غارة واحدة بنحو 10 صواريخ على جامعة الموصل، كانت كفيلة بتغيير مسار الحياة في مدينة الموصل شمال العراق والتي تحت حكم تنظيم الدولة منذ حزيران 2014، فألحقت بالمدينة كارثة انسانية علمية اقتصادية. طائرات التحالف الدولي وبعد الساعة الواحدة ظهر يوم السبت 19 اذار 2016، هذا التاريخ الذي لن ينساه سكان المدينة، كانت الحياة تسير برتابتها المعتادة مثل كل يوم، اصحاب غالبية المحال والمكاتب التجارية اكملوا صيانة محالهم نتيجة الاضرار التي لحقت بها اثر غارة استهدفت نقاط اعلامية تابعة للتنظيم قبل يومين من هذا التاريخ.
لكن فجأة تغير كل شيء، دوي انفجارات متتابعة، كسر الرتابة وأعطت انعطافة نحو الفاجعة لمسار الحياة في المدينة وطرقت ناقوس الكارثة الانسانية، قبل أن يتمكن القلة من الناجين من التقاط انفاسهم حتى جاءت الوجبة الثانية من الصواريخ بعد مرور دقائق لتفرع عدد الضحايا، دقائق اخرى ووجبة ثالثة من الصواريخ لتنهي حياة على من كتب عليهم الموت هذا اليوم وهذه اللحظة وفي هذه المنطقة وهذا الحادث.
دخان اسود كثيف كتم انفاس المكان، اشلاء وجثث الضحايا انتشرت ودمائهم تسيل باحثة عن إجابة لماذا حصل ذلك؟، الناجون من المصابين وغيرهم من المرعوبين اصوات صراخهم تتعالى، اضرار المحال والمكاتب والشركات التجارية كست الارض لتزيد من قساوة المشهد. الهدف من الغارة الهدف من الغارة المبنى الجديد والقديم لرئاسة جامعة الموصل ومباني للاقسام الداخلية لاسكان طلبة الجامعة دمرت بشكل كامل، 100 متر المسافة بين ابعدهذه المباني وبين شارع المجموعة الثقافية الذي يضم مئات المكاتب والمحال والمطاعم والاسواق، والمكتظ بالمارة على مدار الساعة كونه مركز رئيسي لتجارة وتسويق الاجهزة الالكترونية والحاسبات وأجهزة الهاتف المحمول ومستلزماتها.
تمكن احدهم من تصوير عمود الدخان الذي تصاعد من مكان الحادث من على جبل بعشيقة الذي يبعد اكر من 15 كم شرق الموصل وكالة اعماق التابعة لتنظيم الدولة نشرت فيديو وصور بينت جزء بسيط منالغارة واثرها، سكان الموصل يؤكدون ان ربع مناطق المدينة حجبت الشمس عنها بفعل دخان الضربات، فيما يؤكدون ان ارتدادات صاحبت القصف شبيهة بالهزة الارضية شعروا بها، لكن الصور والكلام لم تستطيع ان تختزل ما حصل بالفعل.
لا تزال الحكايات المؤلمة تخرج كل يوم من شهود عاشوا الحالة ومن ذوي الضحايا، مجرد نظرة على الدمار يحكي لك الماً ما حصل فحجارته تطايرت واصبحت مقذوفات رغما عنها لتزيد عدد الضحايا . تبرير التحالف مهما كان الهدف الذي دفع طائرات التحالف لاختيار التوقيت والمكان بأهميته الرمزية والإنسانية والعلمية والاقتصادية لا يبرر نتائج وتداعيات ما حدث. التحالف الدولي وفي بيان اصدره عن الغارة قال: إنه ” استهدف مقر قيادي لداعش و دمروا موقعين تجمع لداعش”، وهل مقرات داعش داخل جامعة الموصل حصرا بينما ارتاله العسكرية لا تزال تصول وتجول في العراء؟!!!، هل مقرات داعش داخل الابنية الحكومية والبنى التحتية فقط، التحالف يضحك على عقول البسطاء ومؤديه بهذه البيانات البائسة، التي لم تعد تخدع الكثير، فهل عجزت 60 دولة في تحالف تقوده امريكا عن انهاء ملف داعش، ماهذا الاستخفاف الكذب لم يعد ينطلي على سكان الموصل وغيرهم؟.
