كشفت صحيفة الميدل إيست آي البريطانية في تقرير مطول نشرته صباح الجمعة 25 مارس عن انخراط القوات الخاصة البريطانية والأردنية بعمليات سرية مشتركة لاستهداف الجماعات المسلحة التي تعمل في دولة الصومال التي تمزقها الحرب، حيث نقلت الصحيفة تسريبات لتصريحات أطلقها الملك الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، في الولايات المتحدة أمام زعماء الكونجرس في 11 يناير من العام الجاري، تتحدث عن لجوء قوات مملكته إلى بريطانيا في الحرب ضد الدولة الإسلامية (داعش) بسبب عدم وجود أي توجهات واضحة من واشنطن بهذا الخصوص.
“القوات الخاصة البريطانية منخرطة اليوم في عمليات مع القوات الخاصة الأردنية” قال الملك الأردني، وفقًا للتقرير المفصل عن اجتماع الكونجرس، الذي جرى ضمنه التصريح، والذي اطلعت عليه صحيفة الميدل إيست آي.
وسرّبت الصحيفة في تقريرها عن الملك الأردني خلال الاجتماع السري مع أعضاء الكونجرس الأميركي قوله: “الأردن تسعى اليوم خلف حركة الشباب لأن أحدًا لا يسعى حقًا خلف هذه المسألة، رغم أننا لا يمكننا أن نفصلها عن الحاجة للنظر في جميع المناطق الساخنة على الخريطة”، وأضاف: “لدينا قوة انتشار سريع تساند بريطانيا وكينيا وعلى أهبة الاستعداد للدخول عبر الحدود إلى الصومال”، موضحًا بأن الأردن وجهت أنظارها إلى حركة الشباب لأن الأخيرة تصب عناصرها في ليبيا حيث تسود الفوضى والصراعات منذ حملة الإطاحة بالعقيد معمر القذافي التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011.
تأتي هذه التصريحات بالتزامن مع أخرى أطلقها الملك الأردني ضمن ذات الاجتماع في واشنطن والتي توضح انخراط القوات الخاصة الأردنية مع نظيرتها البريطانية في العمليات العسكرية بشكل سري في ليبيا.
كشفت صحيفة الميدل إيست آي بأن اجتماع العاهل الأردني الذي ألقى خلاله بتصريحاته حول عمليات القوات الخاصة السرية في الصومال جمع كبار السياسيين الأمريكيين، من بينهم جون ماكين وبوب كوركر، وذلك في خضم زيارة الملك الأردني للولايات المتحدة والتي عقد ضمنها سلسلة من المناقشات رفيعة المستوى مع وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع آشتون كارتر أيضًا.
خوراج الإسلام
أشارت الصحيفة وفق ما نقله مصدرها، الذي لم يكشف عن اسمه، داخل اجتماع الكونجرس، بأن الملك عبد الله أعرب مرارًا وتكرارًا عن إحباطه مما أسماه “التقاعش الأمريكي ضد داعش”، مضيفًا بأن المجموعة تمثل بداية لحرب عالمية ثالثة.
“نحن نركز على الصورة الأكبر، نحن في حرب عالمية ضد الإرهاب، وداخل دين الإسلام ضد خوارج الإسلام”، نقلت الصحيفة عن عبد الله قوله ضمن اجتماع الكونجرس، موضحة بأن مناقشة الحرب في سوريا استغرقت أغلب مدة الاجتماع، ومقتبسة نقد الملك الأردني لتركيز الأمريكيين الشديد على محاربة داعش في سوريا مما أسفر عن تجاهلها لمشكلة تنامي التشدد الجارية على قدم وساق في شرق أفريقيا، وفقًا لتعبير العاهل الأردني.
بالإضافة إلى ما تقدم، وصف عبد الله المجتمع الدولي، وفقًا لما جاء في تقرير الميدل إيست آي، بأنه “يتسكع وهو يمضغ العلكة” في شرق أفريقيا، في دلالة على تعامي المجتمع الدولي عن التهديد التي تبرزه داعش والجماعات الأخرى المشابهة لها، وزاعمًا بأن “لا أحد يستمع إلى الدول الإفريقية”.
