تفتح التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي ضربت قلب الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل ملف استهدافات تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم “داعش” للغرب بعد تبنيه لحوادث تفجيرات الأمس التي راح ضحيتها 34 قتيلًا وعشرات الجرحى.
التنظيم يبدو وأنه مصمم على نقل المعركة خارج حدوده مع ازدياد الضغط عليه في معاقله داخل الرقة والموصل، وذلك عبر شبكة عالمية قد لا تكون مرتبطة ببعضها البعض لكنها تؤدي الهدف بالشكل المطلوب، معتمدة على جيل جديد من قلب أوروبا يحمل الملامح والطبائع الغربية وليس عبر انتقال عناصر تقليدية يسهل متابعتها، وهو ما يعني أن الإرهاب القادم سيكون من داخل الغرب وليس من هجرة الشرق كما يروج الأوروبيون.
بتتبع الخط الزمني لعمليات التنظيم فإنه يسير بخطى ثابتة نحو الغرب رغم إنهاكه في معارك الشرق معتمدًا على ما سبق وأن ذكرناه شبكة من المؤيدين يصعب اكتشافها لأنها تخرج من رحم الثقافة الغربية.
البداية كانت في استهداف إستراليا بطريقة بدائية لكنها تثبت الوجود من خلال فتى يبلغ من العمر 18 عامًا حاول طعن ضابطين من شرطة مكافحة الإرهاب خارج مركز للشرطة في ملبورن، كان ذلك في سبتمبر من العام 2014.
انتقل الاستهداف إلى كندا في حادثتين في شهر أكتوبر من العام 2014، حينما حاول شاب يبلغ من العمر 25 عامًا استهداف جنديين بالقرب من مونتريال وهو الأمر الذي أسفر عن مقتل أحدهما، وكذلك حادثة قتل جندي كان يحرس نصب تذكاري بعدها بأيام قليلة.
وفي أكتوبر من نفس العام وقعت حادثة في نيويورك ثم أستراليا مجددًا، لينتقل التنظيم في نهاية العام إلى استهداف أوروبا من خلال حادثتين في فرنسا في يومين متتالين يومي 21،22 ديسمبر من العام 2014.
ثم كانت الحادثة الأبرز في مطلع العام 2015 وهي استهداف صحيفة “شارلي إيبدو” وهي التي أحدثت ضجة عالمية، ولفتت الأنظار إلى إن استهدافات التنظيم تتطور وتصل أكثر فأكثر إلى أماكن استراتيجية مؤثرة في الغرب رغم الاستعدادات الأمنية المشددة وذلك بسبب الاعتماد على أبناء تلك البلدان العارفين بدروبها لتنفيذ هذه المخططات وهو الأمر الذي يزيد من عنصر سرية العمليات وفرص نجاحها حيث يصعب اكتشاف المخططين سوى بعد التنفيذ.
ازدادت حالات الاستهداف الفردية التي لم يستطع الأمن في أوروبا تحديد إذا ما كانت بدوافع فردية من بعض المتأثرين بأفكار داعش أم أنها بتوجيهات خارجية من التنظيم، إذ إنه بعد حادثة شارلي إيبدو تشجع عدد من الموالين للتنظيم في أوروبا على الإقدام وتنفيذ مجموعة من العمليات في البلدان المختلفة مستلهمة روح شارلي إيبدو، كان أبرزها حادثة الدنمارك التي قتل فيها مسلح دنماركي الأصل وأصاب خمسة ضباط من الشرطة في كوبنهاجن.
وفي شهر مايو من العام 2015 فتح رجلين النار – اعترفا بانتمائهما لداعش -في إحدى ضواحي دالاس بولاية تكساس الأمريكية خارج مسابقة مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد دخلت تركيا على خط الاستهداف من قِبل التنظيم وحازت نصيب الأسد ولكن قد يكون هذا الأمر مفهومًا عقب انضمام تركيا للتحالف الدولي ضد داعش، حيث استهداف عناصر التنظيم دولة تركيا بما يزيد عن 7 عمليات متفرقة في ذلك العام، وقد يسهل ذلك أيضًا مسألة الحدود غير المضبوطة بين تركيا وسوريا أحد معاقل التنظيم.
وبالعودة إلى العمليات التي تبناها التنظيم في أوروبا كانت فرنسا هدفًا حيويًا ورئيسيًا لدى داعش، بداية من حادثة شارلي إيبدو وما تلاها، حيث عادت العمليات الإرهابية إلى فرنسا في أغسطس من العام 2015 باستهداف قطار سريع قادم من أمستردام إلى باريس.
