ترجمة وتحرير نون بوست
قد يكون القرار الذي تم اتخاذه بفك تجميد أكثر من 100 مليار دولار من الأصول الإيرانية المعلقة كجزء من الاتفاق النووي ما بين إيران ودول الست في الصيف الماضي أسوأ أمر دهم مجموعة حزب الله الإرهابية اللبنانية منذ سنوات.
بشكل طبيعي، أشاد حزب الله علنًا بأخبار الاتفاق النووي الإيراني وفك تجميد الأصول، تبعاً لكون إيران تقدم نحو 100 إلى 200 مليون دولار بشكل مساعدات مالية للمجموعة في كل عام، واليوم، وعلى خلفية تخفيف العقوبات على إيران، قد تجد الأموال الإيرانية طريقها بشكل أكثر كثافة إلى معقل حزب الله في وادي البقاع، والذي قد يعمل على تحويلها إلى أسلحة جديدة، برامج تدريب، وغيرها من الأصول العسكرية.
ولكن على الرغم من ذلك، تأتي فرحة حزب الله بازدياد تمويله الإيراني في وقت قرر فيه الخصوم في الخليج العربي معاقبة المجموعة لإذكائها الحروب الطائفية في المنطقة؛ فموقف حزب الله على خطوط الجبهة في سوريا، حيث يدعم الديكتاتور السوري المحاصر والوكيل الإيراني بشار الأسد، لم يمر دون ملاحظة، وبذات القدر لم يمر قيام الحزب بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن، وهم وكلاء إيرانيون آخرون يسعون لإسقاط الحكومة المدعومة من السنة، بدون ملاحظة أيضًا.
في وقت سابق من هذا الشهر، وإبان شجبه لأنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة لسنوات، فرض مجلس التعاون الخليجي أخيرًا عقوبات على الجماعة واصفًا إياها بأنها منظمة ارهابية، واتخذ التدابير اللازمة لتجميد أصولها، وجاء ذلك في أعقاب تدابير مماثلة اُتخذت من قِبل المملكة العربية السعودية والبحرين، حيث عنونت الصحف بخبر قيام الرياض أيضًا بوقف مساعداتها الممنوحة للحكومة اللبنانية البالغة 3 مليار دولار، أن الأخيرة، وفق وجهة النظر السعودية، أضحت اليوم مُسيطر عليها بالكامل من قِبل حزب الله بدون رجعة، كما أعلنت جامعة الدول العربية في يوم الجمعة الماضي تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، في تطور مذهل بالنظر إلى أن الحزب تلقى إشادات كبيرة وشعبية هائلة في جميع أنحاء العالم العربي لإجباره إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000 ولمحاربته إياها الند للند في الحرب التي استمرت شهرًا كاملًا في عام 2006.
لا مندوحة من القول بأن قرار إدراج حزب الله ضمن القائمة السوداء لم يتمتع بإجماع كافة الدول السنية، فالعراق ولبنان على سبيل المثال كانتا أقل حماسة لقرار الإدراج، إلا أن اجتماع جامعة الدول العربية أوضح بأن معظم الدول العربية سوف تحذو حذو دول مجلس التعاون الخليجي وتحرم المجموعة من استخدام قطاعاتها المصرفية وقطاع أعمالها.
خضع حزب الله أيضًا لمعاملة مماثلة في وقت سابق ضمن الغرب، حيث تمت تسميته كجماعة إرهابية، بطريقة أو بأخرى، ضمن أستراليا، كندا، فرنسا، هولندا، نيوزيلندا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وفي غضون ذلك، أصدر الكونجرس الأمريكي تشريعًا لتعزيز جهود وزارة الخزانة لتعقب الأصول المالية للحزب في جميع أنحاء العالم من خلال تخويله فرض عقوبات ثانوية ضد المؤسسات والهيئات المالية التي تتعامل مع حزب الله.
الصورة:
رد فعل أحد أعضاء حزب الله أثناء كلمة زعيم حزب الله حسن نصر الله على شاشة خلال خطاب متلفز في مهرجان الاحتفال بعيد المقاومة والتحرير، في النبطية بـ24 مايو 2015.
