تتصاعد الأحداث داخل كبرى الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط والجماعة الأم لتيارات الإسلام السياسي جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي تمر بواحدة من أعمق وأشد أزماتها الداخلية بعد تجربة عام في الحكم سريعًا ما انقلب عليها الجيش.
الجماعة حاولت أن تتماسك بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013، لكن الضربات الأمنية المتوالية أدت في النهاية إلى اعتقال قيادات الصف الأول والثاني وغالبية الصف الثالث في الجماعة، وهو ما أحدث شرخًا تنظيميًا في جسد الجماعة داخليًا وخارجيًا.
وعلى وقع الخلافات التي حدثت بين قيادات الجماعة التي نجت من الاعتقال داخل مصر أو بالسفر خارجها بسبب استراتيجية إدارة الأزمة مع النظام في مصر، انقسمت الجماعة إلى مجموعتين وتيارين أحدهما مكون من القيادات التاريخية للجماعة ويتزعمه في الداخل القائم بأعمال المرشد العام للجماعة محمود عزت، وفي الخارج بعض أعضاء التنظيم الدولي للجماعة بالإضافة إلى الأمين العام للجماعة قبل الأزمة محمود حسين.
أما التيار المتنازع مع القيادات التاريخية مكون من مجموعة من القيادات السابقة في الجماعة التي صعدت إلى واجهة الإدارة العليا في الجماعة بعد الضربات الأمنية لمكتب إرشاد الجماعة- أعلى هيئة تنفيذية- واعتقال غالبية أعضائه، فسيرت هذه المجموعة أمور الجماعة بالأمر الواقع والتي يتزعمها عضو مكتب الإرشاد المجمد عضويته من قبل مجموعة عزت، الدكتور محمد كمال.
خرجت الخلافات هذه إلى وسائل الإعلام، وشكلت لجان تحقيق داخلية، وتبادلت الأطراف الاتهامات، وتدخلت أطراف خارجية لرأب الصدع بمبادرات شتى، وتوالت الإجراءات الإدارية من الطرفين، لكن واقع الحال يقول إن الجماعة منقسمة ظاهريًا لا فعليًا بشكل لائحي وإداري بحيث يكون المنتج جماعتين، أما الوضع الحالي فهو ما زال جماعة برأسين، وإن انقسمت المكاتب الإدارية للجماعة في المحافظات حولهما.
التطورات الأخيرة
أما التطورات الأخيرة والمنحى الإداري لآخر القرارات الداخلية في الجماعة تُشير إلى أنه ثمة طريق آخر تتخذه الجماعة إذا استمرت في السير بهذا الطريق، بحيث سيكون منتجه في النهاية جماعتين بهيكلين منفصلين وهو ما معناه الانقسام الفعلي النهائي.
حيث أعلن فريق من اللجنة الإدارية العليا المتواجدة في مصر حاليًا عن انتهائه من إعداد مشروع لائحة جديدة للجماعة لإقرارها من مجلس الشورى، ومن ثم تجرى على أساسها انتخابات جديدة لمجلس شورى ومكتب إرشاد تنهي أزمة الفراغ القيادي.
هذه الخطوة لم تلق قبول الجميع على ما يبدو رغم أنها أحد أهم المهام الموكلة إلى هذه اللجنة الإدارية بإعداد لائحة وإجراء انتخابات جديدة، حيث ترفض القيادات التاريخية إقرار لائحة جديدة وإجراء انتخابات على إثرها متعللة بالظرف الأمني والظرف الاستثنائي بحسب ما صرح القيادي إبراهيم منير المتواجد في لندن في أحد حواراته الصحفية مؤخرًا.
على الجانب الآخر أصر فريق داخلي على إعداد مشروع اللائحة الجديدة، ودشن منصة تفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل مع قواعد الجماعة ومشاركتهم في وضع اللائحة الجديدة.
