في مثل هذه الأيام قبل عام، وتحديدًا في الفترة ما بين 13– 15 مارس 2015، عقد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري في مدينة شرم الشيخ المصرية.
في ذلك الوقت أعلن عن مشاركة نحو 100 دولة، و2500 مستثمر، وحضور 30 رئيسًا وملكًا وأميرًا، وتبارت وقتها الصحف ووسائل الإعلام المصرية في تقدير مليارات الدولارات التي انهمرت على المصريين جراء المؤتمر، وتراوحت ما بين 53- 55- 85- 90- 93- 100- 160 مليار دولار، حسب تقديرات كل صحيفة، أما جريدة الأهرام فكانت صاحبة الرقم الأعلى في ختام المؤتمر، بعد أن قدرت المبلغ بـ 175.2 مليار دولار.
أعلن في المؤتمر عن تنفيذ مشروع عاصمة إدارية جديدة لمصر، ووقف السيسي وسط نموذج مصغر للعاصمة الجديدة المزعومة ليستنكر مخطط إقامة العاصمة خلال 10 سنوات، مخفضًا المدة إلى 5 سنوات فقط، يتم فيها نقل مباني الحكومة والبرلمان والرئاسة والهيئات الدبلوماسية إلى المدينة الجديدة، وإنشاء وحدات سكنية وناطحات سحاب، فضلاً عن مصانع ومدينة ترفيهية، وحسب تصريح وزير الإسكان وقتها مصطفى مدبولي، فالمدينة – التي ستقع شرقي القاهرة على بعد نحو 50 كيلومترًا- ستوفر 1.7 مليون فرصة عمل دائمة.
كما أعلن عن الاتفاق مع شركة “سيمنز” الألمانية لاستثمارات في توليد الطاقة الجديدة بقيمة 8 مليارات يورو، وروى رئيس الشركة أن السيسي طالبه بالتبرع للمصريين، مضيفًا أنه أخرج له جيوبه الفارغة قائلاً “ليس لدي شيء”.
كما قدم السيسي وعدًا لحضور المؤتمر قائلاً “هذا اللقاء سوف ينعقد سنويًا وسوف نلتقي بالمستثمرين العام المقبل وسوف تكون شرم الشيخ في أبهى صورها”، وظهرت الصحف في اليوم التالي لختام المؤتمر تحت عنوان واحد مستوحى من كلمة السيسي “مصر تستيقظ الآن”.
“كيد” المعارضين
راهنت بروباجندا نظام السيسي على هذا المؤتمر بشدة، لدرجة أن كثير ممن يقدمون أنفسهم على أنهم ينتمون إلى معسكر الثورة تأثروا بهذه الدعاية وصدقوها، “عبد الفتاح السيسي ومن معه نجحوا نجاح محترم النهاردة” كان هذا تعليق المذيع أحمد العسيلي على المؤتمر.
أما عن المؤيدين للسيسي فلم تكن سعادتهم في تلك الأيام تساوي سعادتهم في يوم آخر باستثناء افتتاح تفريعة قناة السويس، فهم لم يكتفوا فقط بإبداء سعادتهم، وإنما أبدوا شماتة كبيرة بمعارضي النظام بعد “نجاح” المؤتمر من وجهة نظرهم.
على سبيل المثال، قال باسل عادل عضو مجلس الشعب السابق “برغم بمب الإخوان قبل المؤتمر، إلا أن انفجاره في وجوههم مبهر” واعتبر الممثل نبيل الحلفاوي أن الإخوان وأردوغان سيغيرون تكتيكاتهم بعد المؤتمر لأن المؤتمر وما صاحبه من دعم دولي “نسف فكرة الانقلاب والشرعية” على حد قوله.
وقال الممثل تامر عبد المنعم المعروف بتأييده للمخلوع مبارك “أيها الثائرون ومدعو الوطنية ولاعبو الثورية والمهلبية والمنتفعين الينايرجية النكسجية: هكذا يكون الرؤساء وهكذا تدار الدول، أنتم كبيركم ميادين”، وقالت رغدة السعيد إحدى كبار مؤيدي السيسي على تويتر: أشفق على الربعاوية ومن على شاكلتهم الآن، ضغط عالي وسكر وإسهال”.
ونشر رسام الكاريكاتير عمرو سليم رسمًا في صحيفة المصري اليوم لأحد أفراد جماعة الإخوان يشاهد المؤتمر وهو يتميز غيظًا، فيما تواسيه زوجته قائلة “معلش هدي نفسك، أجيب لك قزازتين مولوتوف يطروا على قلبك”.
لا شيء بعد عام كامل
كان هذا جانبًا من أجواء “الكيد” التي سادت تلك المرحلة بين مؤيدي النظام، لكن القنبلة التي رأوا أنها انفجرت في وجه الإخوان أيام المؤتمر، قد انفجرت فيهم الآن بعد مرور عام على المؤتمر دون تحقيق أي شيء، ودون تكرار المؤتمر كما وعد السيسي، حتى إن مذيعًا معروفًا بتأييده الأعمى للسيسي مثل سيد علي تساءل في انتقاد نادر عن مصير مليارات المؤتمر وأين ذهبت.
