أثارت الهجمات الإرهابية الأخيرة على محطة غاز في خريشبة وسط الجزائر مخاوف حقيقية من زيادة تدهور قطاع الطاقة في الجزائر التي تسعى لتجاوز خسائر السنة الماضية في هذا المجال.
وتعرضت منشأة للغاز في منطقة خريشبة جنوب الجزائر (حوالي 200 كيلومتر من عين صالح جنوبي الجزائر) الجمعة الماضية، إلى اعتداء إرهابي، إذ أقدم إرهابيان على قصف المنشأة الغازية التابعة لشركة بريتيش بيتروليوم البريطانية وسوناطراك الجزائرية وستات أويل النرويجية في منطقة خريشبة التي تقع بالقرب من مدينة عين صالح، باستخدام قذائف تقليدية من نوع “الهبهاب” تحسبًا للاستيلاء على المنشأة الغازية، التي يوجد بها عدد من العمال الأجانب، إلا أن تدخل قوات الجيش حال دون تمكن الإرهابيين من تكرار سيناريو “تيقنتورين”.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية إن الإرهابيين أطلقا ثلاث قذائف على منشأة الغاز، وذلك في حدود الساعة السادسة صباحًا، في الوقت الذي كان فيه عمال المصنع الغازي يستعدون لبدء عملهم، إذ فوجئ هؤلاء بالقذائف تتساقط على المنشأة، الأمر الذي تسبب في حالة من الذعر والهلع، غير أن قوات الجيش التي تقوم بحراسة المنشآت الغازية والنفطية في جنوب البلاد بشكل مكثف منذ سنة 2013 سارعت للرد على المهاجمين، الذين لاذوا بالفرار.
عقب هذا الهجوم أعلنت شركتي “بريتيش بتروليوم” البريطانية و”شتات أويل” النروجية انسحابهما من موقع خربيشة، إذ أعلنت الأولى بداية هذا الأسبوع أنها قرّرت “إجراءً احترازيًا بنقل مؤقت على مراحل لجميع أفراد طاقمها في مشروعي عين صالح وعين أميناس في الجزائر خلال الأسبوعين المقبلين”.
وصرّح مسؤولون عن الشركة النرويجية أنها ستعمل على خفض عدد موظفيها في الجنوب الجزائري، وأنها ستسحب مؤقتًا عمالها بمحطة خريبشة، وذلك بعد رفضهم العمل في الوقت الراهن بالمحطة خوفًا من تكرار وقوع هجمات إرهابية، ويأتي هذا الإصرار على المغادرة نتيجة خوف عمال الشركتين من تكرار أحداث ما وقع في محطة عين أميناس، وبالضبط تيقنتورين، عندما قتل رهائن في عملية احتجاز قام بها أفراد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، هذا القرار ليس الأول من نوعه فقد سبق للشركتين الأجنبيتين مغادرة الموقع لمدة سنتين عقب هجمات عين أميناس، مما سبب خسائر للجزائر وصعوبة في تعويض الأطر العاملة.
وأعلنت سوناطراك، شركة الطاقة الوطنية الجزائرية، بعد انسحاب شركتي ”بريتيش بيتروليوم” و”ستاتويل”، أنها ستواصل العمل في منشآت الغاز بجنوب البلاد، خاصة في محطة خريشبة القريبة من مدينة عين صالح، وأكدت الشركة الجزائرية، الثلاثاء، أن عمالها سيواصلون ضمان الإنتاج واستغلال المنشآت وفق الإجراءات المعمول بها بالموقع، متحدثة عن أن الإنتاج بعد الهجوم الإرهابي على المحطة أضحى أكثر ممّا كان عليه الحال سابقًا، وذلك في إظهار منها لقدرتها على العمل دون الشركتين الأجنبيتين.
واتخذت الشركة الجزائرية قرار إعادة تشغيل منشآت معالجة الغاز بعين أميناس، وهي المنشآت التي كانت محلّ مراجعة مبرمجة، متحدثة عن أن كِبار مسؤوليها كانوا حاضرين في موقع خريبشة أو كرابشة يوم الهجوم الذي لم يخلّف ضحايا، وتأكدوا من أن الظروف التقنية والأمنية تسمح بإعادة العمل.
