كتب ويليام ماكانتس و كريستوفر ميزيرول
الهجمات الإرهابية الجماعية في باريس، والآن في بروكسل تؤكّد حقيقة مقلقة؛ وهي أنَّ الجهاديين يشكلون خطرًا على فرنسا وبلجيكا أكثر من بقية أوروبا. لقد ارتفع عدد الضحايا وأصبحت المؤامرات المحبَطة أكثر عددًا. يمكننا تفسير هذه الظاهرة وفقًا لطبيعة شبكات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أوروبا أو فشل الشرطة في فرنسا وبلجيكا. كلا التفسيرين لديه ميزة خاصة. ومع ذلك، يكشف بحثنا أن هناك عاملًا آخر: الثقافة السياسية الفرنسية.
في الخريف الماضي، بدأنا مشروعًا جديدًا لاختبار العديد من التفسيرات المقترحة للتشدد السُني في جميع أنحاء العالم. وكان الهدف هو أخذ عدد المقاتلين الأجانب من السُنة القادمين من أي بلد من البلدان، فضلًا عن عدد الهجمات الإرهابية السُنية التي وقعت داخل تلك البلدان، ثمّ معالجة هذه الأرقام لمعرفة أي التفسيرات تتوقع بشكل أفضل معدل التطرف السُني والعنف في هذا البلد. (وجاءت بيانات المقاتلين الأجانب من المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، وجاءت بيانات الهجمات من مشروع ستارت بجامعة ميريلاند).
ما وجدناه فاجأنا بدرجة كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بتطرف المقاتلين الأجانب. اتضح أن أفضل مؤشر لتطرف المقاتلين الأجانب لم يكن ثروة البلاد، ولا مستوى تعليم مواطنيها، ولا حالتهم الصحية أو حتى مدى استخدامهم للإنترنت. وبدلًا من ذلك، كان أفضل مؤشر هو ما إذا كانت الدولة فرنكوفونية؛ أي ما إذا كانت تدرج حاليًا (أو أدرجت سابقًا) اللغة الفرنسية كلغة وطنية لها أم لا. واستكمالًا لغرابة النتائج، فإنَّ أربعة من الدول الخمس التي بها أعلى معدلات من التطرف في العالم هي دول فرنكوفونية، بما في ذلك دولتين من كبار أوروبا (فرنسا وبلجيكا).
لاشكّ أنَّ القرّاء المطلعين سيعترضون على الفور بأنَّ الأرقام الأوليّة تروي قصة مختلفة. المملكة المتحدة الناطقة باللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، أنتجت مقاتلين أجانب أكثر بكثير من بلجيكا الناطقة بالفرنسية. كما أنَّ المقاتلين من المملكة العربية السعودية يصل إلى عدة آلاف فقط. لكنَّ الأرقام الأوليّة مضللة. إذا نظرت إلى المقاتلين الأجانب كنسبة مئوية من إجمالي السكّان المسلمين، سترى صورة مختلفة تمامًا. وفقًا لجميع المقيمين المسلمين، تنتج بلجيكا مقاتلين أجانب أكثر من المملكة المتحدة أو المملكة العربية السعودية.
إذن، ما علاقة اللغة بعنف المتشددين الإسلاميين؟ نحن نعتقد أن اللغة في الحقيقة هي وسيط لشيء آخر: الثقافة السياسية الفرنسية. النهج الفرنسي للعلمانية هو أكثر عدوانية من النهج البريطاني. فرنسا وبلجيكا، على سبيل المثال، هما الدولتان الوحيدتان في أوروبا اللتان تحظران النقاب في المدارس العامة. كما أنهما البلدين الوحيدين في أوروبا الغربية اللذين لا يحصلان على أعلى تصنيف للديمقراطية في بيانات مؤسسة “Polity “، والذي لا يشمل تفسيرات لانخفاض المعدلات.