حتى انتهت هذه المجموعة من وضع لائحة جديدة وأعلنت ذلك في بيان رسمي نشر على مجموعة من المنصات الإعلامية التابعة لهم، كارحة إياها للمناقشة والحذف والتعديل قبيل عرضها على مجلس الشورى العام المنوط بإقرارها.
طالبت هذه المجموعة من القائم بأعمال المرشد العام الدكتور محمود عزت المختفي منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة أن يدعوا أعضاء مجلس الشورى العام لتعديل اللائحة واتخاذ إجراءات فض النزاع الداخلي، علمًا بأن بعض المصادرال داخلية بالجماعة تؤكد أنه لا يتواصل مع أعضاء اللجنة الإدارية العليا أو أعضاء مجلس الشورى إلا من خلال عضو مكتب الإرشاد الدكتور محمد عبدالرحمن، ويسير الأعمال من خلال ما يسمى بخطابات التكليف.
إلا أن القائم بأعمال المرشد رفض الأمر متعللًا بالظرف الأمني، ومعتمدًا لمجموعة (قائمة) بعينها كأعضاء عاملين بمجلس الشورى الجماعة وعددهم (35) عضوًا حسب بعض المصادر الداخلية من بينهم 10 أعضاء مستقيلين من مناصبهم داخل الجماعة بحسب نفس المصادر، رغم التأكيد على أن أعضاء مجلس شورى الجماعة خارج المعتقلات عددهم يتجاوز 70 في الداخل والخارج.
هذه القائمة المعتمدة من قبل القائم بالأعمال لا يمكن أن تنعقد حسب لوائح الجماعة لتغيير اللائحة، وهو ما اعتبره الجانب الآخر عرقلة لمشروع إقرار اللائحة الجديدة، فحاولوا تخطي هذه العقبة بقرار جرئ يتخطى القائم بأعمال المرشد ويفرض أمرًا واقعًا لإقرار اللائحة الجديدة.
حيث أعلنت هذه المجموعة عبر منافذها الإعلامية أنه “تجاوزًا للظروف التنظيمية والأمنية الصعبة للغاية التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين منذ حدوث الانقلاب العسكري، ولكي تستطيع الجماعة إنجاز لائحتها العامة بشكل لائحي تستمد قوتها من الجمعية العمومية للإخوان.. فإن مشروع اللائحة الجديد أقر انتخاب جمعية تأسيسية من جموع الصف الإخواني يكون من حقها اعتماد اللائحة الجديدة أو تعديل أو إلغاء بعض بنودها”، طبقًا لنص المادة 57 من اللائحة.
هذه الجمعية التأسيسية في وجهة نظرهم تتخطى عقبة نصاب مجلس الشورى الذي يتحكم فيه القائم بأعمال المرشد الذي يتعلل بالظرف الاستثنائي، وهو نفس الأمر الذي أكده القيادي بالتنظيم الدولي إبراهيم منير حين صرح أن الجماعة يجب أن تُدار بلوائح استثنائية لحين تهيئ الظروف لوضع لائحة جديدة.
هذا الإجراء الأخير من قبل مجموعة عمل اللائحة الجديدة سوف يضع الجماعة بين فكين لا محالة، حيث ستعتمد اللائحة من قبل لجنة تأسيسية منتخبة مباشرة من بعض أعضاء الصف الإخواني العام، ومن ثم تجرى انتخابات لمجلس شورى جديد، ومكتب إرشاد جديد، يترأسه مرشد من بين أعضاء المكتب، ومن ثم مكاتب إدارية أخرى.
كل هذا الهيكل سيكون بجانب الهيكل المتواجد بالفعل المنقسم حاليا والذي يتمسك به القائم بأعمال المرشد العام في مصر محمود عزت، ومعه مجموعة من أعضاء مكتب الإرشاد القديم، ومجلس الشورى القديم، والمكاتب الإدارية الموالية له، وخو ما يعني الانقسام الهيكلي الفعلي الذي سينتج في النهاية جماعتين، وهي الحالة الأولى في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في مصر، إذا ما سارت الأمور على هذا النحو.