تقول فيروز: “تفضلي إلى جامعتي واكتبي عنها موسوووعة فساد”، وأيمن: “حاميها حراميها”، وغدير: “طبعًا وقعتُ ضحية فساد شو أحكي لأحكي”، لم تكن تلك الآراء الشبابية ضربًا من الخيال أو مشهدًا تمثيليًا لمسرحية رمزية، ولم تكن بالتأكيد فكاهة تقدمها دُمى جامدة تحركها خيوط شفافة من أعلى صندوق الحكايات، مع تعاقب الأزمان أضحى الصندوق يعرض رواية الفساد تحركها خيوط سوداء تدعي للجمهور أنها تمتاز بالشفافية مثل أيام زمان!
تعريف الفساد
يعرّف المدرس الأكاديمي في كلية الإعلام بجامعة الشرق الأوسط الدكتور كامل خورشيد الفساد بأنه: “صفة قبيحة في المجتمع” و”الفساد كان أول جريمة للبشر توقعت بها الملائكة عندما خاطبهم الله سبحانه وتعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمَاءَ} [البقرة:30]؛ فالملائكة – وبفضل العلم اللدني من الله سبحانه وتعالى – علمتْ أن البشر سيفسدون في الأرض، ثم يسفكون الدماء، والفساد أشكال كثيرة أولها الشرك والكفر بالله.
ويضيف: “الفساد في اللغة العربية من مصدر (فسد) ضد (صلح) أي معناه: خراب ودمار وعبث”، والفساد في معجم أوكسفورد الإنجليزي: انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة، ومعنى آخر للفساد: التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما، وهو لفظ شامل لجميع النواحي السلبية في الحياة.
الفساد من واقع الشباب
تعددت مظاهر الفساد التي يراها الشباب ويمر بها يوميًا، فاطمة ترى أن “الفساد يبدأ من الرشاوى للموظفين وينتهي بعدم انتظام الدور في أي مكان في العالم العربي.
وتصف طالبة جامعية حال الفساد في الجامعات قائلة: “قبول طلاب بمعدلات لا تؤهلهم لدخول تخصص ما ويدخلونه بواسطة، ولأنك من عائلة هذا الدكتور فقد ضمنت A وغير ذلك أتعب، وقد تلقى تعبك في الدنيا وقد لا تلقاه، أسعار الطعام والتسالي مرتفعة جدًا فقط لأنك في الجامعة وحالتي المادية قد لا تسمح لي بالشراء، ومن فساد المجتمع أنه لا يتم تطبيق القوانين التي توضع، مثال: قانون منع التدخين في المواصلات العامة.
منار سعيد تصف الفساد بحكايا تبدأ من أبسط المظاهر ولكثرتها أحيانًا ينسى المرء أنها بداية الفساد الأكبر، وتضيف: “عندما يتحايل سائق سيارة الأجرة ويزيد في العداد، ألا يعد هذا فسادًا أم أنه خطأ فقط! ألا يمكن أن يكون من نوع الفساد الأخلاقي؟”.
تطرح ميساء شريم تساؤلات: هل من الفساد تسلط المدير على موظفيه وفصلهم فصلًا تعسفيا؟! وهل إفلاس بعض الشركات وإغلاقها هو بسبب الاختلاسات التي تحدث من قِبل بعض مدراء الأقسام في تلك الشركات؟ وتختم: “لا دخان من دون نار”.
أحمد الكيلاني رأى أن الشعب بكامله صغيره وكبيره يقع فريسة للفساد، وآخرها كما يقول “دفع رسوم الجامعة مع غرامة تأخير كاملة قبل بدء الدراسة، عدا عن المظهر الرئيسي للفساد (الواسطة) التي تتفشى في جامعاتنا، وأيضًا نرى عند الدكتور عددًا من الطلبة من نفس العشيرة ممن يحملون علامات مرتفعة ويتفوقون على غيرهم، ويتجمع الطلبة على أساس العشائرية وكأنهم في حرب عصابات”.
صبا تقول: “أكبر فساد أراه في مجتمعي أن يعتبر بعضهم الالتزام بالدين والبعد عن اتباع الهوى فسادًا! لا زلت أذكر كلمات موظفة الأمن في جامعتي و هي تريد تفتيشي إذ قالت: “إنتوا المنقبات بتجيبولنا البلاوي”.
أما صدام المدادحة فيرى أن: “الفساد في أنفسنا لا في المجتمع، فنحن من الذي سكت على الفاسدين”.
يعزو الشاب محمد بشر انتشار الفساد إلى فقدان الأخلاقيات، فيقول: “التخلي عن الأخلاق التي تميز مجتمعاتنا يدخل في باب الفساد الأخلاقي، وبالتالي الانحراف”، وأيضًا: “تخلي الشاب عن المظهر الرجولي وعدم الالتزام بالضوابط في التعامل مع الفتاة، وكذلك تخلي الفتاة عن ضوابطها ومساواة نفسها بالشاب اعتمادًا على ضوابط غريبة هدامة، ذلك كله يعتبر شكلًا من أشكال الفساد الأخلاقي الذي يمتد شره الوبائي ليغرق مجتمعاتنا بلا رحمة”.
أنس الرفاعي يختصر مفهوم الفساد بـ “عمل شيء مخالف للقوانين المنصوص عليها وأن تستغل شيئًا ليس من ملكك لمصلحتك الشخصية، وتعطي الشيء أكثر من قيمته لتأخذ ما بقي لنفسك”.
