ترجمة وتحرير نون بوست
صباح يوم الجمعة المنصرم، قتلت غارة جوية أمريكية أبو العلاء العفري، القيادي البارز في تنظيم داعش، والذي تعتبره الولايات المتحدة ثاني أكبر قيادي ضمن المجموعة الإرهابية.
هذه ليست المرة الأولى التي تُشاع فيها أنباء عن مقتل العفري، ولكن حكومة الولايات المتحدة زعمت هذه المرة بأنها تحققت من موته.
إذا تبين، كما يبدو مرجحًا، بأن العفري قد لاقى حتفه فعلًا، فإن هذه ستعد حالة أخرى يُقتل فيها قياديون من المرتبة الثانية ضمن صفوف داعش؛ ففي أغسطس من العام الماضي على سبيل المثال، قتلت غارة جوية أمريكية فاضل أحمد الحيالي، الذي كان معروفًا حينها بكونه ثاني أكبر رجل ضمن المجموعة.
يعد هذا الاتجاه المستمر معروفًا من قِبل المهتمين بالأخبار ضمن جهود مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة، والتي يبدو بأنها فقدت ثلث قياداتها، ممن هم أدنى درجة من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، واحدًا تلو الآخر.
تشير بعض التغريدات الساخرة على تويتر بأن هذا النهج يرجع إلى مادة نشرها موقع أونيون في 2006 حملت عنوان “80% من الرجال رقم 2 في تنظيم القاعدة أضحوا قتلى اليوم”، وهنا يجدر بنا التساؤل ما الذي يحدث على أرض الواقع؟ ولماذا تقتل الولايات المتحدة عددًا كبيرًا من نواب القيادات في داعش؟ في حين تفشل، بطريقة أو بأخرى، بقتل الزعيم أبو بكر البغدادي؟ وهل يعد حدث قتل مسؤولين رفيعي المستوى من قيادات الجماعة الإرهابية مهمًا حقًا؟
لماذا تستمر أمريكا بقتل الرجال رقم 2
وضع المحللون بعض النظريات التي قد تفسر سبب استمرار الولايات المتحدة باستهداف القيادات الثانية ضمن المجموعات الإرهابية، بدلًا من استهداف رأس تلك الجماعات وزعمائها، وأحد التفسيرات الأكثر قبولًا هي أن البغدادي بحد ذاته هو هدف صعب للغاية، في حين أن طبيعة عمل القيادات الثانية تتضمن تعريض أنفسهم لخطر الاستهداف بشكل أكبر.
كزعيم للجماعة، يقبع البغدادي في منصب يقابل الرئيس التنفيذي أو الرأس الأيديولوجي لداعش، ومن هذا المنطلق، لا ينبغي عليه التحرك بشكل كبير أو الخروج إلى الميدان بشكل حقيقي؛ فوظيفته في الغالب تنطوي على إصدار الأوامر، وفي بعض الأحيان، إصدار مقاطع الفيديو الترويجية.
هذا يعني بأن البغدادي قادر على الاستمرار بالتواجد في أماكن اختبائه أينما كانت، وتجنب الاتصال مع العالم الخارجي، هذا النوع من الاتصال الذي قد يسهل على وكالات الاستخبارات الأميركية أن تحدد موقعه وتستهدفه.
ولكن لا تتمتع جميع قيادات داعش برفاهية القيام بما يقوم به البغدادي؛ فكبار أتباع الأخير، أولئك الذين يعطيهم الأوامر بشكل مباشر، يجب عليهم أن يحضروا إلى الميدان لإدارة عمليات المجموعة، فإذا كان مسرح القتال الرئيسي في العراق، على سبيل المثال، يتوجب على القيادات الثانية أن تتواجد في العراق، وإذا كان شخص ما مسؤولًا عن بيت مال داعش، فهو بحاجة للتأكد من أن عمليات نهب الأموال وإدارة النفط تجري بسلاسة في المنطقة التي يُسأل عنها.
