تمر اليوم ذكرى عام على بداية التدخل العسكري السعودي في الأزمة اليمنية بعدما قادت تحالفًا عربيًا شن غارات جوية على الحوثيين الذين قادوا انقلابًا بالتشارك مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح على سلطة عبدربه منصور هادي نائب صالح السابق والرئيس اليمني بعد الثورة.
أطلقت السعودية على هذا التدخل العسكري في بدايته “عاصفة الحزم” التي بدأت فجر يوم 26 من شهر مارس العام الماضي باستهداف جوي لمعسكرات قوات الحرس الجمهوري الخاضع لسيطرة قوات صالح وحلفائه من مليشيات الحوثيين في صنعاء وبقية المحافظات.
الولايات المتحدة لم تتفاجأ بالقرار السعودي حينها، وأظهرت شكليًا الدعم للموقف السعودي، واستصدرت بمجلس الأمن القرار 2216 الذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من المواقع التي احتلوها وذلك في 16 أبريل أي بعد التدخل العسكري بأقل من شهر.
لكن هذا القرار الذي فرح به السعوديون لم ينفذ حتى اللحظة بعد عام كامل من الكر والفر بين مليشيات الحوثي التي ما زالت تدير الدفة على الأرض في اليمن مقابل ما يُسمى بالمقاومة الشعبية المدعومة من السعودية التي استطاعت خلال هذا العام من الحرب أن تستعيد بعضًا من الأرض لكنها لم تخرج السعودية من مأزقها في اليمن.
كانت واشنطن في تلك اللحظة تعد العدة لاتفاق تاريخي مع غريمة السعودية التقليدية إيران لذلك لم ترد أن تتدخل بثقلها في الأزمة اليمنية كما كان معهودًا في العقود السابقة، حيث تدعم إيران (المفاوضات) مليشيا الحوثي، وفضلت الولايات المتحدة أن يأخذ الصراع مجرياته بين السعودية وإيران، طالما تعهد الحوثيون وهم على رأس السلطة بالمساعدة بجانب الولايات المتحدة في محاربة قاعدة اليمن.
كما أن كافة الشواهد كانت تُشير إلى أن الولايات المتحدة بدأت تتعامل بسياسة جديدة مع الشرق الأوسط في العام قبل الأخير من عهد أوباما، الذي حول الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط من الانغماس حتى أخمص القدم إلى الاعتماد على الوكالة والنأي بالنفس عن التدخل بشكل مباشر بما يضر بالمصالح الأمريكية أكثر مما يفيد، أي أنه لن تكون الولايات المتحدة بنفسها شرطيًا للمنطقة وعلى المنطقة أن تختار شرطيها الخاص، أو تظل تتفاعل وتتجاذب بما يخدم المصالح الأمريكية.
وصلت الرسالة إلى السعوديين الذين بدأوا يبحثون عن حلفاء ميدانيين بعد أن تخلت واشنطن عن هذا الدور التاريخي، فذهبوا إلى مصر بعد أن ثبتوا أركان نظام الانقلاب العسكري، ولكن للمفاجأة خذلهم المصريون في مسألة حرب اليمن واكتفوا بدور هامشي، لم يكن مرضيًا بالطبع لطموحات الرياض.
كما شرعت السعودية في تغيير خارطة تحالفاتها وأولوياتها بناء على ذلك، فبدأت في بناء تحالف سني لمواجهة إيران في المنطقة بعد أن أطلقت الولايات المتحدة سراحها، كما أخرت من أولوية مواجهة الإسلاميين في المنطقة بعد أن وجهت لهم عدة ضربات قاصمة في مصر واكتفت بذلك مؤقتًا، لصالح إنهاء الصراعات الحالية في اليمن وسوريا.
عاصفة الحزم انتهت سريعًا بعدما قالت السعودية إنها حققت أهدافها، لتنطلق عملية “إعادة الأمل” التي فشلت هي الأخرى في حسم الأمور، لتبدأ بعدها عملية التفاوض السياسي طويلة الأمد بتعيين ولد الشيخ مبعوثًا أمميًا لليمن، بعد فشل السعودية في إنهاء الصراع مبكرًا كما كانت تتوقع، ولتبدأ عملية سورنة اليمن بسبب فشل الطرفين في إحراز انتصار عسكري كامل.
لم يكن الأداء السعودي في عاصفة الحزم وما تلاها في اليمن مبهرًا كما يروج البعض، ولكنه نم عن أزمة السعودية الحقيقية بدون واشنطن، وأظهرت وجه الإدارة السعودية المرتعشة للأزمة، كما أنها أظهرت لواشنطن حرفية اللاعب الإيراني في المنطقة، أمام التصرفات السعودية الحمقاء التي تنتج عن الاستفزاز الإيراني ولا تعدو أن تكون رد فعل عليها.
هرعت السعودية مرات ومرات خلال هذا العام إلى الولايات المتحدة في عدة اجتماعات وأكثر من قمة خليجية أمريكية، لانتزاع تعهدات من الحليف القديم ألا يُطلق يد إيران في المنطقة بشكل كلي وأن تحفظ واشنطن مصالح الخليج وأمنه، الذي لا تستطيع السعودية حتى الآن التكفل به، وهو ما أظهرته الأزمة اليمنية بكل وضوح.
ربما نرى آخر هذه المحاولات السعودية التي أعلنت مؤخرًا بتشكيل مجلس أمريكي ـ خليجي ينسق محاربة الإرهاب بعيد اتصال جمع بين الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وبين أشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي.
حيث حاولت المملكة الحديث بنفس النغمة المعهودة التي تتحدث عن ضرورة توحيد الجهود في مجال مكافحة الإرهاب، كما أبلغت السعودية الولايات المتحدة ضرورة تنسيق الجهود الأمريكية الخليجية من أجل مواجهة التطرف الذي تدعمه بعض دول المنطقة – المقصود إيران بالطبع -.
ولكن ربما لم تع السعودية الدرس بأن الولايات المتحدة بالنمط الجديد سوف تخرج على وسائل الإعلام لتؤيد السعودية تمامًا، وتُنشئ بدل المجلس المشترك عشرة مجالس دفعة واحدة، وستجدد تعهداتها بحماية الأمن الخليجي، لكن لن يمر هذا الكلام إلى الفعل، ولن يهرب الخليج من مسألة ضرورة تحمل مسؤولية أمنه، وأن الطفل المدلل بدأ يشب ويكبر، وبدأ الأمريكان بتعويده على أن يحل مشكلاته معتمدًا على نفسه، ومهما حاول الطفل التملص لن يجدي هذا الأمر.
وعليه فإن المسألة اليمنية ذهبت إلى طاولات المفاوضات رغمًا عن أنف السعودية، ولم تستطع السعودية حسم أي موقف في سوريا رغم التقارب مع تركيا، وبدت السياسة السعودية الخارجية متخبطة دون واشنطن أوباما، وربما ينتظر السعوديون رجل البيت الأبيض الجديد لتعديل هذه السياسة، لكنه في الحقيقة لا مناص من إدراك أن الإصرار على عدم بناء سياسة نابعة من الرياض سيؤدي بالنهاية إلى كوارث كالتي حدثت في اليمن وسوريا.