تشير الإحصائيات بأن أغلبية المعمرين في العالم هن من النساء؛ ففي المتوسط، يموت الرجال أسرع من النساء بمعدل خمس سنوات، كما يعد الرجال أكثر عرضة للوفاة من أمراض السرطان أيضًا.
قد يقول قائل بأن الرجال ملعونون بالموت المبكر جرّاء تركيبتهم البيولوجية المختلفة عن النساء، ولكن الباحثين في جامعة روتجرز يعتقدون بأن معتقدات (الرجولة) الذكورية Masculinity السامة هي المسؤولة عن ذلك.
في دراسة جديدة بعنوان “الذكورية في مكتب الطبيب”، نُشرت في مجلة الطب الوقائي (Preventative Medicine)، وكتب عنها موقع فايس الأمريكي، حاولت مؤلفتا الدراسة، ماري هيميلشتاين وديانا سانشيز، معرفة الأسباب التي تقصّر من متوسط الأعمار المتوقعة للرجال وأسباب كونهم أكثر عرضة للمعاناة من العديد من الأسباب الشائعة للوفاة مقارنة بالنساء، ومن خلال تبحرهما بالمؤلفات العلمية التي تربط قوة الرجل وتجنبه لإبداء الضعف مع الآثار السلبية على الصحة، من بين الصفات الأخرى المرتبطة بمعايير الذكورية أو الرجولة، وجدت الباحثتان بأن الرجال الذين يعتنقون ويطبقون المعتقدات التقليدية حول الرجولة، ويؤمنون بأن الرجولة حالة غير مستقرة ويمكن “فقدانها”، كانوا أكثر عرضة لاختيار طبيب من الذكور بسبب التحيز الضمني الذي يقبع داخلهم.
وفي ذات الوقت، تبين بأن هؤلاء الرجال الذين يختارون التشاور مع طبيب من الذكور كانوا أقل عرضة لإجراء محادثات مفتوحة وصادقة مع أطبائهم حول حالتهم الصحية، رغم أنها خطوة أساسية في الكشف المبكر والرعاية الوقائية.
بعبارة أخرى، الرجال الذين يقاسون لإهمال مشاكلهم الصحية البسيطة لأنهم يعتقدون بأن الذهاب إلى الطبيب هو علامة على الضعف يعملون، بشكل أو بآخر، على قتل أنفسهم.
تشير سانشير، خلال حديثها لصحيفة برودلي، بأن التمسك بالمثل العليا بين الجنسين، سواء بالنسبة للرجال أو للنساء، هو أمر مقيِّد للغاية، حيث أوضحت بأن تزايد الإشارات التي تربط ما بين المعتقدات الرجولية التقليدية والكثير من الآثار الصحية السلبية دفعها لإجراء دراسة لمعرفة ما إذا كانت الذكورة تلعب دورًا في استعداد الرجال للمشاركة في إجراءات الرعاية الوقائية، وكيف تؤثر مشاعر الذكورة على واقعة كشفهم لأعراضهم المرضية للأطباء.
يوضح تقرير الصحيفة، بأنه ولغايات إجراء الدراسة، جمع الباحثون 250 رجلاً للرد على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بأفكارهم حول الذكورة والرجولة، كما أجاب ذات المشاركين على استبيانات حول أهمية وجود طبيب من الذكور ورأيهم حول اختلاف الكفاءة الطبية ما بين الجنسين.
بالنتيجة، وعلى الرغم من أن الرجال لم يصرحوا بشكل مباشر بأنهم يعتقدون بأن الأطباء الذكور هم أكثر كفاءة من الطبيبات، إلا أن المشاركين الذي سجلوا أعلى الدرجات على مقياس الرجولة كانوا أكثر عرضة لتفضيل الأطباء الذكور على الطبيبات.
وتبعًا لكون تفضيل الرجال للأطباء من الذكور لا يؤثر على مجرى الأمور إلا إذا كان اختيار الطبيب الذكر يؤثر على التواصل ما بين الطبيب والمريض، أجرى الباحثون، وفقًا لما نقله التقرير عنهم، تجربة ثالثة لمعرفة ما إذا كان الرجال يقصّرون حقًا في التبليغ عن حالتهم الصحية الحقيقية للأطباء الذكور، حيث تم استقدام 250 رجلًا من حرم جامعي، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين بشكل عشوائي.
كان على المجموعة الأولى من الرجال أن تناقش حالتها الصحية مع فتاة ترتدي معطف مختبر أبيض، أما المجموعة الثانية فتحدثت عن حالتها الصحية مع رجل يرتدي أيضًا معطف مختبر أبيض، حيث قيل للمشاركين بأن من يقابلونهم هم من الطلاب المسجلين في مرحلة ما قبل الطب والذين كانوا يرغبون في اكتساب خبرة سريرية، وفي ذات الوقت، طُلب من جميع المشاركين الخضوع لاختبار الرجولة وسئلوا أيضًا عن خمس مشاكل صحية شائعة مزمنة قبل إجرائهم للمقابلة.
تبين وفقًا لنتائج البحث التي ذكرتها الصحيفة بأنه عندما تفاعل الرجال في الواقع مع الأطباء الذكور، كانوا أكثر تقييدًا أو أقل دقة في الإبلاغ عن أعراض حالتهم الصحية، كما كشفت سانشير في حديثها بأن الرجال الذين سجلوا درجات عالية في اختبار الرجولة كانوا أقل عرضة للكشف عن أعراضهم الصحية بشكل دقيق للأطباء الذكور.
الجدير بالذكر، أنه وفي دراسة منفصلة أجريت في عام 2014 لتوضيح فيما إذا كانت المعتقدات ما بين الجنسين تسهم في تجنب الرعاية الصحية لدى الرجال، تبين بأن الرجال الذي سجلوا أعلى مستوى ضمن استبيان الرجولة كانوا أقل عرضة للانخراط في مجال الرعاية الوقائية وأكثر عرضة للتأخر في الذهاب لاستشارة الطبيب عن أعراضهم.
يخلص التقرير إلى أنه وإذا ما دمجنا بين نتيجتي الدراستين، سيبدو لنا واضحًا الآثار السلبية التي قد تعكسها المفاهيم الذكورية التقليدية على الصحة، حيث يمكن لنا أن نقول بأن الذكورية قد تلعب دورًا محتملًا في واقعة ارتفاع نسبة وفيات الرجال عن النساء، وفقًا لتعبير سانشير.
أخيرًا، وفي محاولة لإيجاد الحلول، تقترح سانشير تغيير التقاليد فيما يتعلق بزيارات الطبيب، حيث أشارت في معرض حديثها للصحيفة بأن الطريقة الأمثل هي هدم الأساطير الشائعة ما بين الجنسين تمامًا، إلا أن هذه المهمة تبدو صعبة للغاية؛ خاصة في ظل العقود الطويلة التي اعتنق خلالها الرجال مفاهيم الرجولة التقليدية؛ لذا يكمن الحل في إعادة صياغة الطريقة التي يفكر بها الرجال بمفهوم الرعاية الصحية، وجعلهم يؤمنون بأن طلب المساعدة الطبية هو عمل ذكوري، والتخلي عن المعتقد الشائع حول كون الرجولة تتعارض مع طلب الرعاية الصحية.