مر شباب الصحوة الإسلامية في ربوع العالم الإسلامي بمراحل كثيرة ومتنوعة، تغيرت فيها وجهات النظر والأفكار التي كانوا يعتقدونها لفترات زمنية طويلة بسبب تسارع وتيرة الأحداث الأخيرة وتنوعها في مدة زمنية قصيرة قد تخللتها أحداث جِسام فقدت خلالها الكثير من الجماعات قواعد متنوعة ذات فئات عمرية أغلبها في مرحلة الشباب قد انضموا إلى جماعات أخرى بسبب تحولاتهم الفكرية التي يعتقدون أنها تناسب هذه الحقبة من الزمن، أو بقوا كما هم في جماعتهم لكن دون رضى عن الوضع العام لها.
قبل ثورات الربيع العربي كان المنهج المتبع في كثير من الجماعات الإسلامية عمومًا والإخوان المسلمين خصوصًا هو المنهج الإصلاحي السلمي الذي يدعو إلى إصلاح المجتمع من الداخل وتنميته وتثقيفه بحيث يكثر سواد تلك الجماعات وبالتالي تنعكس هذه الظاهرة على النظام الحاكم لأنه يستمد موارده البشرية من المجتمع، والتي سيستمدها أصلاً من الجماعات الإسلامية التي أهلت كوادرها للقيام بأمور الدولة بعد إشراكهم في الأحداث السياسية وخوض التجارب البرلمانية بنطاق محدود وقد اكتسبوا بهذه الخطوة خبرة سياسية يعتقدون أنها كفيلة بتدبير شؤن الدولة وحكمها وإدارتها.
أفرغ شباب الصحوة الإسلامية جهدًا كبيرًا في إنجاح تلك النظرية، فنمت الدعوة إلى حد كبير بين أوساط المجتمع وكثرت المشاريع الخدمية التي تسهل على المجتمع مسار حياته كالجمعيات الخيرية وبيت مال المسلمين والمستشفيات والمدارس، وتلاحَم أغلب المجتمع مع أبناء الصحوة الإسلامية لما رأوه من جهد يبذل في سبيل تحقيق الرفاهية والتنمية، وقد لاقى الكثير منهم إزاء ذلك صعوبات وعقوبات تصل إلى حد الاعتقال والتعذيب وربما القتل بدعوى الخروج على النظام الحاكم للدولة والإضرار بالصالح العام.
تحولت الأفكار لدي شباب الصحوة الإسلامية من الطور الإصلاحي إلى الطور الثوري عقب قيام ثورات الربيع العربي، فقد تأجج الوضع في كثير من البلدان العربية، وخرجت الشعوب في مظاهرات عارمة تطالب بسقوط الأنظمة الحاكمة المستبدة لعقود كثيرة، وقد كان شباب الصحوة الإسلامية الجزء الرئيسي الفعال في هذه الأحداث وأداروا المشهد الثوري على أكمل وجه، وطالبوا بمطالب ثورية رغم عهدهم القريب بالطور الإصلاحي في مشهد دراماتيكي أثار تساؤلات عن سرعة التحول والانتقال من المطالب الإصلاحية إلى المطالب الثورية غير المتنازل عنها رغم كل المساومات المغرية وقت إذ.
بعد سقوط بعض الأنظمة الحاكمة انقسم شباب الصحوة الإسلامية إلى فريقين، فريق ألِف المنهج الثوري في تطهير باقي مؤسسات الدولة، والتي لا يزال الفساد السياسي والمالي والأخلاقي مترسخ فيها لطول مكثها وعهدها بالاستبداد والطغيان، والفريق الآخر رجع إلى المنهج الإصلاحي في التطهير من الداخل بتدرج زمني والاكتفاء بالانتصارات الحالية من سقوط الأنظمة واقتلاع رأسها وإقامة التغيير في بقية المؤسسات بمنهج إصلاحي شامل لا يدعو إلى التصادم بين الجماعات الإسلامية ومؤسسات الدولة، ولكن يسعى إلى التطهير خطوة بخطوة تفاديًا للصدام.