صحيفة الوطن المصرية كانت قد استبقت ذكرى المؤتمر مبكرًا، ونشرت تقريرًا في يونيو 2015، بعد 3 أشهر فقط من إقامته، يعدد أسباب فشل تنفيذ مشروعات المؤتمر الاقتصادي، منها عدم عرض دراسات جادة على المستثمرين، وعدم تحديد جهة مختصة للتواصل معهم، وعدم الإعلان عن ملكية الأراضي المقرر إقامة المشروعات عليها والجهات التابعة لها، والبيروقراطية وانتشار الفساد الذي يسيطر على أجهزة الدولة، وعدم وجود قوانين تساعد على جذب المستثمرين، والأداء الضعيف للمجموعة الاقتصادية والذي من شأنه التأثير على استمرار الحكومة، ومشكلة الإدارة التي تعاني منها مصر، وغياب الرؤية الاقتصادية المتكاملة والعمل بأسلوب لا يتواكب مع طبيعة السوق، بالإضافة إلى قضايا التحكيم الدولي المرفوعة ضد مصر والتي يبلغ عددها 31 قضية تطالب مصر بـ 100 مليار جنيه لم تحل الدولة منها سوى 3 قضايا فقط، الأمر الذي يضر بسمعة مصر ويجعلها مركز طرد للاستثمار.
أما أضخم مشروعات المؤتمر، وهي العاصمة الإدارية الجديدة، فلم يتم البدء فيها حتى الآن، بعد إلغاء مذكرة التفاهم التي تم توقيعها مع الشركة الإماراتية “كابيتال سيتي بارتنرز” لتنفيذ المشروع، وفي فبراير الماضي، أصدر السيسي قرارًا بتخصيص جميع اﻷراضي التي سيقام عليها المشروع لصالح وزارة الدفاع ممثلة في جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، مع الإعلان عن أن شركات صينية ستتولى إنشاء العاصمة بدلاً من الشركة الإماراتية، إلا أن المشروع ما زال يراوح مكانه حتى الآن.
مؤتمر مطروح
في أكتوبر 2015، قررت الحكومة المصرية “استلهام” فكرة المؤتمر الاقتصادي في مكان آخر، هذه المرة في مرسى مطروح، بعنوان “مطروح.. مستقبل الاستثمار”.
وخرج وقتها محافظ مطروح “اللواء” علاء أبو زيد ليتحدث عن توقيع مشروعات بقيمة 12 مليار دولار، وبعدها بيوم أعلن في كلمته خلال المؤتمر عن “إنشاء مشروعات استصلاح أراضٍ بسيوة وإنشاء ميناء تجاري بالنجيلة ومشروعات سياحية، فضلاً عن إقامة مشروعات ترفيهية عبارة عن إنشاء مشروع سياحي عقاري بهضبة شاطئ روميل وتطوير هضبة عجيبة السياحية وإنشاء أكبر نافورة راقصة في الشرق الأوسط، إلى جانب تشييد أكبر مدينة ملاهي ترفيهية في مصر والعالم العربي، وإنشاء أكبر منتجع صحي عالمي للاستشفاء بتقنيات حديثة في واحة سيوة على مساحة 500 فدان، بإجمالي استثمارات 200 مليار جنيه، إلا أن هذا المؤتمر لحق بسابقه ولم تر أي من مشروعاته النور.
أزمة مستفحلة
جاءت ذكرى المؤتمر الاقتصادي هذا العام في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وأزمة حادة تعيشها البلاد، خاصة في ظل أزمة الدولار الخانقة التي ضربت السوق المصري، وأدت إلى قيام البنك المركزي بخفض قيمة الجنيه بنسبة 14% دفعة واحدة يوم 14 مارس الماضي، الذي كان يوافق – للمفارقة – اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر الاقتصادي.
وعلى مستوى قطاع السياحة الذي أصيب بالشلل عقب إسقاط الطائرة الروسية أواخر أكتوبر الماضي، فلم تحقق مصر إنجازًا يذكر في معرض برلين للسياحة الذي شاركت فيه وزارتا السياحة والطيران المصريتين بالإضافة إلى شركات ورجال أعمال، ونقلت صحيفة الشروق المصرية عن كامل أبو علي رئيس مجموعة “الباتروس” السياحية قوله “لأول مرة منذ 24 سنة أشارك فى معرض برلين وأخرج دون إبرام أي تعاقدات جديدة”، مؤكدًا أن الإقبال على الجناح المصري بالمعرض كان محدودًا، عكس بيانات وزارة السياحة التي قام أفراد منها بارتداء الزي الفرعوني وأداء رقصات أثارت سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأثار وزير السياحة استنكارًا واسعًا عقب قيامه باستعراض قصص معاناة عدد من المصريين جراء توقف قطاع السياحة في مصر، ورأى فيها أصحاب شركات سياحة ومواطنون تسولاً واستجداءً لا يليق.