عل صعيد آخر، وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يتمتع بالكثير من القواسم المشتركة مع واشنطن في هذه الأيام، إلا أنه يبدو مستوعبًا حدود سياسات بلاده عندما يتعلق الأمر باستفادة حزب الله؛ ففي وقت سابق من هذا الشهر، أوقف الرجل القوي الروسي، وفق ما ذكرته التقارير، شحنة متجهة إلى إيران تحمل صورايخ أرض-جو إس 300 S-300 المتطورة، والتي تعتبر أصولًا عسكرية قد تغير قواعد اللعبة لوقف أي هجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية، حيث أدلى بوتين بهذه الخطوة بعد ورود تقارير من الإستخبارات الإسرائيلية بقيام طهران بتمرير الصواريخ الروسية القديمة، إس 22 SA-22، لحزب الله.
وبالحديث عن إسرائيل، فإن الأخيرة تتمتع بالطبع بأكبر مصلحة شخصية لتقويض وطحن حزب الله؛ فعلى مر السنين، تبادل الجانبان ضربات قوية في معرض حروب متعددة، كما وتبدو إسرائيل مستاءة من أنه وفي الحرب المقبلة سيكون الحزب مجهزًا بشكل أفضل من ذي قبل بفضل تخفيف العقوبات الإيرانية، حيث قام القادة العسكريون الإسرائيلون مؤخرًا برفع تقديراتهم للصواريخ التي يمتلكها حزب الله من 100,000 صاروخ إلى 150,000 صاروخ.
ظهرت العديد من التقارير مؤخرًا التي تشير إلى أن إسرائيل تخطط لممارسة عمل عسكري سريع ضد حزب الله في الصراع المقبل، وأكد كبار المسؤولين في إسرائيل ذلك، مضيفين بأنه ونظرًا لزيادة الواردات التي من المفترض أن يحصل عليها حزب الله جرّاء الاتفاق النووي مع إيران، أضحت المجموعة تشكل اليوم التحدي العسكري الأكثر دهمًا وعجالة بالنسبة للجيش الإسرائيلي، الذي يعترف بأن حزب الله ليس مجرد منظمة إرهابية بل قوة عسكرية بكل ما تحمله الكملة معنى، حيث يعد أقوى من 90% من جيوش العالم، وذلك لحيازته لأكثر من 40,000 جنديًا تحت السلاح، أنظمة دفاع جوي، أنفاق للقوات الخاصة (الكوماندور)، وطائرات بدون طيار، وعلى الرغم من أن مثل هذه الأمور نادرًا ما يتم ذكرها صراحة، إلا أن توجيه ضربة إسرائيلية استباقية مفاجئة، من شأنها أن تحرم حزب الله من بعض هذه المزايا، ليست أمرًا بعيد الاحتمال.
ولكن حتى في ظل تصاعد احتمالات ضربة الحرب الإسرائيلية، يحارب حزب الله بشراسة، معولًا على العطاءات الإيرانية، في سوريا واليمن، وتلك الحروب ألقت بآثارها السلبية والمدمرة على المجموعة، حيث تشير التقارير الواردة من سوريا بأن حزب الله نشر ما بين 6000 إلى 8000 مقاتلًا في الحرب، وفقد بالفعل حوالي 1300 محاربًا منهم.
أخيرًا، وعلى الرغم من عزله وإثخانه بالجراح، يشن حزب الله هجومًا عنيفًا على السعوديين والإسرائيليين، شاجبًا ما أسماه بـ”المؤامرة الصهيو- وهابية”، ولكن ما حصل ليس مؤامرة؛ فالحزب اكتسب بجدارة هؤلاء الأعداء، وهم ملتزمون بكل طاقاتهم لمنع الجماعة من اكتساب المزيد من القوة نتيجة لقرار تخفيف العقوبات على إيران غير المتوقع، ومن الواضح بشكل متزايد بأنهم ليسوا وحدهم في هذا القرار.
المصدر: فورين أفيرز