شهدت الأيام الماضية تسارعا في تصريحات المسؤولين الليبيين من مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج بقرب دخول حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى العاصمة طرابلس.
تجري ترتيبات هذا الدخول على صعيدين، أحدهما أمني متعلق بمن من الكتائب المسلحة سيكون في الدائرة الأولى القريبة من الحكومة، والتي من المتوقع أن تتخذ من القاعدة البحرية في طريق الشط مقرا لها، وهي منطقة تقع في نطاق نفوذ كتائب ثورية مسلحة من منطقة “سوق الجمعة” التي ترفض بدورها -رغم انخراطها في الترتيبات الأمنية- حماية مقر مجلس رئاسة الحكومة من قوى مسلحة غيرها.
أما الصعيد السياسي الآخر فيتمثل في محاولة أعضاء مجلس رئاسة الحكومة تثبيت حصصهم في المناصب السيادية العليا، المدنية والأمنية والعسكرية قبل الدخول إلى العاصمة، وهي مسألة ليست بالسهلة خاصة وأن أعضاء المجلس الرئاسي من خلفيات سياسية ومناطقية متباينة.
فوزير الدولة بالمجلس الرئاسي عمر الأسود الذي ينتمي مناطقيا إلى مدينة “الزنتان”، والمقاطع في الوقت ذاته لاجتماعات مجلس رئاسة الحكومة، لأسباب تعود إلى رفضه تشكيلة الحكومة الثانية المعلن عنها في فبراير/شباط من العام الجاري، إذ أن مدينته لم تمثل بما كان يأمل الأسود.
وزير الدولة عمر الأسود راجع موقفه وعاد إلى العاصمة تونس ملتحقا بالمجلس الرئاسي للحكومة، في ظل النقاش الدائر بين نواب رئيس الحكومة حول خارطة المناصب العليا في الدولة الليبية.
الترتيبات الأمنية وانعدام الثقة
يجري قادة الكتائب الأمنية والمسلحة اتصالات بلجنة الترتيبات الأمنية التي تعمل من العاصمة الليبية طرابلس، حتى تلك التي أصدرت بيانات رافضة لدخول حكومة الوفاق الوطني إلى العاصمة طرابلس، بهدف معرفة تموقعها في الخارطة والمشهد الجديد.
وفي تصريح لموقع ليبيا الخبر قال مصدر من لجنة الترتيبات الأمنية إن اهتزاز ثقة قادة الكتائب المسلحة في حكومة الوفاق وراء تردد بعضهم، وعدم إعلان البعض الآخر رغم انخراطهم في هذه الترتيبات.
وأضاف المصدر أن صراعا خفيا يجري بين كتائب من العاصمة ومماثلين لهم من مدن حزام طرابلس خاصة مصراتة شرقها، حول الأدوار التي ستناط بكل منها، والمكاسب التي ستعود عليها.
وشدّد أن عدم التنسيق بين الكتائب أربك المشهد الأمني في العاصمة طرابلس، مستدلا بموافقة رئيس حزب الوطن عبد الحكيم بلحاج على دخول الحكومة أثناء لقائه الأسبوعين الماضيين برئيس الحكومة فائز السراج في العاصمة الجزائرية برعاية المخابرات الجزائرية. وهو الذي كان رافضا للحكومة حتى وقت قريب.
وتتضارب الأنباء حول الكتائب المكلفة بحماية الحكومة، ففي الوقت الذي أفاد فيه مصدر من لجنة الترتيبات الأمنية بأن لكتيبة 108 من طرابلس بإمرة والكتيبة 114 من مصراتة هما المكلفتان بحماية حكومة الوفاق الوطني.
وأكد المصدر ذاته استدعاء التشكيلات المسلحة بالعاصمة طرابلس كقوة مساندة لقوة حماية الحكومة في حال حدوث طوارئ، أو خروج الأوضاع عن السيطرة.
وأوضح المصدر أنه سيتم إنشاء قوة جديدة تحت مسمى “الحرس الرئاسي” قوامها 2000 جندي و12 ضباطا وأخرى مماثلة لها في العدد لتأمين العاصمة تابعة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني. شارحا أن هاتين القوتين سيستدعى لهما من كل منطقة عسكرية في ليبيا 400 جندي.
إلا أن مصادر أخرى مقربة من مجلس رئاسة الحكومة أكدت أن كتائب النواصي والردع التابعتين لوزارة الداخلية هما المكلفتان بحماية الحكومة.