ولم تخلُ الأشهر التي تلت هذه العملية من حوادث فردية في العواصم الأوروبية كألمانيا وغيرها، حتى عاد التنظيم يضرب بقوة من جديد في فرنسا في 13 نوفمبر من العام 2015، حيث قتل ما يزيد عن 100 شخص في هجمات متفرقة بفرنسا تبناها التنظيم فيما بعد.
وفي ديسمبر من نفس العام أعلن الإف بي آي الأمريكي أن إطلاق النار الذي أودى بحياة 14 في كاليفورنيا من قِبل زوجين تقف خلفه خلفية داعشية لدى المنفذين.
التنظيم أصبح مصدر إلهام للكثيرين من أتباعه حول العام وعنصر العشوائية أصبح في صالحه وصعب عملية الضبط الأمني، ويبدو أن ظروف الغرب الحالية المتأزمة تساعده، فسهلت الانتشار بين المهاجرين والأجيال المتقدمة منهم تحديدًا، وأصبحت هذه العمليات ملاذًا للبعض، وباتت أجهزة الاستخبارات الأوروبية تواجه بني جلدتها قبل أن تلصق التهمة بالعرب والمسلمين فقط.
وقد ظهر هذا الأمر في أحداث فرنسا الأخيرة وتوابعها في حوادث بلجيكا بالأمس التي وقعت عقب القبض على المتهم الأول بتدبير تفجيرات فرنسا التي وقعت نهاية العام الماضي وهو صلاح عبدالسلام بعد عدة مداهمات لأحياء يقطن بها المهاجرون في بلجيكا.
هذا الخط الزمني الذي استعرضناه لأبرز استهدافات داعش في الغرب وخاصة في أوروبا توضح أن المنحنى في ازدياد، وأن عمليات بلجيكا بالأمس التي تبناها التنظيم لن تكون الأخيرة، بل إنها كانت متوقعة من قِبل السلطات البلجيكية كما صرحت تعليقًا على الأحداث.
ولكن يبقى السؤال الذي يؤرق أجهزة الأمن في الغرب من سيكون هدف تنظيم داعش المقبل أو إحدى خلاياه النائمة في الغرب؟
عقب تفجيرات بروكسل عمدت كافة حكومات أوروبا إلى تشديد الرقابة الأمنية والإجراءات الاحترازية على الحدود وفي المطارات والموانئ، ولكن تحذر الولايات المتحدة وروسيا بشكل خاص من هذه الاستهدافات، كما تتوقع أجهزة الأمن في البلدين أن الدور عليهما، نظرًا لتوعد تنظيم الدولة لهما بالتحديد أكثر من مرة.
حيث نقلت رويترز عن السلطات الأمريكية قرار إخلاء جزئي في مطار دنفر بسبب ما أسموه تهديد محتمل للأمن، كما شددت الولايات المتحدة الإجراءات الأمنية في مطار واشنطن وعدة مطارات بمدن أخرى عقب تفجيرات بروكسل، فيما أخلت موسكو محطة كورسك للقطارات للاشتباه في وجود متفجرات بها، ونقلت وكالة الأنباء عن وزارة النقل الروسية نيتها إعادة تقييم الأوضاع الأمنية في كل مطارات روسيا بشكل جدي.
وما يزيد من احتمالية استهداف الولايات المتحدة بالتحديد الفترة المقلبة ما أشارت إليه إحدى وسائل إعلام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” حين نشرت مقالا بعنوان “قتال أمريكا.. قضية شرعية أولًا”، سرد فيه التنظيم الأسباب التي تدفعه لشن هجمات في الولايات المتحدة، وأكد التنظيم في هذا المقال أنه الوحيد الذي يناصب الولايات المتحدة العداء بقصد ما أسموه “الجهاد في سبيل الله” بحسب تعبير المقال.
إذن تتوقع الولايات المتحدة وروسيا أن تكون الضربة القادمة من داعش موجهة إليهم، وعلى هذا تأخذ أجهزة الأمن استعدادتها ولا يعرفون حتى الآن من أين يمكن أن تأتيهم هذه الضربة المتوقعة، وهو ما يراه خبراء في الأمن نجاح يحسب للتنظيم ومناصريه حول العالم الذين باتوا يشكلون خطرًا يشتت الأجهزة الأمنية بصورة غير مسبوقة.