بدا الأمر بديهيًا حينما سارعت الأسرة الدولية برمتها لاستنكار الاعتداء على البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين في طهران ومشهد، الذي أعاد إلى الأذهان الاعتداءات السابقة مطلع الثورة الإيرانية على السفارة الأمريكية، واحتجاز رهائن أمريكيين لفترة تخطت العام وقتها.
لكن في المقابل لم يكن الخيار الوحيد – من وجهة نظر المحللين الغربيين – هو الإسراع من الجانب السعودي بقطع علاقته مع طهران، وهو مبدأ غربي يعتمد في سلوكه دائمًا على مبدأ الخصومة العاقلة فيما يستجد من الأحداث الدولية، ودائما ما يبتعد الغربيون عن سياسة الانتحار السياسي أو المبدأ العربي “علي وعلى أعدائي” ، فهذا المبدأ هو آخر ما يفكر به سياسيو الغرب، لذلك سارعت معظم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا ودول الناتو، لدعوة المملكة للتعاطي بشكل إيجابي مع ما بدا مؤخرًا أنه وساطة كويتية، لتحسين الأجواء بين الرياض وطهران.
لماذا الكويت؟
مؤخرًا حمل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الكويتي محمد الخالد، رسائل من قيادة بلده إلى قادة الدول الخليجية، تتعلق بنقل رغبة القيادة الإيرانية في فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دول الخليج وحل المسائل العالقة بالحوار الهادئ.
ما يدعم الترحيب الغربي بالمبادرة الكويتية، هو الخوف من أن المواجهة الجديدة بين السعودية وإيران، قد تفجر مواجهة دموية في أماكن الحروب بالوكالة المنتشرة بالمنطقة، سورية واليمن والعراق ولبنان، إلى جانب إجهاض كل العمليات الدبلوماسية الهادفة إلى إيجاد حلول للأزمات مثل “اتفاقات فيينا” للأزمة السورية، وجهود المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ لليمن.
الغريب في طلب الوساطة الكويتية من الجانب الإيراني، هو أن أكثر الدول المتضررة من التدخل الإيراني في الشأن الداخلي الخليجي هي الكويت، بعد البحرين، وكأن إيران اختارت الكويت نفسها للوساطة لترفض أو لتفشل.
براغماتية مطلوبة
منذ بداية الأزمة تكاثرت عروض الوساطة ومحاولاتها، والتي شملت عرض روسيا ثم تركيا، فعرض العراق وعمان، فيما لم تبادر الولايات المتحدة لعرض أي وساطة، وهو موقف غير مفهوم، على الرغم من الخطوط المفتوحة الآن بين واشنطن وطهران بعد الاتفاق النووي الأخير.
برؤى المحللين فإن التقاط فرصة الوساطة في هذا التوقيت أمر في غاية الأهمية، باعتبار أن قطيعة دائمة بين الجانبين دون غايات وأهداف محددة، أمر غير متعارف عليه في السياسة الدولية، خصوصًا وأن القبول السعودي برغبة إيران في التصالح من شأنه أن يكشف مخططاتها أمام الجميع، ويوقف دعاواها أمام المجتمع الدولي بصفتها داعية سلام، ويرفع الغطاء عن أدوارها بكل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، وعليه فإن البراغماتية السعودية مطلوبة في هذا الموقف، حتى وإن خالفت ثوابتها الوطنية، وعليها أن تثبت للجميع أن الرياض رغم استيائها وما عانته من تدخلات إيران بشؤونها وشؤون دول التعاون وباقي دول المنطقة، على استعداد لمد يد التسامح ضد من أساء إليها لإنهاء التوتر بالمنطقة.
ورقة النفط
واقعيًا يجب على المملكة وباقي دول الخليج التقارب مع إيران، ولو على سبيل البراغماتية السياسية؛ لمقابلة ومواجهة أبعاد انحسار العلاقة التحالفية بين الولايات المتحدة ودول الخليج مؤخرًا لصالح طهران، وعلى الجميع الأخذ في الاعتبار أن النفط لم يعد حاجة أمريكية يمكن التعويل عليها.
لكن في حال موافقة السعودية على الوساطة الكويتية أو غيرها، ما هي شروطها التي ستتوقف عليها مفاوضات التصالح؟
على أرض الواقع يرى الجميع أن الأمن القومي السعودي كمدخل للأمن القومي الخليجي، هي الخطوط الحمراء التي ستتحرك وفقها المملكة، وستعمل على مطالبة طهران عبر أي وسيط كان، بتعهدات تحميها ضمانات أمريكية، ربما المناسب لها هنا روسيا وأمريكا، بالكف عن التحريض والتدخل في شؤون السعودية والبحرين وباقي الدول الخليجية.
النقطة أو الضمانة الثانية التي تفكر بها المملكة بحسب القريبين من دوائر صنع القرار السعودي هي أزمة اليمن، التي اختارتها إيران لتكون ساحة حرب بالوكالة بهدف تحويلها إلى مستنقع للسعودية، وعلى المملكة حسم الأمر قبل أن تنجح إيران وحليفتها روسيا، بخنوع أمريكي، لتحويلها إلى فيتنام جديدة تأكل منطقة الخليج ككل.
الهيبة الإقليمية والصراع العقدي
وفي المقابل على المملكة أن تطمئن أن هيبتها الإقليمية بقبول التصالح لن تمس، بل إنها باتت في أعلى الدرجات بعد استسلام الحوثيين باليمن، وخلفهم ميليشيا الرئيس المخلوع صالح، لكن كل ما تخشاه المملكة – ولها كامل الحق فيه – هو أن تكون خطوة طهران مجرد انحناء للعاصفة ليس إلا، خصوصًا وأن طهران حولت صراعها مع دول الخليج لصراع عقدي، لا تحسمه الاتفاقات السياسية، بل يهزم فكريًا فقط.