تمر جماعة الإخوان المسلمين بمأزق ومحنة يعدان الأكبر في تاريخها، حيث لم يقتصر المأزق على محنة القمع والاعتقال والقتل التي تتعرض لها الجماعة، ولكنها انعكست أيضًا على وضع داخلي معقد سيقت لأجله الكثير من الروايات، إلا أن المراقبين يرون أن مسببات الأزمة ليست الأسباب التي سيقت حول مخالفات الشورى أو تخطي اللوائح، وحتى تخطت غياب المرشد أو وجود نائبه.
يشير مراقبون وقياديون بجماعة الإخوان أن الأزمة الحالية كشفت أوجه الخلل الحقيقية في الجماعة، والأخطاء التي أدت له، مشيرين إلى أن غياب الرؤية والتداخل بين المهام في الجماعة وغياب روح القيادة هي أبرز ما أوصل الجماعة لأزمتها الداخلية والمأزق الحالي والذي تشير الأحداث إلى الصعوبة التي تواجهها الجماعة في الخروج منه ولو بأقل الخسائر.
ووضع المراقبون عدة رؤى للخروج من الأزمة الحالية تتمثل في التخلي عن أساليب التفكير القديمة وفتح سبل للحوار الداخلي، وعدم مواجهة الأفكار بالقرارات الإدارية، والعمل على الاستثمار في المستقبل، وصيانة الأفكار ومراجعتها، وشدد المراقبون لوضع الجماعة على ضرورة تفعيل المجتمع الإخواني لدوره، والذي يتخطى مرحلة النقد للأخذ بزمام المبادرة والفعل، مشيرين إلى أن الثورة المصرية التي حركت القادة بالمجتمع كانت من مبادرة الشعب والمجتمع لا القادة.
الظروف الضاغطة كشفت أوجه الخلل
قال القيادي الإخوان أحمد رامي الحوفي إن الجماعة اقتربت نحو عامها المائة على تأسيسها، مضيفًا أنها على دورة التجديد التى تمر بها الأمة كل مائة عام مصداقًا لحديث رسول الله (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)، وعلق الحوفي على الأزمة الداخلية للإخوان مؤكدًا أن الظروف الضاغطة غير المسبوقة التي تمر بها الجماعة تعد سببًا رئيسيًا فيها.
وأضاف في تصريح خاص لـ “نون بوست” في ذات الوقت لا أرى أن الظرف الضاغط منشئًا لكل ما نعاني منه من مواقف، وأشخاص على كافة المستويات، بل إنه كاشفًا لأوجه خلل في الأغلب.
وأوضح أوجه الخلل المقصودة قائلًا إن “الجماعة لم تتمكن من التكيف السريع مع واقع ثوري تعيشه الأمة في ظرف لم يكن يسمح بالانتظار، فضلاً عن أوجه خلل أخرى لعل أبرزها التماهي بين الحزبي والسياسي”.
وحول ما يقال عن كون الأزمة الحالية هي صراع بين القيادات على المناصب، أو صراع على مسار العمل الثوري، ودخول اللائحة على خط الصراع قال الحوفي إن “الأمر فى أساسه للأسف غياب رؤية واضحة جامعة، وكل ما تلا ذلك هو نتيجة لهذا الغياب، والإخوان جماعة بشرية يسري عليها ويقع بين أفرادها وقياداتها ما يقع بين غيرهم وهذا لا ينتقص من قدرهم طا لما تسعى للاستدراك”.
الفكر والمنهجية وثنائية الداخل والخارج فجروا أزمات الجماعة.
التداخل في المهام
أما القيادة الإخوانية الشابة وعضو المكتب التنفيذي الأسبق بالمجلس الثوري، ياسر فتحي فقد حدد أسباب الأزمة الداخلية في عدة نقاط أبرزها على حد قوله “التداخل الشديد بين المهام (مهام دعوية وتربوية – مهام مرتبطة بالعمل العام – مهام ارتبطت بالعمل الحزبي – مهام ارتبطت بالشان السياسي العام – مهام ارتبطت بالثورة – ثم مهام ارتبطت بمواجهة الحكم العسكري والانقلاب والة القتل والقمع والبطش المستمرة )، ومدى كفاءة التخطيط والرؤى والاستعداد البنيوي والحركي لأداء مثل هذه المهام”.