ومن هذا المنطلق، فإن النزول إلى الأرض لإدارة مواقع داعش أو للتحدث مع الأشخاص الذين يقبعون في أدنى السلسة الغذائية للمجموعة، يحرم القيادات الثانية من ميزة الاختباء كما يفعل البغدادي، وهذا الأمر يسهّل من مهمة الإلكترونيات الأمريكية، الأقمار الصناعية، أو الأصول الإستخباراتية البشرية، في إيجاد القيادات، والتحضير فيما بعد لاستهدافها بغارة جوية.
يُفسّر هذا الاختلاف في المسؤوليات ربما السبب خلف فشل الولايات المتحدة في قتل البغدادي، على الرغم من محاولتها العديدة لاستهدافه، ونجاحها رغم ذلك بقتل العديد من نوابه.
“هذا السبب هو الأكثر ترجيحًا وفقًا لتخميني” قال لي ويل ماكانتس، الزميل البارز في معهد بروكينغز.
هل يعد قتل مسؤولين رفيعي المستوى حدثًا مهمًا حقًا؟
في الوقت الذي يمكننا فيه أن نفهم السبب الذي يحذو بحكومة الولايات المتحدة لإعلان نصرها المزعوم بقتل العفري، إلا أن هناك أسباب أخرى تدعونا للشك في أن قتل الرجل رقم 2 ضمن الجماعة ليس في الواقع حدثًا يرتب نتائج مهمة؛ فالجماعات الإرهابية، كداعش وتنظيم القاعدة، تتمتع بتنظيم بيروقراطي، وغالبًا ما تكون قادرة على التعامل مع حوادث قتل كبار قاداتها من خلال ترفيع أشخاص جدد ليحلوا محلهم.
حصلت هذه النظرية على دعم كبير في دراسة صدرت عام 2014 عن جامعة جورجيا من تأليف جينا جوردان، والتي وجدت بأن الغارات “القاصمة”، التي تقتل فيها الولايات المتحدة قياديًا بارزًا ضمن جماعة إرهابية، لا تحوز إلا تأثيرًا طفيفًا لجهة الحد من عنف الجماعة، حيث تشير جوردان في البحث المذكور بأن تنظيم القاعدة هو تنظيم بيروقراطي، يتمتع بما يشبه هيكلية القيادة الرسمية، التي تتضمن تقسيمًا للعمل وتحديدًا واضحًا للمسؤوليات وما شابه ذلك، وهذا الأمر يسمح للقادة من المستوى الأدنى أن يتسلموا زمام القيادة بمجرد مقتل رؤسائهم.
ذات القاعدة تنطبق، على الأرجح، على تنظيم داعش، فكما يقول دافيد جارتنشاتين روس، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، “عمليات قتل القيادات الفردية لا تشل التنظيمات”؛ إذن، مقتل العفري بحد ذاته، لن يسفر على الأرجح عن تداعيات في مستقبل داعش.
في الوقت عينه، يشير جارتنشاتين روس بأن العفري كان يتمتع بـ”اتصالات قوية للغاية داخل تنظيم القاعدة”، الذي ينخرط بحرب دموية مع تنظيم داعش ضمن سوريا تشتت وتضعف كلا المجموعتين، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد حاليًا بأن هذه الحرب ستبدأ بالتلاشي، وضمن هذا النطاق، يشير جارتنشاتين روس بأن إمكانية التقارب ما بين داعش والقاعدة، وعلى الرغم من انخفاض احتمالاتها أساسًا، إلا أنها انخفضت بشكل أكبر مع مقتل العفري.
” نظرًا لصلاته، كان هنالك خطر حقيقي في أن يسعى العفري لمحاولات التقريب ما بين القاعدة وداعش” قال جارتنشاتين روس.
ولكن مع ذلك، فإن الفجوات الأيديولوجية والشخصية التي تتواجد ما بين المجموعتين ترجح استبعاد احتمالية أي جسر للهوة ما بينهما في المستقبل القريب، وهذا الأمر من شأنه أن يبقى صحيحًا حتى لو لم يُقتل العفري، ومن هذا المنطلق، فإن موت العفري لن يعكس على الأرجح تداعيات كبيرة على آفاق داعش.
المصدر: فوكس