غريبًا بعض الشيء ومفاجئًا كان تصريح عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس خليل الحية قبل أيام بأن حماس منفصلةٌ تنظيميًا عن جماعة الإخوان المسلمين، وليس لها ارتباط معها سوى في الفكر الذي تنتهجه الحركة وتعتبره منهجًا وسطيًا معتدلًا.
ربما لم يكن التصريح غريبًا إذا ما ربطناه بالتوقيت والمناسبة، حيث أدلى به الحيّة أثناء زيارته ووفد رفيع المستوى من المكتب السياسي للحركة للعاصمة المصرية القاهرة في الثاني عشر من مارس الجاري، والذي قابل خلاله الوفد مسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصرية لبحث تطورات الأوضاع بين غزة والشقيقة الجارة، وكان واضحًا أن الوضع الأمني هيمن على المباحثات من خلال تصريحات الوفد التي تلت تلك الزيارة بالتأكيد على أهمية أمن مصر القومي وسلامة أراضيها بالنسبة لحماس، إضافةً لإدانة الأخيرة لعمليات الاغتيال والتفجير وخصّت عملية اغتيال النائب العام المصري السابق هشام طلعت، والتي اتهمت فيها حماس بتدريب المنفذين قبل أيام فقط من الزيارة.
كان هذا ما يتعلق بتوقيت التصريح، لكن التوقيت أيضًا لا يقف عند حد زيارة حماس للقاهرة في محاولةً منها للتقارب مع نظام السيسي الذي يمسك بزمام الأمور في مصر خاصةً معبر رفح الذي يعتبر شريان حياة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس حتى اللحظة، فالتوقيت مهم أيضًا لجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها العالمي الذي شهد في الآونة الأخيرة تطورات بالغة جدًا مذ تأسست على يد حسن البنا عام 1924م.
فقد شهد “فبراير الأسود” الماضي كما اتفق البعض على تسميته، إعلان مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن انفصاله عن الجماعة الأم في مصر، وفي الحادي عشر من ذات الشهر أعلن أيضًا حزب النهضة نيته عن تأسيس حزبٍ سياسي تابعٍ له ومنفصل عنه إداريًا، في خطوة وصفها البعض باستنساخ تجربة “حزب الحرية والعدالة” الذي أسسه إخوان مصر إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، واعتبره آخرون تمهيدًا لانفصال النهضة بحزبها السياسي عن الجماعة الأم.
كما وتلقى التنظيم الدولي للإخوان ضربةً أخرى بإعلان 15 قياديًا في “المجلس الثوري المصري” المناهض لنظام السيسي استقالتهم، على رأس المستقيلين قياداتٌ وازنة في جماعة الإخوان أمثال عمرو دراج وأحمد البقري وهيثم أبو خليل، بسبب ما أسموه “ابتعاد قيادة المجلس عن أهدافها وانتهاجها نهجًا إقصائيًا تجاه البعض”، هذه الأحداث ليست ببعيدة عن الصراع الداخلي بين مكتب الإرشاد القديم بقيادة الدكتور محمود عزت وبين اللجنة القيادية العليا بقيادة الدكتور محمد كمال، فصل لبعض القيادات وتبادل في الاتهامات باختطاف الجماعة، ووصل إلى حد الكشف عن فسادٍ إداري ومالي تسبب بوقف المخصصات المالية التي تتكفل الجماعة بصرفها على أسر الشهداء والمعتقلين من أبنائها في سجون نظام السيسي، ولم تفلح مبادرة علماء المسلمين التي أطلقها الشيخ العلامة يوسف القرضاوي ولفيف من العلماء الكبار على رأب الصدع وجمع “الإخوان الفرقاء” في مصر على كلمةٍ سواء.
كل هذه التطورات تجعل وقت إعلان حماس انفصالها التنظيمي عن الإخوان، يحتاج إلى تفسيراتٍ واضحة تكشف تبعات هذا الأمر، وهو ما سألته للمحلل السياسي الدكتور مأمون أبو عامر الذي يعتقد بأن تصريحات حماس الأخيرة جاءت في سياق توضيح اللبس الذي يلف العلاقات بين الإخوان المسلمين في مصر ونظريتها في فلسطين – أي حماس -، يوضح أبو عامر أن هذه التصريحات قطعت الطريق على كل من يحاول تثبيت الاتهامات لحماس بأنها طرف في الخلاف السياسي المصري الداخلي.
