أفاد تقرير صدر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، بأن الاحتلال الإسرائيلي صعدمن سياسة العزل الانفرادي بحق الأسرى الفلسطينيين في العامين الأخيرين، والتي تستهدف تدمير الأسرى كبشر، وسحق هويتهم الإنسانية والوطنية، من خلال زجهم سنوات طويلة في زنازين انفرادية، معزولين تمامًاعن العالم وفي ظروف صعبة غير إنسانية، وبقرارات من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
وقالت الهيئة إن 15 أسيرًا يقبعون في زنازين العزل الانفرادي، موزعين على سجون مجدو، ريمون، إيشل، والرملة، وإن قرارات العزل تمدد كل 6 شهور، ولا يعرف الأسير أسباب عزله ومتى ينتهي.
وتأكيدًا على ذلك، كشف تقرير صادر عن منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، عن ارتفاع كبير في استخدام الحبس الانفرادي أو “العزل” في السنوات الأخيرة من قِبل إدارة مصلحة سجون الاحتلال.
صحيفة هآرتس العبرية، قالت إن المعطيات التي قدمتها مصلحة السجون إلى منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، أظهرت أن استخدام سياسة العزل ارتفعت من 390 أسيرًا عزلوا في العام 2012 إلى 750 أسيرًا في العام 2014.
وأوضح التقرير أن سياسية العزل، رغم قرار محكمة الاحتلال استخدامها بشكل مقنن، إلا أنها لا تزال تمارس بشكل خطير للغاية، وتستخدمها سلطات الاحتلال في مراحل عدة، من بينها، أثناء التحقيق، في إجراءات الفصل، الحفاظ على أمن الدولة، ويستخدم كعقاب ذي مغزى.
وبحسب معطيات مصلحة السجون، ففي تموز 2015 كان هناك 117 أسيرًا في العزل، منهم 7 قاصرين، رغم أنه في دول مختلفة هناك حظر على احتجاز القاصرين في العزل، وهناك 7 أسرى آخرين محبوسون في العزل لأكثر من خمس سنوات على التوالي، في ظروف القطيعة عن العالم الخارجي، رغم أنه وفقًا للقانون، فإنه بعد ستة أشهر من العزل الانفرادي وسنة في العزل الثنائي فإن مصلحة السجون ملزمة بأن تحصل على إذن من المحكمة على استمرار إبقاء السجين في هذه الظروف، لكن نصف السجناء في العزل لم يصلوا على الإطلاق إلى المحكمة، ويحتجزون في عزل متواصل وهذا مخالف للقانون كما بين التقرير.
هناك ثلاثة أشكال للعزل الانفرادي تطبقها إدارة السجون بحق الأسرى الفلسطينيين، أولها عزل انفرادي قصير المدى، يمتد من ثلاثة أيام إلى عدة أسابيع، والشكل الثاني يكون عزل جماعي بقسم خاص، الهدف الأساسي منه إبعاد وفصل قيادات الحركة الأسيرة عن بقية الأسرى، وآخر هذه الأشكال هو العزل الانفرادي المفتوح، وهو أقساها وأصعبها، يعزل فيه الأسير منفردًا أو برفقة أسير آخر، ويمنع فيه الأسير من التواصل مع باقي الأسرى لمدة غير محدودة، ويتم تمديد فترة العزل كل ستة أشهر بعد عقد محكمة يقدم فيها مندوب مخابرات الاحتلال الملف السري للقاضي، والذي لا يسمح للأسير أو محاميه الاطلاع عليه.
تتميز غرف العزل بقلة التهوية والرطوبة العالية، حيث لا يوجد سوى شباك صغير قريب من السقف، وتنتشر فيها الحشرات والروائح الكريهة مما يسبب الأمراض لقلة الهواء وعدم دخول أشعة الشمس إليها، ولا يسمح للأسير المعزول بالخروج إلى ساحة الاستراحة سوى ساعة واحدة يوميًا، ويتعرض الأسير المعزول إلى الاستفزازات الدائمة من قِبل السجانين، وفي كثير من الأحيان يتم الاعتداء على الأسرى المعزولين وفرض عقوبات عليهم لأتفه الأسباب، كالحرمان من الكانتين والحرمان من الزيارة والتعليم الجامعي وعدم السماح بإدخال الكتب والصحف، كما يتعرض الأسرى المعزولون لعمليات تفتيش ومداهمات مستمرة تحت حجج أمنية، الهدف منها إذلال الأسير ووضعه في حالة من القلق وعدم استقراره طوال الوقت.
