على الرغم من الأزمات المالية التي تعصف بالاقتصاد المصري هذه الأيام وفي ظل انخفاضات حادة يشهدها الجنيه حيث وصل إلى عتبة 10 جنيهات مقابل الدولار في السوق السوداء والسعر الرسمي لا يبتعد عنه كثير إذ سجل 8.85 جنيهًا – بعد أن كان عند 7.83 جنيهًا – مقابل الدولار بعد آخر تخفيض قام به المركزي المصري للجنيه وضخ ما يناهز مليار ونصف دولار في السوق لسد حاجة السوق من الدولار.
صحيفة لاتريبيون الفرنسية قالت يوم الثلاثاء 22 مارس أن مصر “تستعد لشراء سفن حربية وقمر صناعي من فرنسا في صفقات تتجاوز قيمتها المليار يورو أي قرابة 1.12 مليار دولار”، وأوردت الصحيفة أن الصفقة تضم أربع سفن للبحرية ستشيدها شركة (دي. سي. إن. إس) الفرنسية وبينها فرقاطتان من النوع الجديد، وسيتم توريد القمر الصناعي العسكري بالاشتراك بين شركة إيرباص سيبس سيستمز التابعة لمجموعة إير باص وشركة تاليس ألينيا المملوكة لكل من مجموعة تاليس الفرنسية لصناعة الأسلحة وفينميكانيكا الإيطالية والتي تغير اسمها قبل فترة إلى ليوناردو وتملك تاليس 35% من شركة “دي. سي. إن. إس” الفرنسية، وبحسب ما جاء في وكالة رويترز فإن إبرام الاتفاقات سيتم خلال زيارة مقررة للرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى مصر في 18 أبريل القادم.
هذه الأخبار كافية لتكون سبب لاستثارة مشاعر المصريين، ففي الوقت الذي يحتاج فيه المصريون لتنمية حقيقية وسد الفجوة التي حصلت في قطاعات عديدة من بينها السياحة والصناعة والخدمات الأخرى فضلاً عن تحسين قيمة الجنيه وما يلحقه من تحسن القيمة الشرائية للعملة وانخفاض المستوى العام لأسعار المواد الأساسية في مصر تتجه الحكومة لشراء الأسلحة.
وفي خضم الجوع واتساع رقعة الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتخلي الحكومة عن دعم كثير من السلع الأساسية وتطبيق سياسات مالية من قبيل رفع الرسوم الجمركية على مئات من المواد والسلع الكمالية في البلاد بسبب شح الدولار في البنك المركزي، ماذا ستفيد الآلة العسكرية الاقتصاد المصري، كيف سيقضي أو يخفف من الأرقام العالية في مؤشرات الاقتصاد الكلية، لا تملك الحكومة أجوبة لهذه الأسئلة لأنها لا تسألها لنفسها أصلاً فالواقع يقول من خلال تصرفاتها أنها غير آبهة بكل ما يحدث على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.
بدون أدنى شك تحول الحكومة نحو هذه الصفقات لهو دليل على توجه الحكومة المصرية نحو الإنفاق العسكري أكثر من الإنفاق الاستثماري والجاري وهذا ما قد يجهد الحكومة وموزنتها بعدما سمي العام 2015 بعام التسليح، فهل ينتظر المصريون أيضًا تسمية هذا العام بعام التسليح مرة أخرى ويبقى عام التنمية حلم يعانق السحاب.
فالثابت للمصريين اليوم أنهم باتوا على يقين أكثر أن الحكومة غير مهتمة بتنمية الاقتصاد، وأن حقبة أخرى من حكم محمد حسني مبارك تدق الأبواب وأن أحلامهم بالتشغيل والقضاء على الفقر وعودة مصر دانة الدنيا قد يبقى حلمًا ينكسر أمام أعينهم.
انتهى العام الماضي 2015 بعقد الرئيس السيسي عدة صفقات في مجال التسلح لصالح المؤسسة العسكرية والجيش المصري، فمن أجل تنويع مصادر سلاحه توجه من روسيا إلى الصين إلى فرنسا سعيًا منه للظفر بالأسلحة المتطورة وإبقاء الجيش المصري يحفاظ على تصنيفه بين أقوى الجيوش العربية والمصنف حقيقة بين العشرة جيوش على مستوى العالم.
فمع فرنسا عقدت معها مصر صفقة لتوريد 24 طائرة من طراز رافال التي تبلغ سرعتها في الارتفاعات العالية 2000 كيلومتر في الساعة، ومقاتلات بحرية من طراز “جوييد” عدد أربعة وهي مزودة بمنظومة صواريخ ميكا الاعتراضية متعددة المهام التي يمكن إطلاقها من البحر أو الجو، وحاملة طائرات “الميسترال” التي أتمت مصر شراءها من فرنسا خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الفرنسي لمصر.
بينما عقد مع الولايات المتحدة الأمريكية عدة صفقات عسكرية من أهمها تسلم 5 أبراج لدبابات من طراز أبرامز إم 1 إيه 1 والتي يتم إنتاجها بتعاون مصري أمريكي مشترك وهذه الدبابات يتم تجميعها في مصنع للإنتاج المشترك في مصر بعد تسلم قطع الغيار الخاصة بها من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم مروحيات أباتشي التي تسلمت مصر 10 منها وطائرات F16 ونظام المراقبة المتحركة لمراقبة الأوضاع على الحدود المصرية الليبية لمنع تسلل “الإرهابيين”.
في حين عقدت مصر عدة صفقات سلاح مع روسيا شملت أسلحة هجومية وطائرات قتالية من أبرزها صواريخS300 وطائرات ميجM29 ، ومقاتلات سو30 وزوارق لاصواريخ MI-17 وقاذفات RPJ ودبابة تي 90 وطائرة ميج 35 والمقاتلة سو 30 كا وسوخوي 30.
عمليًا قد يكون السيسي من خلال هذه الصفقات يغازل المؤسسة العسكرية التي وضعته على سدة الحكم بتزويدها بأحدث الأسلحة، أما اقتصاديًا وهو الأهم فليس بوسعنا أن نقول سوى إن صفقات السلاح هذه هي تسرب من مالية مصر نحو الخارج على أهداف غير تنموية لا تفيد الاقتصاد القومي بقدر ما تضره ولا تسهم في رفع معدلات النمو المنكّسة منذ سنوات ولن تزيد مصر إلا تخلفًا وتراجعًا إلى الوراء فليس بالقوة العسكرية تحيا الأمم.
ومن جهة أخرى يبقى المستفيد الأول والأخير هي تلك الشركات الأجنبية التي تقوم بتصنيع تلك المنتجات العسكرية وتوردها لمصر فتعم الفائدة على دولها وموازناتها ومواطنيها كما أن هذه العقود تربط مصر بمدة زمنية يستحق فيها دفع تلك الصفقات العسكرية عند التسليم فإن كانت مصر غير قادرة على السداد فإن تلك الدول ستعمل على أخذ شيء مقابل ذلك بدءًا بالثروات السيادية لمصر وليس انتهاءً بمصادرة القرار السياسي ورهنه لما يخدم مصالحها لذلك في كل الأحول لا تعتبر هذه الصفقات نذير تفاؤل في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها مصر اليوم.