ويؤكد متابعون أنه رغم إعلان الشركة الجزائرية قدرتها على تعويض الشركتين المغادرتين فإن سوناطراك قد تجد بعض المشاكل في تعويض بعض الأطر الأجنبية التي قرّرت الرحيل، لا سيما تلك التي كانت تعمل في الحقول المستغلة بالأساس من الشركتين الأجنبيتين.
وأعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التابع لتنظيم القاعدة الأم الهجوم على هذه المنشأة الواقعة وسط الجزائر لكنه لم يخلف ضحايا أو أضرارًا مادية.
وتخضع منشآت الغاز والنفط في الجزائر لحماية الجيش، لا سيما منذ تعرض منشأة أميناس بالقرب من الحدود مع ليبيا لهجوم أدى إلى مقتل 40 شخصًاK وتنتج محطة خريشبة ملياري متر مكعب من الغاز سنويًا والحقول في منطقة عين صالح تنتج نحو تسعة مليارات متر مكعب.
كان تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي قد أعلن مسؤوليته عن العديد من الهجمات في شمال وغرب أفريقيا في الفترة الأخيرة منها الهجوم على منتجع في ساحل العاج الأسبوع الماضي وأسفر عن مقتل 18 شخصًا، وقال التنظيم إن الهجوم جاء انتقامًا من حملة فرنسا على متشددين إسلاميين في منطقة الساحل.
تراجعت صادرات الجزائر من النفط الخام والغاز الطبيعي بشكل حاد انطلاقًا من 2014 بعد انخفاض في الإنتاج المحلي من الطاقة، حيث تجد الجزائر، وهي مورد رئيسي للغاز إلى أوروبا صعوبة في زيادة الإنتاج نظرًا لهبوط إنتاجية الحقول القديمة ونقص الاستثمارات الأجنبية لضخ إنتاج جديد، وتشكل مبيعات الطاقة 60% من الميزانية ويشكل النفط والغاز 95% من إجمالي الصادرات.
وأظهرت بيانات نشرها الديوان الوطني للإحصائيات، هبوط صادرات الغاز الطبيعي 17% إلى 27.44 مليار متر مكعب العام الماضي، بينما تراجعت صادرات النفط الخام والمكثفات 16% إلى 28.355 مليون طن في 2014، وتمتلك الجزائر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، حيث تشير البيانات الرسمية إلى بلوغ الاحتياطيات المؤكدة 4.7 ترليون متر مكعب من الغاز، بما يعادل 3% من إجمالي الاحتياطي العالمي للغاز، وتسعى الحكومة الجزائرية إلى تحقيق اقتصاد في استهلاك الغاز والمواد النفطية بحدود 42 مليار دولار بغضون 2030 مع خفض استهلاكهما بنحو 9%.
وتكافح الجزائر، عضو منظمة أوبك، لجذب الاستثمارات الأجنبية من أجل دعم قطاع الطاقة، ويرى بعض المستثمرين أن شروطها غير جذابة وأن الإجراءات الحكومية أشد تعقيدًا بالمقارنة مع دول أخرى منتجة للنفط في المنطقة.
وكشفت الجزائر أخيرًا عن نيتها في التوجه نحو استغلال الثروة الغازية والطاقات المتجددة إلى أبعد حد ممكن، كبديل لتجاوز تراجع إيرادات النفط في الأسواق العالمية وتراجع احتياطي النقد الأجنبي الجزائري، ما دفع بالحكومة إلى تبني سياسة ترشيد الإنفاق العام وتجميد عدد من المشاريع الكبرى، وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد أعطى في 22 فبراير/ شباط الماضي تعليمات لمواصلة وتكثيف التنقيب عن الموارد من الغاز الطبيعي، مطالبًا بضرورة جعل برنامج الطاقات المتجددة كأولوية وطنية بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الوطني من أجل ضمان استقلال الطاقة للجزائر والتحرر من سياسة الاعتماد على النفط.