ترجمة وتحرير نون بوست
عمد الملك الأردني، عبد الله الثاني بن الحسين، إلى اتهام تركيا بتصدير الإرهابيين إلى أوروبا خلال اجتماع رفيع المستوى مع كبار الساسة في الولايات المتحدة في يناير الماضي، وفقًا للمعلومات التي استحصلت عليها صحيفة الميدل إيست آي.
حيث أوضح الملك الأردني بأن أزمة اللاجئين الكبرى التي تعاني منها أوروبا لم تأتِ على سبيل الصدفة، وكذلك ليس من قبيل المصادفة تسلل الإرهابيين بين صفوف اللاجئين، حيث جاء في تصريحه: “حقيقة أن الإرهابيين يذهبون إلى أوروبا هي جزء من السياسة التركية، وعلى الرغم من تقريع تركيا جرّاء تلك السياسية، إلا أنه لم تجرِ محاسبتها على ذلك”.
وردًا على سؤال من أحد أعضاء الكونجرس الحاضرين في الاجتماع حول ما إذا كانت جماعة الدولة الاسلامية (داعش) تصدّر النفط إلى تركيا، أجاب الملك عبد الله: “بالتأكيد”.
قدم عبد الله تصريحاته خلال جلسة واسعة النطاق لتبادل المعلومات أمام الكونجرس في 11 يناير، وهو اليوم الذي تم فيه إلغاء اجتماعه مع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وعقب إلغاء الاجتماع مع الملك الأردني، اضطر البيت الأبيض لنفي تجاهل أوباما لأحد أقرب الحلفاء الأميركين في الشرق الأوسط، عازيًا إلغاء المقابلة لـ”تضارب بالمواعيد”، على الرغم من أن أوباما وعبد الله التقيا لفترة وجيزة في قاعدة سانت أندروز الجوية في اليوم التالي.
حضر اجتماع الكونجرس رؤساء وأعضاء الاستخبارات في مجلس الشيوخ، أعضاء العلاقات الخارجية، أعضاء لجان الخدمات المسلحة، بما في ذلك العضوين في مجلس الشيوخ، جون ماكين وبوب كوركر، والسيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأكثرية، وهاري ريد، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ.
وفقًا لتقرير مفصل عن الاجتماع اطلعت عليه صحيفة الميدل إيست آي، حاول الملك الأردني شرح ما يعتقد بأنه الدافع خلف تصرفات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث أوضح بأن الأخير يؤمن بـ”الحل الإسلامي الراديكالي في المنطقة”.
وكرر قائلًا: “سعت تركيا لإيجاد حل ديني في سوريا، بينما كنا نحن نبحث عن العناصر المعتدلة في الجنوب السوري، وقدمت الأردن خيارًا ثالثًا لا يسمح بتطبيق حل ديني”.
وفي سياق متصل، اعتبر الملك الأردني بأن تركيا هي جزء من التحدي الإستراتيجي الذي يقبع أمام العالم، حيث جاء في تصريحاته: “ما زال يتم إجبارنا على التصدي للمشاكل التكتيكية في حربنا ضد داعش، بدون أن نتصدى للمسألة الإستراتيجية، حيث نهمل قضية أن الأتراك ليسوا معنا في هذه الإستراتيجية”.
لم يقتصر الأمر على ادعاء العاهل الأردني بأن تركيا تدعم المجموعات الدينية في سوريا وتسمح بدخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا فحسب، بل تعدى ذلك للقول بأن تركيا تساعد الميليشيات الإسلامية في ليبيا والصومال أيضًا.
كما زعم عبد الله أيضًا بأن “التشدد يجري تصنيعه في تركيا”، ووجه سؤاله إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عن سبب تدريب الأتراك للجيش الصومالي.
وفي سياق منفصل، دعا العاهل الأردني الساسة الأمريكيين الحاضرين في الاجتماع لسؤال رئيسي كوسوفو وألبانيا عن الأتراك، موضحًا بأن البلدين ترجيا أوروبا لضمهما للاتحاد الأوربي قبل أن يفعل أردوغان ذلك، وتم تأييد تلك التصريحات من قِبل وزير خارجيته، ناصر جودة، الذي كان حاضرًا في الاجتماع، وأوضح بأن الرئيس الألباني هو مسيحي كاثوليكي متزوج من مسلمة، وأنه كان يتوجب حماية هذا النموذج من التعايش في بلد غالبية سكانه من المسلمين.