الخسائر التي لحقت بالتنظيم بشريا وماديا مهما كان حجمها لا يبرر ما حصل للمدينة وسكانها من اذى. ماهي تداعيات الغارة كارثة انسانية، فبحسب مصادر من داخل المدينة وشهود عيان فقد قتل اكثر من 50 واصيب اكثر من 100 من المدنيين وهناك اشخاص مفقودين لا يعرف مصيرهم حتى الان، هل لازالوا تحت الانقاض؟ ام تلاشت اجسادهم من شدة العصف والانفجار؟، فضلا عن الحاق عوق دائمي بغالبية المصابين والصدمة النفسية والرعب لمن كان هناك، والحزن من ذوي الضحايا على فراق الاحبة، واثارها ربما ستكون لسنوات قادمة. كارثة علمية حقيقية، بتدمير مبنى رئاسة جامعة الموصل احدى ابرز اعرق الجامعات العراقية واكثرها رصانة وقيمة في المستوى العلمي، ومبنى الرئاسة يعد صرحا علميا ورمزا حضاريا ومعنويا للمدينة، فضلا عن تدمير تاريخ الجامعة وهويتها، الذي يقع في مبنى الرئاسة من وثائق وشواهد مادية تتعلق بالجامعة وتاريخها وانجازاتها ونشاطاتها وقيمتها العليمة وعلاقاتها مع المجتمع والجامعات الاخرى وملفات ووثائق جميع خريجي الجامعة وتدريسييها والموظفين فيها.
كارثة اقتصادية كبرى، حيث يعد شارع المجموعة الثقافية العصب الاساسي لسوق الالكترونيات والبرمجيات والحاسبات في الموصل وتضررت الشركات والمكاتب بشكل كبير بمحتوياتها، فضلا عن كون المنطقة تعد من المناطق المهمة والأساسية الاقتصادية في المدينة، حيث يوفر آلاف فرص العمل ويحرك النقد في المدينة، لكنها اغلقت تماما بعد الغارة اما لأن اصحابها والعاملون توفوا او اصيبوا أو أن تعويض الاضرار غير ممكن في الوقت الحاضر خصوصا والمدينة تعاني من ركود اقتصادي كبير بفعل الحصار الحكومي المتمثل بقطع الرواتب والمخصصات عن المدينة وسياسية التنظيم في ادارة الموصل التي اوقفت غالبية النشاطات التجارية والمالية. من هو المسؤول ما أن انقشع دخان الضربات حتى تكشف عن كارثة انسانية وفاجعة بشرية لم تشهدها الموصل قط، يتحمل مسؤوليتها تنظيم الدولة الذي اتخذ من المؤسسات الحكومية المدينة مقرات له متمترساً بين المدنيين متخذهم دروعاً بشرية، معرضا حياتهم للخطر وكذلك ممتلكاتهم والمؤسسات والمباني العامة والبنى التحتية للدمار.
والتحالف المماطل بعملية التحرير والمكتفي بغاراته التي يركزها داخل المدينة غير أبه بحياة من فيها من مدنيين يتحمل المسؤولية ايضا فضلا عن اختياره التوقيت والمكان له اثر كبير في كبر حجم الكارثة. اما الحكومة العراقية فهي تتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية بتأخيرها عملية تحرير الموصل ثان اكبر مدينة عراقية من حيث السكان والمساحة وابرز معقل للتنظيم، متباهية بتحريرها قرى ومدن صغيرة ليس ذا قيمة استراتيجية للتنظيم، مكتفية بإصدار التصريحات والتعليمات.
ليس قصف مبنى رئاسة جامعة الموصل اول أو أخر غارة تشهدها المدينة، فقد اعقبها غارتين في الايام التي تلتها في نفس المنطقة، يوم أول أمس فقط توفي واصيب اكثر من 30 مدني اثر غارة استهدفت مجمع سكني لاستاذة الجامعة بالقرب من الجامعة. ان كان العالم والعرب يتكلمون عن القصف الروسي لروسيا، فهم صمتوا او لا يعلمون عن القصف الامريكي للموصل، وان اختلفت الادعاءات لكن النتيجة واحدة تدمير انسان ومدينة.