بدأت عمليات تحرير مدينة الموصل شمال العراق – عاصمة تنظيم الدولة – أو هكذا يزعم التنظيم، وسط تخوف الأهالي من تكرار ترك المدينة أنقاض وسط انتهاكات ودمار في التجارب السابقة التي تعيدنا بالذاكرة إلى سطور كتبت عن الحرب العالمية الثانية وما خلفتها من دمار وخراب، مع ذاكرة قريبة من حيث الزمن والجغرافيا “الرمادي وتكريت والفلوجة” وغيرهما والتي يعاني أهلها ظلم داعش والمليشيات والحكومة وتنافس السياسيين السنة على ما بعد تنظيم الدولة! تاركين أهلها يذوقون ويلات الجوع والحصار ونفاذ المؤن والصبر مع الوعود والتسويف.
منذ أكثر من عشر سنوات لم تخرج الممارسة الأمنية من وضع الإرهاب والعرب السنة في العراق في خانة واحدة؛ فعندما بدأ تنظيم القاعدة آنذاك عملياته في العراق بعد الاحتلال أشترط عليه أن يكون مجال عملياته الكبرى في المدن السنية حَصرًا، والتي تشكل حواضن اجتماعية من نفس المذهب، إضافة للمدن المتداخلة أو المختلفة ديمغرافيًا لعملياته الصغرى والانتقامية والمعرضة للتغيير الديمغرافي، هذا كان على لسان بعض قادته الذين أنشقوا عنه لاحقًا بعد صحوة ضمير متأخرة.
هذا الشرط يجب أن ينفذ بحذافيره بمقابل الدعم المالي والسلاح والتدريب من قبل إيران العدو الإعلامي والمبرر الرئيسي (للإرهاب السني) في العراق! ويتم التدريب والدعم على الحدود العراقية الإيرانية وخاصة في ديالى تلك المدينة السنية المنكوبة التي أصبحت مدينة ذات غالبية شيعية هذه الأيام بفعل التهجير والتغيير الديمغرافي بأبشع صوره الذي نفذ ولا يزال منذ ما يزيد عن عشر سنوات.
إن الهدف الإيراني من هذا الشرط هو الاستفادة من الإرهاب السني وتوظيفه لخدمة الإرهاب الشيعي مع اتهام للعرب السنة ككل بإيواء الإرهاب ولكي يعطي مبررًا للإرهاب الشيعي الذي لا يَقل همجية وعنفًا عن همجية وسادية القرون الوسطى، فلكي تترسخ الصورة بأن الإرهاب يساوي السنة تبقى العمليات داخل المدن السنية، فالإرهاب لم يتطرق إلى عمق المدن الشيعية إلا إذا أرادوا تغييرًا كبيرًا كما حصل في عام 2006 أو مع تشكيل الحكومات العراقية والضغط على الكتل السنية لقبول التوافقات غير المنصفة عن طريق ضرب المجتمع السني وإطلاق يد المليشيات لتمارس الإرهاب على حواضنهم العشائرية والمذهبية.
إن التعاملات الأمنية للحكومات العراقية المتعاقبة كان أمنيًا فقط بالرغم من أن حل القضايا المتعلقة بالتطرف السني لا يكمن حلها بدون الحلول السياسية التي يجب أن تتقدم على الحل الأمني، لكن إيران والحكومات العراقية لا يستطيعون الاستمرار بهذا النهج القمعي والاسئثار بالسلطة إلا من خلال وجود الإرهاب السني؛ لذا فهم يقضون على أي حلول من الممكن أن تساهم بإشراك السنة في الحكم والقضاء على الإرهاب، فهذا سيجعل السنة ليسوا إرهابيين وإنما مساهمين في القضاء على الإرهاب، وتجربة الصحوات السنية بعد إهمالها وتركها فريسة للقاعدة وداعش خير دليل على ذلك كما أن تجربة معاناة وصراع القوى السنية وتحديهم للحكومة بالاشتراك في تحرير المدن السنية من داعش دليل آخر على عدم الثقة وعدم الجدية في القضاء على الإرهاب فهم لا يستطيعون العمل بعيدًا عن مبرر الإرهاب ليكون شماعة يعلقون عليها فشلهم السياسي والأمني.
فحكومة العبادي ولولا الانقسام الشيعي الناتج عن قدوم تنظيم الدولة لما اضطرت إلى إشراك العرب السنة في الحرب ضد تنظيم الدولة وإخراجهم عنوة من دائرة الإرهاب حتى لو سياسيًا فقط بالرغم أن السلوك الأمني في محاربة الإرهاب مازال “السنة والإرهاب وداعش” في خانة واحدة.
إلا أن هناك بارقة أمل وسط الفوضى العارمة الآن هو التغيرات الإقليمية التي بدأت تدفع باتجاه وضع البوصلة على الإرهاب سواء كان شيعيًا أو سنيًا خاصة بعد الدور السعودي والخليجي المتأخر الذي بدأ يوازي النفوذ الشيعي ويحاول التغلب عليه، بمعنى بدأت الإجابة على الأقل عن مجموعة أسئلة حول ماهو الإرهاب وماهي صفاته وأدواته ومنابعه؟ وما هو المعيار ليكون التنظيم الفلاني إرهابيًا؟ وذلك بعد تصنيف “حزب الله” كمنظمة إرهابية والحديث في الأوساط الغربية عن مليشيات عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وبعض قيادات المليشيات الأخرى كبدر من أنها تمارس الإرهاب، إضافة للمليشيات الكردية التي ربما تعالج بمليشيات كردية أخرى كالبيشمركة الكردية كما حَصل في كوباني عند دخولها من قِبل تنظيم الدولة آنذاك، بمعنى أن هناك منظومة أمن إقليمية بدأت بالتشكل للقضاء على الإرهاب أي كان نوعه بخلق توازن إقليمي وداخلي لكي لا يوظف وبرعاية الأطراف الإقليمية للأطراف والقوى المحلية المعادية للإرهاب لكنها لن تَمر بشكل سلس ومن دون صراعات وهي في طور تشكيل مراحلها التي ستضفي نحو الاستقرار أو هكذا يعتقد.