يقوم الأسرى بعدة إضرابات عن الطعام وخطوات احتجاجية لمقاومة سياسة العزل، ومن أبرز هذه الإضرابات، إضراب الأسرى في 2011 لإنهاء سياسة العزل، واستمر الإضراب 22 يومًا في الفترة بين 27 أيلول 2011 و18 تشرين الأول 2011، وتوقف مع إعلان التوصل إلى صفقة التبادل “وفاء الأحرار” في 18 تشرين الأول، وإطلاق سراح 1027 أسيرًا وأسيرةً مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط” المأسور لدى فصائل المقاومة في غزة.
إضراب 17 نيسان/ أبريل 2012، شرع الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في إضراب مفتوح عن الطعام ضد سياسة العزل، شارك فيه قرابة 2000 أسير ومعتقل، توقف الإضراب في تاريخ 14 أيار/ مايو عقب التوصل إلى اتفاق بإنهاء عزل 20 أسيرًا، ونقلهم إلى الأقسام العادية خلال 72 ساعة، وبعد مضي عام على الاتفاق، تنكرت سلطات الاحتلال لاتفاق 14 أيار 2012، إذ استمرت دولة الاحتلال بممارسة سياسة العزل بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
وكذلك إضراب الأسير نهار السعدي لإنهاء عزله الانفرادي، حيث عزل السعدي في تاريخ 20 أيار 2013 بناء على عدة اتهامات وجهت له وهو في السجن، خاض الأسير السعدي إضرابًا مفتوحا عن الطعام في 20 نوفمبر 2014 احتجاجًا على عزله وحرمانه من الزيارات العائلية، وأنضم أكثر من 100 أسير فلسطيني آخر إلى الإضراب عن الطعام في 10 ديسمبر 2014 تضامنًا مع الأسير السعدي للمطالبة بإنهاء سياسة العزل بحقه وحق 20 أسيرًا فلسطينيًا آخر، انتهى إضراب السعدي ورفاقه الأسرى في 17 ديسمبر 2014 بعد التوصل لاتفاق مع مصلحة السجون للاحتلال، يقضي بنقل السعدي للعزل الجماعي في سجن ريمون وأن يتلقى زيارات عائلية، وتحسين ظروف العزل من حيث الملابس والطعام، وتضمن الاتفاق أيضًا إنهاء العزل بشكل تدريجي لباقي الأسرى المعزولين، تنصل الاحتلال من الاتفاق، وتنقل الأسير السعدي بين عدة سجون إلى أن استقر به الحال في العزل الانفرادي في سجن ريمون مرة أخرى.
الاحتلال يشرع وبقانون، انتهاكًا لحقوق الإنسان الأسير، فقانون مصلحة السجون الإسرائيلية لعام 1971، ينص على السماح بعزل الأسير بذرائع أمنية، بحيث أصبح العزل وسيلة مشروعة بيد مدير السجن وضباطه، وقد جرى تعديل على هذا القانون عام 2006، حيث توسعت معايير احتجاز المعتقل في العزل، وتوسعت صلاحيات المخولين بفرض عقوبة العزل على الأسرى، ومنها محكمة العدل العليا، بعدها جاء قانون “شاليط” عام 2010 والذي ينص على تشديد العقوبات والإجراءات بحق المعتقلين، ومنها عدم تحديد فترة عزل الأسير انفراديًا، وإبقائها بشكل مفتوح، إضافة إلى منع زيارات العائلات، وحرمان الأسرى من التعليم وقراءة الصحف، ومشاهدة التلفاز وغيرها.
تعد سياسة العزل بحق الأسرى انتهاكًا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي والإنساني وقرارات الأمم المتحدة، والتي نصت جميعها على وجوب معاملة الأسرى معاملة إنسانية واحترام كرامتهم وعدم حرمانهم من الاتصال بالعالم الخارجي كالمحامي والأهل لمدة تزيد عن أيام، لكن تنصل الاحتلال من كل ذلك، وما زال يمارس عدوانه وسياسته الإجرامية بحق الأسرى دون رادع له، والأسرى لا بواكي لهم.