“تأتي المصائب تباعًا” على لبنان كما يقول المثل، فلا يكفي لبنان الصعوبات الداخلية التي تواجهها والتي بالكاد تستيطع التخلص منها أو حلها مثل أزمة النفايات وأزمة انتخاب رئيس للبلاد، والتهديد الأمني على الحدود السورية اللبنانية من قِبل جبهة النصرة التي كانت قد اختطفت بعض الجنود اللبنانيين، وتدخل حزب الله اللبناني في سوريا لمساندة النظام السوري برعاية إيران ومساندته في حربه ضد الفصائل المعارضة.
بعد وقف المساعدات والتمويل السعودي للجيش اللبناني واتفاق مجلس التعاون الخليجي على تصنيف حزب الله اللبناني على أنه منظمة إرهابية وموافقة جامعة الدول العربية على ذلك، بدأت دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والكويت بترحيل أي شخص يشتبه بضلوعه بشكل أو بآخر في دعم أو تمويل أو التعامل مع حزب الله، وحذرت دول المجلس رعاياها من السفر إلى لبنان وتحذير الرعايا المتواجدين هناك، وتخفيف بعض الدول من التمثيل الدبلوماسي إلى القائم بأعمال كما فعلت الإمارات.
حال الاقتصاد اللبناني بعد كل هذا؛ لم يكن ينقص إلا هذا، فلم يكفي الأزمة السورية منذ خمس سنوات والتي أثرت على السياحة اللبنانية ونقل البضائع وحركة التصدير وضعف الاستثمار حيث خرجت كثير من الاستثمارات لخارج لبنان بحثًا عن مكان أكثر أمانًا جراء الأزمة السورية وحوّل الكثير من السياح العرب والأجانب وجهتم عن لبنان بسبب الأزمة على حدودها وتوتر الأوضاع الأمنية في الداخل اللبناني، حتى جاءت العقوبات الخليجية لتزيد الاقتصاد اللبناني سوءًا وتضع الاستثمارات الخليجية في لبنان محط أنظار المسؤولين وصناع القرار خوفًا من سحبها أو إيقافها.
فمما لا شك فيه أن كثير من المنشآت والمؤسسات في لبنان لا تخلو من تمويل خليجي، فواجهة البلد أمام العالم وهو مطار بيروت الدولي تقوم مجموعة الخرافي الكويتية بتشغيل جزء من خدماته، ومرورًا بمشاريع استثمارية في مختتلف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية فضلاً عن التحويلات المالية بالعملة الصعبة من العاملين اللبنانين في دول الخليج، لهذا تعد الاستثمارات الخليجية في لبنان حجر أساس في الاقتصاد اللبناني، إذا ما أزيح هذا الجحر لسوف يؤدي إلى مصاعب عديدة تتطلب من الحكومة اللبنانية وقتها تغيير قواعد ومسلمات من أجل تفادي أزمة اقتصادية تصيب لبنان.
فالاقتصاد اللبناني يعتمد في جزء كبير منه على الاستثمارات والسياحة الخليجية، كما يوجد في دول الخليج ما يقرب من 500 ألف لبناني يعملون في أعمال مختلفة.
توقفت الاستثمارات الخليجية الجديدة في لبنان منذ ثلاث سنوات بسبب الأزمة السورية ولكن المشاريع القائمة لم تتوقف ولم تُسحب بعد، ويعزى هذا لعوامل عديدة أولها أنها مشاريع يجد المستثمر فيها نموًا في الأرباح وثانيها السياسة الاقتصادية والمالية المتبعة في الجهاز المؤسسي اللبناني من انفتاح وحرية نقل البضائع والتحويلات والأشخاص واستقرار في القطاع المصرفي فضلاً عن سريته.
غرفة التجارة والصناعة والزراعة في لبنان أعدت دراسة حول حجم العلاقات الاقتصادية بين لبنان ودول الخليج ومدى استفادة لبنان من هذه العلاقات، فقد بلغت قيمة الاستثمارات التراكمية اللبنانية في الخليج في الفترة ما بين الأعوام 1985- 2009 نحو 4 مليارات و735 مليون دولار ونسبتها 57.4% من إجمالي الاستثمارات اللبنانية في الدول العربية كافة، وعرّجت الدراسة على الحصة الأكبر لهذه الاستثمارات تعود للسعودية والإمارات والكويت بالتتالي بمجموع يتجاوز 4 مليارات دولار.