البيانات المتضاربة
تجري في ليبيا بشرقها وغربها وجنوبها حرب خفية عن طريق البيانات المؤيدة والمعارضة لحكومة الوفاق الوطني، إلا أنه رغم اتفاقها في الهدف وهو “الرفض” إلا أنها تختلف في المسوغات والأسباب.
فالحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني التي تتخذ من مدينة البيضاء مقرا لها والتابعة لمجلس النواب في طبرق، طالبت المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومجلس رئاسة الحكومة بإتباع ما أسمته “الطريق الديمقراطي” وذلك من خلال منح الثة لحكومة الوفاق بجلسة رسمية لمجلس النواب، وإدخال الاتفاق السياسي الموقع عليه في الصخيرات المغربية ضمن الإعلان الدستوري بإجراء تعديل عليه.
من جانبه ترفض حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة خليفة الغويل التابعة للمؤتمر الوطني العام والتي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرا لها، تسليم السلطة لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، محتجة بعدم توافق الليبيين على نص الاتفاق السياسي، ومتهمة البعثة الأممية في ليبيا برئاسة مارتن كوبلر بالتدخل في الشأن الليبي الداخلي.
هذان الموقفان يعكسان رفض رئاسة المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب الليبي في طبرق للحكومة وللاتفاق السياسي عموما انطلاقا من مواقف حكومتهما التابعتين لهما.
عسكريا أعلنت الكتائب المسلحة المتمركز في طوق العاصمة طرابلس عن تأييدها لحكومة الوفاق الوطني، كالمجلس العسكري “جنزور، والعجيلات وصبراتة وصرمان وراقدلين والجميل”، وكلها تقع غرب العاصمة طرابلس.
وانخرطت كبريات كتائب مصراتة “لواء شهداء زاوية المحجوب” و”حطين” في ترتيب دخول الحكومة إلى العاصمة طرابلس. في الوقت الذي يكاد يجمع فيه الجنوب الليبي بكافة مكوناته المدنية والمسلحة على دعم حكومة السراج.
حفتر والجضران، من يكسر عصا من
في شرق ليبيا يظل الموقفين الأكثر وضوحا هما لقائد جيش مجلس النواب خليفة حفتر الرافض للاتفاق السياسي ولحكومة الوفاق الوطني، بسبب أن نصوص الاتفاق السياسي خاصة المادة الثامنة منه أخرجته من المشهدين السياسي والأمني، على الأقل من الناحية النظرية، مع إمكانية التوصل إلى اتفاق ما بين حفتر ومجلس رئاسة حكومة الوفاق، رغم ما يعتبره خصوم حفتر من كونه الشخصية الأكثر جدلية على الساحة الليبية.
ويتمنرس حفتر وأنصاره من أعضاء مجلس النواب في طبرق خلف نائب رئيس مجلس رئاسة حكومة الوفاق علي القطراني المقاطع لجلسات الحكومة على خلفية رفضه تولي العقيد المهدي البرغثي لحقيبة وزارة الدفاع، والعارف الخوجة من طرابلس حقيبة الداخلية، والذي يتهمه نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالإنتماء إلى جماعات “إرهابية” في ليبيا.
موقف حفتر والنائب علي القطراني يعكس هو الآخر موقف النظام المصري برئاسة السيسي من حكومة الوفاق الوطني، والقائم على محاولة إيجاد دور بارز لخليفة حفتر، وأن يكون مقر الحكومة في شرق ليبيا “طبرق، أو البيضاء” لسهولة السيطرة على الحكومة، باعتبار الشرق اللليبي واقع تحت النفوذ المصري من طريق حفتر.
في الجهة المقابلة من شرق ليبيا يؤيد آمر حرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران حكومة الوفاق الوطني، إذ أن الأخير نجح في إيصال فتحي المجبري إلى منصب نائب رئيس حكومة الوفاق الوطني، ويملك ورقة النفط في شرق ليبيا، إذ قواته منعت إنتاج وتصدير النفط من الحقول والمرافئ الليبية منذ عام 2013.
مفارقات وعقبات كثيرة على طريق حل الأزمة الليبية رغم ما يقال عن النسيج المجتمعي الواحد، والتوحد المذهبي والعقدي، تحتاج من حكومة الوفاق والمجتمع الدولي توجيه البوصلة نحو الاستقرار.
المصدر: ليبيا الخبر