وفي ذات السياق، ذكر كاتب التقرير، الصحفي روري دوناغي، ما جاء في حديث عبد الله للمستمعين من السياسيين الأمريكيين بأنه وبعد حادثة استهداف حركة الشباب للجامعة في كينيا، “كانت الدموع تفيض من عيني الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، جرّاء مقتل أكثر من مائة طالب في الجامعة دون أي استجابة” من المجتمع الدولي.
وفي خضم محاولته لإقناع الأمريكيين بمدى أهمية مشكلة داعش، أعلن عبد الله خلال الاجتماع بأن الحرب ضد التشدد الإسلامي هي حرب تمتد من أندونيسيا وحتى ولاية كاليفورنيا، وفقًا لما جاء في التقرير، الذي نقل أيضًا عن عبد الله قوله: “المشكلة أكبر من داعش، إنها حرب عالمية ثالثة، حرب يعمل فيها المسيحيون واليهود مع المسلمين ضد الخوارج والخارجين عن القانون”، في إشارة إلى داعش.
أشارت الصحيفة في معرض كشوفاتها أيضًا عن نقد عبد الله لما اعتبره “النهج المجتزأ” الذي يتبعه المجتمع الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة، في التصدي للتهديد الذي تشكله داعش والجماعات الأخرى المرتبطة بها، وأوضحت بأنه ورغم اعترافه بأن الحرب ضد التشدد الإسلامي يجب أن تكون “جهدًا محلي المنشأ”، إلا أنه شدد على أهمية الدعم الدولي المتين لهذه الجهود.
وفي ذات السياق، وعلى الرغم من انتقاداته للإستراتيجية الأمريكية، إلا أن عبد الله أشاد بجهود واشنطن لتوفير المعدات العسكرية للدول الحليفة، وفقًا لما نقلته الميدل إيست آي، موضحًا بأن الولايات المتحدة تزوّد الأردن بالمعدات وتنسق جهودها مع المملكة، وأنه بمجرد تجاوز الأمور السياسية، سيستطيع العاملون على الأرض أداء مهامهم على أكمل وجه.
المهارات الأردنية المتخصصة
يشير المقال بأن لجوء الملك الأردني للتعاون مع بريطانيا للحصول على الدعم حصل على خلفية ما يراه عبد الله بـ”سياسة واشنطن الحذرة للغاية” في التعامل مع داعش.
ويفسّر كاتب المقال لجوء الأردن إلى بريطانيا في ضوء خبرة الملك عبد الله العسكرية الغنية والاتصالات الوثيقة التي يتمتع بها مع القوات المسلحة البريطانية، وفي هذا السياق يقتبس الكاتب عن شاشانك جوشي، وهو باحث كبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، قوله لصحيفة الميدل إيست آي: “تتمتع الأردن بقوات خاصة تعد الأفضل تدريبًا في الشرق الأوسط”، مؤكدًا على عدم استغرابه من تعاون الأردن مع بريطانيا في المسائل العسكرية نظرًا لقربهما، ومضيفًا بأن القوات الأردنية قد تتمتع بـ”المهارات المتخصصة” المطلوبة للعمل في شرق أفريقيا ضد الجماعات الإسلامية التي يتحدث أعضاؤها اللغة العربية، ولكن جوشي مع ذلك أعرب عن تفاجئه من اهتمام الملك عبد الله بالانجرار إلى كينيا، وفقًا لما نقلته الصحيفة.
أوضحت الصحيفة أيضًا بأن الملك عبد الله لم يكشف عن حجم أو نطاق المهمة السرية التي تضطلع بها القوات الخاصة الأردنية والبريطانية في الصومال، ولكنه أوضح بأن مدير السياسة الخارجية في الديوان الملكي الأردني، منار الدباس، والذي كان حاضرًا في الاجتماع، تم تعيينه للتوسط بين ما أسماه “فرقة مهام شرق أفريقيا”، وفي هذا السياق، ذكرت الصحيفة بأنها تواصلت مع دباس الذي رفض التعليق على مضمون الاجتماع قائلًا: “المناقشات التي أجريناها في واشنطن خارج نطاق النشر والتعليق”.
