشاطرهم مصلحة مشتركة.

من هذ المنطلق، وعندما ستعمد طالبان إلى استهلال حملة أوسع للقضاء على داعش، سيكون من المثير للاهتمام أن نلحظ النشاط العسكري الموازي الذي ستبتدره القوات الأمريكية والأفغانية ضد تنظيم داعش الإرهابي على حد سواء.

إستراتيجية طالبان

لا بد من الاعتراف بطبيعة الحال بأن ما يجري على الأرض الآن هو مشهد عرضي في الحرب التي تشهد عداوة مطردة ما بين الطرفين، الأمر الذي نجم عن حملة طالبان المستمرة منذ سنة والساعية للاستيلاء على الأراضي على جميع المحاور ضمن المسرح الأفغاني، والتي ابتدرتها بمجرد تسلم قوات الأمن الوطني مسؤولية الدفاع عن الخطوط الأمامية من قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).

فعلى الرغم من التفوق العددي الساحق للجيش الأفغاني، إلا أنه أضحى من الواضح بأنه غير قادر على منع قوات المشاة الصغيرة لطالبان من اغتنام الأراضي عندما تعقد عزمها على ذلك؛ حيث لم يتطلب الأمر أكثر من 2000 مقاتل لتستولي طالبان على مدينة قندوز الشمالية في العام الماضي، ومن خلال سيطرة الحركة على منطقة تلو الأخرى، تتقهقر القوات الأفغانية رجوعًا إلى المراكز الحضرية في هلمند في الجنوب.

وفي هذا السياق، صرّح رئيس جهاز أمن منطقة غزنة، المجاورة لكابول، بأنه لن يكون مسؤولًا إذا استولت حركة طالبان على أجزاء من المحافظة، تبعًا لعدم تلبية طلباته المتكررة بإرسال التعزيزات.

يمكننا من خلال ما تقدم استيعاب إستراتيجية طالبان في المعركة، فهي تسعى دائمًا للضغط على الموارد العسكرية للجيش الأفغاني بغية الحيلولة دون أن يأتي تفوق الأخير العددي بأكله، كما تتمتع طالبان أيضًا بميزة عدم حاجتها لتجميد أصولها العسكرية للحفاظ على سيطرتها على بقعة معينة من الأرض، فكل ما يتطلبه الأمر عادة هو فرز قوة صغيرة من المقاتلين، معظمهم من السكان المحليين، ليكونوا مسؤولين أمام حاكم الظل وقائد المقاطعة، كما يتم دعم المنطقة بسهولة من المحافظات المجاورة عند الحاجة لذلك.

أسفرت هذه الإستراتيجية عن إحباط عميق للروح المعنوية للشعب الأفغاني، وهو الذي يلقى حتفه بأعداد غير مسبوقة بالتوازي مع تصاعد الصراع، كما أنها أدت إلى تفاقم الصراع السلطوي ما بين الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي يفضّل أن ينخرط سياسيًا مع طالبان بمساعدة باكستان، والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، الذي يعارض هذا التوجه بشكل صارخ، وفي الواقع، كان مكتب عبد الله هو المسؤول عن إعاقة عملية السلام بعد جولة واحدة من المحادثات في يوليو الماضي، من خلال إعلانه وفاة الملا عمر، دون إبلاغ الرئيس أولًا.

أخيرًا، الوضع الهش لحكومة الوحدة الوطنية، المتزامن مع هجوم طالبان على كابول واستيلائها المؤقت على العديد من الضواحي، من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى انهيار التحالف، وحتى لو اختارات طالبان الانضمام إلى المحادثات، سيتم تأجيل هذا الإجراء، ولكنه، على الأغلب، لن يلغى.

المصدر: الجزيرة الإنجليزية