كما أوضح جودة بأنه عندما مَنعت حملة القصف الروسية الدولة التركية من إقامة مشروعها بالمنطقة الآمنة في شمال سوريا لوقف تدفق اللاجئين إلى البلاد، “أطلقت تركيا العنان لتوجه سيل اللاجئين إلى أوروبا”، علمًا بأن كلًا من جودة وعبد الله اعترضا على صفقة الـ3 مليار يورو التي تعهدت أوروبا بتقديمها إلى تركيا، حيث أوضحا بأن تركيا تستقبل 2 مليون لاجئ سوري فقط من أصل عدد سكانها الذي يبلغ 70 مليون نسمة، في حين أن الأردن يواجه “مشكلة أكبر نسبيًا”.
تعتبر الأردن وتركيا دولتان حليفتان على الصعيد الرسمي، حيث ألغى رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، زيارة رسمية كانت مقررة إلى الأردن إبان أحدت هجوم انتحاري في أنقرة والذي أسفر عن مقتل 34 شخصًا، والذي تبناه فصيل مسلح كردي يسمى “صقور حرية كردستان”، وهو أحد فروع حزب العمال الكردستاني، ومن هذا المنطلق، فإن تصريحات العاهل الأردني، عبد الله، ستعمل على تعقيد محاولات إعادة ترتيب اللقاء، سيّما بعد أن صرّح أمام مجلس الشيوخ بأن تركيا تستخدم الأكراد كـ”حجة” لتمرير سياستها في سوريا.
يشير الباحث غالب دالاي، وهو مدير البحث في منتدى الشرق وزميل متخصص في الشؤون التركية والكردية في مركز الجزيرة للدراسات، بأنه من الخطأ تصوير تركيا على أنها تمتلك هدفًا إستراتيجيًا لإقامة حكومة إسلامية في سوريا، حيث يقول: “بذلت تركيا قصارى جهدها خلال الثمانية أشهر الأولى من الأزمة السورية لإيجاد حل سياسي للأزمة يتضمن وجود بشار الأسد حينئذ، ولكنها تعرضت لانتقادات في المنطقة ومن الغرب لكونها مستاهلة للغاية مع نظام الأسد، ومفرطة بتفاؤلها حول إمكانية الإصلاح، وبعد 8 أشهر من المحاولات الشاقة، وعندما غدا واضحًا بأن الأسد لا يحوز أي نية لبدء عملية سياسية وديمقراطية لتلبية مطالب المتظاهرين، ألقت تركيا بثقلها خلف المعارضة”.
كما يشير دالاي بأن الادعاءات التي تقول بأن تركيا تشتري النفط من جماعة الدولة الإسلامية (داعش) هي تلفيقات روسية اختلقتها موسكو بعيد حادثة إسقاط تركيا للطائرة المقاتلة الروسية، وأردف موضحًا: “تركيا ليست وحدها التي تقول بعدم وجود أي دليل لدعم هذه المزاعم، فالولايات المتحدة الأميركية أقرّت بذلك أيضًا”.
لم تصدر الحكومة التركية أي تعليق رسمي على تصريحات عبد الله التي أطلقها في 11 يناير المنصرم، ولكن مصدرًا تركيًا رفيع المستوى اتهم الملك بأنه أضحى “متحدثًا باسم بشار الأسد”، حيث أشار بأن الصورة المتمخضة عن هذه التصريحات لا تبدو وكأنها صادرة عن ملك، بل عن “صحفي غربي مشوش الذهن لا يتمتع بأدنى معرفة عن المنطقة”.
“يُلقى على كاهل تركيا بالتأكيد مهمة نضال مكثف ضد داعش، فالتفجيرات تحدث في تركيا وليس في الأردن، وعندما يكون الأمر كذلك، تضحي اتهامات الملك عبد الله التي لا أساس لها أمرًا غير مقبول بتاتًا” قال المسؤول التركي، وأضاف: “وعلاوة على ذلك، تصدي الملك لقضية داعش بمثل هذه المعلومات العارية عن الصحة يثير التساؤل حول ما إذا كانت الأردن قادرة على لعب دور فاعل في مكافحة داعش”.
أما فيما يخص زعم العاهل الأردني بأن تركيا تشتري النفط من داعش، فلم يقتصر المسؤول التركي على وصفها بالسخيفة فحسب، بل أوضح بأن تلك الادعاءات تشير إلى أن عبد الله ليس لديه أدنى فكرة عمّا يجري في سوريا، حيث قال:”تصريحات الملك والاتهامات الموجهة ضد تركيا ليست الأولى من نوعها، فللأسف جميع ادعاءاته هي ذات الافتراءات التي كثيرًا ما يعرب عنها نظام الأسد”، وأضاف: “سيكون من مصلحة الأردن، وفي مصلحة المنطقة ككل، أن تعمل المملكة الأردنية، باعتبارها صديقة لتركيا، من أجل التعاون الإستراتيجي مع قوة إستراتيجية كتركيا، بدلًا من التصرف وكأنها متحدث باسم الأسد”.
المصدر: ميدل إيست آي