وأضاف في تصريح خاص لـ “نون بوست” في تحديده لأسباب الأزمة أن “هذا التداخل يحدث وسط حالة صراع كبرى تمر بها الثورة المصرية بل تدور داخل المحيط الإقليمي، فهناك دول وأجهزة منخرطة في الصراع المصري ولها مصالح ورؤى وأجندات، وبالتالي التعامل مع صراع كهذا يفرض تحديًا كبير لطريقة التفكير والتعاطي معه”.
وتابع خلال هذا الصراع ومع تداخل المهام من الطبيعي أن تحدث أزمات متعددة حول الرؤى والأفكار والتخطيط والقيادة وشكل التحرك.
التخلي عن طرق التفكير القديمة وفتح قنوات الحوار الداخلي
وحول سبيل الخروج من أزمة الإخوان الداخلية قال فتحي إن سبل الخروج من الأزمة تتمثل في “التخلي عن طريقتين في التفكير: الأولى طريقة الانكفاء والمزيد من الخوف والحذر والتركيز فقط على مجرد التماسك مهما كانت الخسائر التي نصاب بها، والثانية البحث عن المثالية وعن الملهم الموهوب وانتظار المخلص”، وواصل أن من السبل أيضًا “فتح قنوات وشرايين الحوار الداخلية (التصلب يولد عناد وتمرد، والاستيعاب الخادع يولد إحباط ويأس)”.
واعتبر أن من أهم الواجبات الآن ليس حسم الرؤى ولكن فتح القنوات لها لتنضح وتعرض وتناقش، فجوهر الشورى هو تداول الآراء بين المختصين وأهل الخبرة وليس تداول الرأي بين من يعرف ومن لا يعرف أو من يملك نصف معلومة ومن لا يملك، الشورى هي أولاً إتاحة الفرصة للخبراء والمتخصصين، وفتح قنوات لتداول مثل هذه الآرء للجميع، حتى يكون التحاور والتناقش عن بينة وفي بيئة شبه ملائمة خاصة وأننا في عصر مفتوح”، وأكد أن من الأخطاء الكبيرة التي تعمق الأزمة حل مشاكل الأفكار والاختلاف بمجرد قرارات وإجراءات إدارية”.
وواصل فتحي عرض سبل حل الأزمة قائلًا “إنه يجب الاستثمار في المستقبل وليس الماضي، فبالنظر للماضي سندخل في سجالات لن تنتهي ولو تركنا أمر الماضي لخبراء ومختصين ليخرجوا لنا بخلاصات وتقارير تقصي حقائق شبه موثقة وبطريقة علمية لكفونا مئونة الاختلاف عن ماضي، وعلينا التركيز على أن نستثمر في المستقبل، هناك ثورة يجب أن تنتصر وعجالة يجب أن تسود ومعركة يجب أن نخوضها، هذا المستقبل يحتاج منا أن نكون على درجة كبيرة من الكفاءة والخبرة والمعرفة والأدوات المناسبة وهو أولى بالنظر والبحث والاستثمار”.
وأشار إلى وجود ملفات مهمة تحتاج لحسم سريع قائلاً “هناك ملفات بحاجة إلى حسم سريع، وعدم مواجهتها ودفن الرؤوس في الرمال سيؤدي إلى مزيد من الخطر وتفاقم الأزمات من هذه الملفات تقوية الشورى لتعتمد على التخصص والمعرفة، النظر في تخصص العمل الدعوي والتربوي عن تخصص العملي الحزبي عن طبيعة العمل الثوري، المحاسبة ومراجعة القيادة على أسس واضحة ووفق تعاقد واضح، وحسم بعض المسائل التي تتعلق بالعمل الثوري والعمل السياسي والتنافس على السلطة وغيره من القضايا”.