ما يدعم هذه القصة هي التفاعلات المرتفعة التي وجدناها بين المتغيرات المختلفة. عندما تنظر إلى أي تركيبة من المتغيرات هي الأكثر تنبؤية، يتضح أن “التأثير الفرنكوفوني” هو الأقوى في البلدان المتقدمة: الدول الناطقة بالفرنسية مع معدل ثقافة مرتفع، وبنية تحتية متطورة، ونظام صحي جيد. هذه ليست قصة عن النهب الاستعماري الفرنسي؛ إنّها قصة تدور حول ما يحدث عندما تتجذر التنمية الاقتصادية والسياسية الفرنسية في تلك البلدان.
ثمة حبكة فرعية مهمة في هذه القصة تتعلق بتوزيع الثروة. كما أنَّ معدل البطالة بين الشباب والتحضر من الأمور المهمة أيضًا. وعلى الصعيد العالمي، وجدنا أنه عندما تتراوح نسبة البطالة في أي بلد بين 10 إلى 30 بالمئة، سيكون هناك علاقة قوية بين ارتفاع معدل البطالة بين الشباب وارتفاع التطرف. وليس هناك أي تأثير للمعدلات خارج هذا النطاق. وبالمثل، عندما يتراوح معدل التحضر بين 60 إلى 80 بالمئة، يكون هناك علاقة قوية أيضًا.
تظهر أهمية هذه النتائج في البلدان الناطقة بالفرنسية. من بين أكثر من 1000 تفاعل قمنا بفحصها، وجدنا أنَّ التفاعلات بين الفرنكوفونية وبطالة الشباب وبين الفرنكوفونية والتحضر على حد سواء صُنفت من بين 15 تفاعلًا الأكثر تنبؤية. هناك دعم قولي واسع لهذه الفكرة: انظر في التطرف المنتشر في ضاحية مولينبيك في بلجيكا، ومدينة بونليو في فرنسا، ومنطقة بنقردان في تونس. لقد أنتجت كل من هذه السياقات حصة غير متناسبة بشكل كبير من المقاتلين الأجانب، وكل منها أيضًا هي مناطق حضرية مع معدل مرتفع للبطالة بين الشباب.
وكما هو الحال مع النتائج في الدول الفرنكوفونية عمومًا، قمنا بتخمين سبب العلاقة بين السياسة الفرنسية والتحضر والبطالة بين الشباب، والتشدد السُني. ونعتقد أنه عندما تكون هناك أعداد كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل، لا بُدّ أن يميل بعضهم إلى التطرف. عندما يعيشون في مدن كبيرة، يكون لديهم المزيد من الفرص للتواصل مع الناس وتبني القضايا الراديكالية. وعندما تكون هذه المدن في البلدان الناطقة بالفرنسية التي تتبنى النهج الفرنسي الحاد للعلمانية، فإنَّ السُنة الراديكالية تكون أكثر جاذبية.
في الوقت الراهن، تحتاج العلاقة إلى مزيد من الدراسة والفحص من خلال مقارنة عدة حالات في البلدان وبين البلدان. لقد وجدنا أيضًا علاقات أخرى مثيرة للاهتمام مثل العلاقة بين عنف السُنة والصراع المدني المسبق، لكنها ليست علاقات قوية وغير مقنعة أيضًا.
وبغض النظر عن ذلك، فإنَّ هجوم بلجيكا الأخير هو سبب كافٍ لنشر النتائج الأوليّة. وقد تكون هذه النتائج خاطئة تمامًا، ولكنها على الأقل تستند إلى أفضل البيانات المتاحة. إذا كانت البيانات غير صحيحة والتفسيرات متفاوتة، نأمل في أن يؤدي هذا الجهد إلى تفسيرات أكثر دقة لما يحرك الإرهاب في أوروبا. لا تعني نتائجنا الأولية بأي حال من الأحوال أن البلدان الناطقة بالفرنسية هي المسؤولة عن الهجمات الأخيرة، ولا أنَّ هذه البلاد تستحق أن يُقتل مواطنيها، بغض النظر عن دوافع مرتكبيها. لكنَّ حجم العنف والخوف الذي تنتجه هذه الدول الفرنكوفونية يتطلب منا تحقيقًا واسعًا لتلك الدوافع بعيدًا عن التفسيرات النمطية.
المصدر: فورين أفيرز – ترجمة إيوان 24