يرى أبو عامر أن هذه التصريحات أكدت حقيقة انفصال حماس من الناحية التنظيمية والعملية عن حركة الإخوان في مصر على الرغم من إقرارها بالتبعية للمدرسة الفكرية الإخوانية، ويعتقد أن هذا التوضيح لا يضعف موقف الحركة من الناحية العملية ولا يشكك بمدى التزامها بمبادئها التي تنادي بها، إلا أنه يضع الأمور في نصابها ويبعث برسالة طمأنة صوب القوى الإقليمية المجاورة بألا تتحسس من إقامة أي علاقة مع الحركة.
يشير أبو عامر أيضًا أنه ليس هناك مشكلة في أن تكون هذه التصريحات في إطار “المغازلة السياسية” بين حماس والنظام المصري الحالي طالما أنه لا يشكل تراجعًا في مبادئ الحركة، مضيفًا “قد لا يكون عيبًا أن تحدث مراجعات فكرية حول بعض المواقف السياسية من خلال نظرة موضوعية لخدمة للأهداف العامة المتمثلة في مشروع تحرير الوطن ووحدة الشعب في مواجهة الاحتلال ووحدة الأمة العربية”.
القيادي في حماس والمستشار السياسي لرئيس الحكومة الأسبق إسماعيل هنية، الدكتور أحمد يوسف قال بأن هذا الحديث هو تعبير عن واقع حال، فلا وجود لارتباط تنظيمي أو إداري بين حماس والحركة في مصر وكل ما بينهما تاريخي وعاطفي وتواصل في سياق وحدة الأمة، على حد قوله.
يضيف يوسف أن هذا الإعلان يأتي في “باب التخذيل عن حركة حماس حيث تتكالب عليها الخصوم والاعداء من كل جانب”، أما بالنسبة للإخوان فيعتبر أن هذه الخطوة لا تقدم ولا تؤخر لأنهم يتفهمون حجم الضغوطات التي تمر بها الحركة والدوافع وراء إصدار مثل هذه التصريحات سواء في الأردن أو فلسطين.
أما عن الناحية الإجرائية والتنظيمية يقول يوسف،”يمكن أن يتطلب ذلك عدم التعاطي مع الشعار الإخواني المعروف في أدبياتنا أو على الملصقات والاكتفاء بشعار حركة حماس، وربما التحفظ قليلًا عند الحديث عن مصر حتى لا نستفز النظام هناك”، ويردف قائلًا “الأمة اليوم مأزومة، وحالها بسبب ما يجري بالغ الصعوبة، وهذه أمور متوقعة ولكنها لا تغير من جوهر العلاقة بيننا – كإسلاميين – في شيء”، يؤكد يوسف استمرار التناصر واتخاذ المواقف التي تعزز من الوحدة واجتماع الشمل “إلى أن يأذن الله بالنصر” كما قال.
حماس لم تكن يومًا بعيدة عن الصراع الداخلي المصري خاصةً منذ فوز مرشح الإخوان محمد مرسي بالرئاسة مرورًا بالانقلاب عليه وما تلاه من مجازر بحق أنصار الجماعة في رابعة والنهضة وغيرها، حيث أظهرت حماس تعاطفها وتأييدها للإخوان في أكثر من مناسبة ولم تخل عروض عناصرها العسكرية من شارات “رابعة” ورايات الإخوان، أضف لذلك المظاهر الإعلامية التي رافقت تلك الأحداث، وكانت الحركة على الدوام محط اتهام السلطات في مصر بالتدخل في الأزمات الداخلية في ظل رفضٍ مطلقٍ منها، لكن التصريحات هذه المرة تعد أكثر وضوحًا من سابقاتها ويبقى الحكم عليها ووضوح تبعاتها مرهونًا بما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات بين الأطراف كافة.