وشدد على أهمية دور المجتمع الإخواني، قائلًا إن المجتمع الإخواني يحتاج لأخذ المزيد من زمام المبادرة – ليس زمام المبادرة فقط في النقد أو التقريع – ولكن في الفعل، الثورة المصرية كانت فعلاً خرج من رحم المجتمع ولم يخرج من رحم القادة أو الحركات والرموز والأحزاب والهياكل التقليدية، وبالتالي واجب المجتمع والأفراد ربما يكون أحيانًا أكبر بكثير من واجب الهياكل والأطر الرسمية التقليدية.
تعديل حقيقي يشمل نظام الجماعة
اعتبر المفكر الإسلامي محمد عباس أن السبب الرئيسي لأزمة الإخوان هو تحول الجماعة لماكينة تنظيمية جبارة محكمة أشد الأحكام، مشيرًا لاستخدام الجماعة النموذج الهرمي خلال الثلاثة عقود السابقة المناسب لمتطلبات مرحلة التكوين.
وأضاف عباس في دراسته التي أصدرها في مارس الجاري بعنوان “الإخوان المسلمين الجدد كيف يكونوا” أنه كلما زادت هرمية التنظيم إحكامًا عطل كثيرًا من مرونتها وقدرتها على التفاعل مع الأزمات بشكل سريع ومبادر.
وتابع أن الجماعة اتخذت مسار المؤسسية واللوائح محل القاضي والحكم الذي يفصل فى كل خلافات الجماعة، مما أدى إلى غياب “روح القيادة” المتمثلة فى الزعامة والقيادة الأخاذة والكاريزمية.
واعتبر عباس أن ما أصاب الجماعة جاء نتاج غياب روح القيادة وليس مسببًا لها، موضحًا أن الجماعة صارت لتدفع عن نفسها شبهة أنه يحكمها حكم الفرد وتؤكد أنها تحترم المؤ سسية، تحارب الزعامة والقيادة لكاريزمية لتأكيد هذا المعنى وتأصيل أن الجماعة تدار شؤونها بالمؤسسية والشورى.
الانتخابات لن تحل الأزمة
يؤكد عباس أن إجراء انتخابات جديدة بالجماعة لن تحل أزمة الإخوان الداخلية، مضيفًا أن الانتخابات ستفرز نفس الوجوه ونفس القيادات التي تريد القواعد الهروب منها، وبعدها سيتساءلون حقيقة كيف لنا أن نفسر صراخ القواعد من تلك القيادات.
ويواصل المفكر الإسلامي عرض توصيفه للمشكلة بأنها تتمثل في النظام الجبري المقام على القواعد فى وقت يظنون أنفسهم أحرارًا، مؤكدًا أنه يجب البدء في البت في تعديل حقيقي يشمل نظام الجماعة كاملاً.
ويضيف عباس في دراسته “إن الجماعة التي لم تمنح الحرية الحقيقية في اختيار حر وحقيقي لقياداتها، وهذا السلب لا أتهم به، أحدًا إلا تأليه المؤسسية واللائحية”، وتابع “من وجهة نظري شرعية القيادة أتت من اللوائح وليس لما يأتون به – هؤلاء القادة – من مشروعات ورؤى قيادية وزعائمية تعطيهم شرعية”.
ورفض عباس التخلي عن المؤسسية أيضًا قائلًا “أنا مع العمل المنظم بكل أشكاله وطرقه وأدواته، مضيفًا أن ذلك لا يعني أن تكون المؤسسية إلهًا نحتكم إليه وتكون عوضًا بالجملة عن القيادة الملهمة والأخاذة، بل ويتم إعداد أنظمة ومسارات الجماعة بأنه لا داعى لوجود القائد والرجل الكبير مادامت هناك المؤسسة والقوانين واللوائح، فهذا أمر أراه انحرافًا وتقزيمًا لجماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين”.