بعد انقسام القوى السياسية وبيان ضعفها حدثت ثورات مضادة نجح بعضها في الانقلاب على ثورات الربيع العربي وظل البعض الآخر في كر وفر في أحداث دراماتيكية تتدخل فيها القوى الكُبري في العالم لرسم خريطتها، حدثت مجازر بعد استخدام الاعتصامات والمظاهرات كنوع لرفض الوضع الحالي، وهنا كان التحول حتمي إلى المنهج الثوري واستخدامه كخيار استراتيجي، ولكن اختلفت وجهات النظر في تطبيق المنهج الثوري مرة أخرى، فالفريق الذي استخدم المنهج الإصلاحي بعد ثورات الربيع العربي في إصلاح باقي مؤسسات الدولة بقي على مبدأ اللاعنف في مقابلة موجة القمع الشديدة وقد صرح بذلك على سبيل المثال مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع من على منصة رابعة العدوية عندما قال جملته الشهيرة “سلميتنا أقوي من الرصاص”، أما الفريق الآخر من شباب الصحوة الإسلامية وقواعدها الذي اختار المنهج الثوري في التطهير ما بعد ثورات الربيع العربي فقد اختار هذا المنهج بكامل خصائصه وتصوراته بما في ذلك خيارات العنف إن وجدت لها مساحة.
استغل تلك الأحداث فصيل ثالث كان قد دخل في المعركة بكل ثقله بعد الثورات والانقلابات العسكرية التي حدثت في الآونة الأخيرة، وهو فصيل السلفية الجهادية، الذي فرد أجنحته لكل الناقمين على الأحداث السياسية الحالية من شباب الصحوة الإسلامية، والناقمين أيضًا على منهج اللاعنف والمنهج الثوري الذي يستخدم العنف في نطاق ضيق غير مُجدٍ بالنسبة لأحلام وطموحات بعض الشباب، تحول الكثير من شباب الصحوة الإسلامية إلى ذلك الفصيل الثالث الذي لم يكن معروف لدى شباب تيار الإسلام السياسي غير أنه الوجه المسلح للصحوة الإسلامية والتي كانت ترفضها أدبيات الإخوان المسلمين – باعتباره الفصيل الأقوى في الصراع الإسلامي السلطوي – بعد التأسيس الثاني بقيادة مفكرها ومستشارها حسن الهضيبي ووضع تلك الأدبيات والنظريات بين دفتي كتاب دعاة لا قضاة.
التفت الكثير من شباب الصحوة الإسلامية إلى هذا الفصيل الثالث الداخل في المعركة بكل ثقله، وتحول الكثير منهم إلى المنهج الجهادي في صدامه مع النظام الحاكم، واتخذ بعضهم المنهج بشكل عملي لا على سبيل الفكر والتنظير، فمنهم من سافر إلى سوريا للاشتراك والتدريب مع المجموعات التي تنتمي للسلفية الجهادية كـ “جبهة النصرة” و”داعش” في خطوة عملية لتطبيق أفكارهم على أرض الواقع وتلبية حاجتهم الفكرية، ومنهم من بقي في مصر وأسس خلايا للعمل المسلح بمساعدة فصيل التيار السلفي الجهادي حينها في مصر “أنصار بيت المقدس” وتصاعدت وتيرة الأعمال في نهاية عام 2013 إلى الآن ولم تهدأ.
كل هذه التحولات الفكرية تمت في مدة زمنية قصيرة نتيجة للتصعيد من قِبل الأنظمة الحاكمة والتنكيل بالمعارضين الإسلاميين خصوصًا، وتصاعد وتيرة الخطاب المُقصي للتيارات الإسلامية من المشهد مع التحريض ليل نهار من الإعلام التابع لأجهزة الدولة، وأيضًا نقص من قادة الجماعات الإسلامية في تلبية رغبات قواعدها في وضع رؤية محددة بإطار زمني معروف لإنهاء هذه الأزمة، فضلًا عن تعنتها في استخدام بدائل تلبي حاجات الشباب في سجالاتهم مع النظام.
ربما تتفاقم الأحداث في المرحلة المقبلة بعد كثرة التحولات الفكرية لدى العنصر الفعال في الجماعات الإسلامية وهو الشباب، إن لم تحتوي قيادات تلك الجماعات هؤلاء الشباب ودفعهم في مسار مدروس للخروج من هذه الأزمة فضلًا عن الزج بهم – بدعوي الجندية والقيادة – في مسارات يرفضونها أصلًا، فضلًا عن أنها غير مُجدية في نظرهم للخروج من هذا المعترك مع النظام الحاكم.