فضلًا عما تقدم، ذكر التقرير بأن الملك عبد الله أتى على ذكر مشكلة التشدد في شرق أفريقيا لمستمعيه من الساسة الأمريكيين في ضوء إشارته إلى المحادثات التي عُقدت على مدى الأشهر الـ18 الماضية والمعروفة باسم “اجتماعات العقبة”، والتي كانت تهدف إلى الجمع بين حلفاء الأردن بغية محاربة الجماعات المتشددة كداعش وحركة الشباب، حيث أوضح العاهل الأردني للأميركيين بأنه، وبعد لقائه بالعديد من القادة الأفارقة في العقبة، يعتزم نقل هذه العملية إلى أديس أبابا في إثيوبيا بعد عقد اجتماع آخر حول حركة الشباب في الأردن، حتى تستطيع القوات المحلية أخذ زمام المبادرة بغطاء مسلم/ عربي.
وفي ذات السياق، كشف تقرير الميدل إيست آي عن شرح الملك الأردني ضمن الاجتماع للمصاعب التي تجابه الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في خضم عملية إعادة البناء ومحاولة هزيمة حركة الشباب، حيث جاء في حديث الملك: “بدأ الرئيس الصومالي بشرح التحديات وقال بأن الجميع يساعد، ولكن لا يوجد تنسيق، الجنود يجري تدريبهم بشكل مختلف، وليس لديهم طائرات هليكوبتر أو طائرات بدون طيار”، وتابع موضحًا:”لقد قال لي الرئيس الصومالي بأنكم (الحلفاء الدوليون) تدربون القوات الخاصة، ولكن بمجرد انطلاق هذه القوات إلى العمليات، يتم نقلهم بسيارات البيك أب التي يتم تفجيرها بالعبوات الناسفة”، واستطرد قائلًا: “علينا أن نقرر كيفية تدريب الصوماليين، يمكننا أيضًا أن ننسق تخصيص الموارد على نحو أفضل لكي لا تتعارض جهودنا مع بعضها البعض، وذلك بدلًا من تركيز الجميع لأنظارهم على داعش فقط”.
تقييم الجهد العسكري البريطاني الأردني المشترك في الصومال
نقلت الصحيفة عن مسؤول سابق كبير في الجيش البريطاني، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله بأن القوات البريطانية، وعلى الرغم من كونها أداة مهمة وجوهرية للغاية في مهمات استهداف قادة المليشيات المتشددة، إلا أنها لن تحدث تغييرًا جوهريًا في المعركة ضد داعش وغيرها من الجماعات المماثلة، لأن هذه القوات لا تعد بديلًا عن القوة التقليدية التي تحرر الأرض وتحميها.
كما نقلت الصحيفة عن الخبير الأسترالي في مكافحة التمرد، ديفيد كيلكولن، قوله بأن وجود القوات الخاصة البريطانية قد يحمل أثران إيجابيان على الجهود العسكرية الواسعة النطاق في هذا المجال، حيث يتمثل الأثر الأول بقدرة هذه القوات الخاصة، من موقعها على الأرض، على توفير معلومات إستخباراتية لتوجيه الضربات الجوية، والأثر الثاني هو توفير عامل معزز للقوات المحلية التي تعمل مع الوحدات الخاصة، من خلال منحهم المعلومات الإستخباراتية والمشورة التكتيكية.
على الجهة المقابلة، أوضحت الصحيفة ناقلة عن الخبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، جوشي، بأنه وبالنسبة للأردن، فإن انضمامها إلى القوات الخاصة البريطانية ضمن البعثات الخاصة يحمل معانٍ سياسية بقدر ما يهدف لتحقيق أهداف عسكرية، حيث يقول: “الأردن دولة صغيرة وضعيفة نسبيًا في الشرق الأوسط وتعتمد على المساعدات الخارجية، وهي تحاول من خلال شراكتها مع بريطانيا أن تُظهر قيمتها باعتبارها شريكًا”، وتابع موضحًا: “الدول الصغيرة ترغب بإظهار فائدتها كشريك لكبار الحلفاء، لأنها بذلك تضمن وسيلة لتقريب الشركاء الكبار منها للاعتماد عليهم في أوقات الحاجة”.
المصدر: ميدل إيست آي