وجاءت الضربة الأخيرة لقطاع السياحة بعد أن تجاهل منظمة معرض برلين اسم مصر ولم يضعوه ضمن قائمة تضم 50 دولة ينصحون بزيارتها.
لم يكتف النظام بعدم تحقيق أي من المليارات التي أعلن عنها، وإنما استدان مليارات إضافية من مؤسسات دولية على شكل قروض بلغت نحو 3 مليارات دولار، في ظل تفاقم عجز الموازنة الذي تجاوز 9% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما ارتفع الدين الخارجي إلى نحو 46 مليار دولار بنهاية 2015، فيما ارتفع إجمالي الدين العام المحلي إلى نحو 2.259 تريليون جنيه في نهاية سبتمبر الماضي، وأعلن السيسي بنفسه نيته تخفيض الدعم المقدم إلى مياه الشرب في مؤشر على رفع أسعارها المقدمة للمواطنين.
حقل إيني
“بشرة خير” هكذا وصفت صحيفة الأهرام الحكومية في 14 مارس ما سمته “إعلان شركة إيني الإيطالية نجاح الاختبارات التي أجرتها على أحد آبار البترول المكتشفة حديثًا، لكن بعد هذا التعليق بأقل من أسبوع، أعلنت الشركة عن نيتها تقليص أصولها في مصر وبيعها، والمفارقة أن هذه الأصول تتضمن نفس حقل الغاز الذي تحدثت عنه الأهرام.
شركة “إيني” كانت محورًا لحدث آخر في أغسطس الماضي، إذ تم الإعلان وقتها عن اكتشاف “أكبر حقل غاز على الإطلاق في المياه المصرية العميقة في البحر المتوسط”، وأكد مسؤولون أن الاكتشاف يعد “الأضخم في التاريخ” ليأتي الإعلان عن نيتها بيع بعض الأصول في مصر والانسحاب من بعض الآبار فيها ليضيف من قتامة المشهد.
حالات إنكار
لم يمنع الأمر من محاولات حكومية للإنكار وتقديم صورة مختلفة عن الواقع، فقد صرح أشرف سالمان وزير الاستثمار في برنامج تلفزيوني أنه تم تنفيذ 55% من المشروعات التي تم الاتفاق عليها بالمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، وأن حجم تلك الاستثمارات يصل إلى 30 مليار دولار.
لكن على افتراض صحة هذا الكلام فإن حجم الاستثمارات الكلي وفقًا لهذا الرقم لن يتجاوز 60 مليار دولار في أحسن الأحوال، وهو ما يتناقض مع سيل المليارات التي تم الإعلان عنه قبل عام، خاصة أن بعضها جاء على لسان مسؤولين رسميين منهم وزير الاستثمار نفسه الذي كان قد صرح بأن استثمارات المؤتمر بلغت 175.2 مليار دولار ونقلت عنه صحيفة الأهرام ذلك الرقم في عنوانها الرئيسي عقب انتهاء المؤتمر.
كما لم يوضح الوزير أي تفاصيل بخصوص هذه المشروعات التي زعم أنها قد نفذت، ولم يوضح لماذا لم يشعر المواطنون بأي تأثير لها على حياتهم رغم ضخامة المبلغ الذي أعلن عنه (30 مليار دولار).
لكن التقرير الصادر عن الوزير والذي قدمه لرئيس الوزراء، أكد أن معدلات تنفيذ الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال المؤتمر الاقتصادي بلغت 58.4 مليار دولار في قطاعات الكهرباء والبترول والنقل.
أما شريف إسماعيل رئيس الحكومة فاختلف مع وزير الاستثمار حول حجم المشروعات التي تم تنفيذها، إذ رفع رئيس الوزراء قيمة الاستثمارات التي بدأ في تنفيذها إلى 40 مليار دولار.
مليارات الخليج
ويبقى السؤال: أين ذهبت عشرات المليارات التي قدمتها دول خليجية إلى النظام المصري منذ 3 يوليو 2013 حتى الآن، والتي تقدر بنحو 30 مليار دولار، وهو تساؤل طرحه الخبير السياسي السعودي أنور عشقي رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، قائلاً “نحن لا نعرف أين ذهبت الأموال المقدمة لمصر”، مؤكدًا أن دول الخليج لن تقدم مساعدات أخرى إلا في مشروعات قائمة بالفعل.
انخفاض أسعار البترول قد يكون سببًا آخر يجعل من تقديم دول الخليج أموالاً ومساعدات أخرى للنظام أمرًا صعبًا، وهو ما يزيد من العبء ويجعل الأزمة تشتد دون وجود أفق واضح للخروج منها، حتى مع دعوات السيسي المصريين إلى التبرع التي لم تحقق نجاحًا يذكر قياسًا إلى الأهداف المرجوة منها.