وأظهرت الدراسة أيضًا أن “قيمة التحويلات المالية بلغت 7.5 مليارات دولار عام 2015 منها 50% عبر السعودية أي نحو 3.8 مليار دولار و2.2 مليار من باقي دول الخليج و1.5 من باقي دول العالم” وهذه التحويلات لها دور أساسي ومهم في الحفاظ على قيمة الليرة واستقرار سعر صرفها مقابل العملات الأجنبية.
وهذا يُظهر حجم ما يمكن أن تعانيه في حال ضُيّق على تلك الاستثمارات من خلال تقويض حركة المال والأشخاص وزيادة الرقابة عليهما وهذا قد ينعكس على الاقتصاد اللبناني بشح التحويلات المالية من الخارج.
أما الاستثمارات الخليجية في لبنان فقدرت الدراسة “الاستثمارات التراكمية الخليجية في لبنان تقدر بنحو 11 مليارًا و385 مليون دولار نسبتها 92.7% من الاستثمارات العربية في لبنان” والحصة الأكبر تعود للسعودية في المقدمة تليها الإمارات ومن ثم الكويت.
وحتى العام 2015 نفذ مستثمرون لبنانيون في دول مجلس التعاون استثمارات تقدر قيمتها ب 1.4 مليار دولار ما نسبته 27% من إجمالي الاستثمارات اللبنانية في الدول العربية مجتمعة.
كما سجل التبادل التجاري بين الرياض وبيروت ما يقارب 800 مليون دولار بحسب مركز الدراسات الاقتصادية في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، حيث بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية في العام 2014 نحو377.5 مليون دولار، وصنفت السعودية في المرتبة الأولى على لائحة أهم أسواق الصادرات اللبنانية عام 2014، واستأثرت بنحو 11% من إجمالي الصادرات اللبنانية، فيما بلغت قيمة البضائع المستوردة عام 2014 من السعودية نحو 415.4 مليون دولار.
لا تفتأ السياسة تؤثر على الاقتصاد ورجال الأعمال، لذلك حاول عدد من رجال الأعمال اللبنانيين تأكيد أواصر العمل بين الطرفين اللبناني والخليجي وعدم ارتهانها بالحالة السياسية بين البلدين، حيث زار محمد شقير رئيس غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان دبي وأبو ظبي في الفترة الماضية وطمأن الطرف الخليجي على مستقبل العلاقات المالية بين لبنان والخليج.
وسيقوم عدنان القصار المصرفي والوزير السابق على رأس وفد يضم رجال أعمال بجولة خليجية لنفس الهدف لتوضيح موقف رجال الأعمال اللبنانيين.
وهناك دراسة أخرى أجرتها المؤسسة العربية لصمان الاستثمار وائتمان الصادرات إلى تصدر الدول والمجموعات الخليجية قائمة المستثمرين في لبنان وذلك في القطاعات الثلاثة الأولى التي رصدتها الدراسة بين عامي 2003 و2015 وهي العقارات 48% والفنادق والسياحة بنسبة 30.6% والكيميائيات بنسبة 4%.
والخلاصة أن الرسائل الخليجية من خلال الإجراءات المتخذة تجاه لبنان، تنذر لبنان من التغول مع حزب الله، وتمس بالدرجة الأولى كل ما يتعلق بالحزب وليس الاقتصاد اللبناني ولو أرادت دول الخليج التأثير على الاقتصاد اللبناني لكانت أوقفت المشاريع التابعة لها في لبنان وأوقفت الحركة المالية إلى لبنان، واعتقد أن الجولات اللبنانية لرجال الأعمال اللبنانيين تلقى ترحيبًا في الخليج إلا إذا جاءت بأجندة تخدم حزب الله فعندها سيخرج الوفد يبكي كما خرج سعد الحريري يبكي أثناء زيارته للملك سلمان في المملكة العربية السعودية.