الفساد عند نادية عليان هو “ما لا يرضاه عقل بشر، وهو كل شي مخالف للحقيقة الواضحة، ومحاولة الشخص إخفاءها، والغرض إحداث الضرر”، وتذكر عليان موقفًا حدث معها وهو محاولة أحد المتقدمين للانتخابات تقديم الرشوة لها للحصول على صوتها.
أيمن الشولي يعتبر أن الفساد “انتهاك لمبدأ النزاهة، وأيضًا هو اللهو والتلاعب بالحقائق والوقائع ظلمًا من دون وجه حق، وهنالك عدة أنواع من الفساد: السياسي، الاقتصادي، الرياضي، الاجتماعي”.
ومن أمثلة الفساد كما يراها الشولي: “اختلاس الأموال أو تزوير الحقائق سواء في الانتخابات أو المعاملات، الرشوة، الواسطة والمحسوبية، استغلال مركز الموظف أو مكانته الاجتماعية أو العملية”.
تيسير الفلاحات يقول: “إن الفساد هو أن يستغل الفاسد منصبه من أجل تحقيق مصلحة خاصة به على حساب الآخرين، كما يرى الفساد في عدم تطبيق القوانين على الوجه الصحيح، ويرى أن الفساد يبدأ من البيت ثم الجامعة ثم المجتمع وصولًا إلى الدولة وأصحاب القرار”.
وإيمان تقول: “الواجب اجتثاث الفساد من جذوره ليكون الوطن نظيفًا من الفاسدين المخربين، أما آن لدولة الإصلاح أن تحل في بلدنا؟” وتعزو انتشار الفساد بشكل مرعب إلى: “غياب الأمن والرقابة؛ فمَن أَمِنَ العقوبة أساء الأدب”.
أثار الفساد النفسية عند الشباب
التربوية الأستاذة أماني العتيلي وقفت عند أهم آثار الفساد النفسية عند الشاب، ورأت أن: “الفساد يؤدي إلى هز الثقة، وبالتالي يقول الشباب: ماذا أقدر أن أفعل، وما هو المستقبل الذي يمكن أتوقعه وأتخيله في ظل هذا الفساد؟! مما يؤدي إلى بلادته وعدم اهتمامه بما سيكون عليه المستقبل”.
والتشكيك نقطة أخرى من آثار الفساد، وذلك عندما يتعدى منطق الفساد إلى أن يصل إلى الأشياء غير الفاسدة، ويزداد التشكيك في كل شيء، وهذا المنطق خطير؛ لأنه يصبح مصدرًا لبث الإشاعات، ومصدرًا كذلك لعدم الثقة بالأشخاص والمؤسسات، وهو ما لا يخدم واجب محاربة الفساد”.
طريق الألف ميل يبدأ بخطوة
لدى الاستفسار عن قدرة الشباب على محاربة الفساد على مستواهم الشخصي، قالت العتيلي: “أكيد لديهم القدرة، ويجب عليهم ذلك، بل إن الفساد يمكن محاربته بأقل جهد ممكن، وقد يتبادر إلى ذهن الشباب أن الفساد فقط في المؤسسات الكبيرة، والوزارات، والشركات، وفي غسيل الأموال والرشاوى، لكن الفساد موجود في حياتنا بوجوه أخرى، مثل الموظف البسيط الذي يضيع وقته مع الزبون، وبائع المحل الذي يتقاعس أن يعيد المبلغ البسيط من قيمة السلعة، هذا كله فساد، وينبغي على كل واحد منا أن يأخذ على عاتقه أن يصلح ما يستطيع إصلاحه”.
وتعالج عتيلي بالتركيز على دوائر: التأثير، والاهتمام، والجهد بالتأثير في دائرة الاهتمام على حساب جهد فاعل في دائرة التأثير، ومعرفة الشاب دائرة تأثيره تؤدي إلى محاربة الفساد أكثر بكثير من الذي نحن نتخيله.
محاربة الفساد تنتظر همم الشباب
تعزو الأستاذة أماني العتيلي اللامبالاة من بعض الشباب في محاربة الفساد إلى الفراغ، فتقول: “الفراغ مفسدة والشباب لديهم طاقات عالية في الإبداع والسؤال والفضول، وعندما لا يوظف الشاب طاقته في عمل تطوعي أو في منتديات جادة أو مبادرات ذاتية، وفي الزمان والمكان المناسبين، سيظل يدور في دوامة، بل ستدور الدائرة عليه”.
تقرير “منظمة النزاهة العالمية” لعام 2010
يقول مدير المنظمة نثنييل هيلر:” إن نتائج عدد من الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لترسم صورة مقلقة، في وقت تناضل فيه دول عديدة من أجل تحقيق الحماية الأساسية للشفافية ومن أجل دحر الفساد وذلك عن طريق تأمين الوصول إلى السجلات الحكومية وحماية الصحافة المستقلة ومناقشة الميزانية بشفافية واستيعاب اختلاف المصالح من أجل التأكد من أن المسؤولين لا يستفيدون ماديًا جراء وجودهم في مناصبهم”.
تقرير “منظمة الشفافية العالمية”
أحرزت الدول العربية المراكز الأولى في الدول النامية والدول الفقيرة والدول الأكثر فسادًا في تقرير منظمة الشفافية العالمية لعام 2011م بالمقارنة مع 183 دولة حول العالم خضعت للدراسة والتصنيف، فيما أحرزت نيوزيلندا والدانمارك وفنلندا المراكز العليا على مستوى الدول الأقل فسادًا، وبالذات فيما يخص القطاع العام الذي يخدم أغلبية الشعب.
متى يستقيم الظل والعود أعوج؟
كان إياس بن معاوية قاضي القضاة في عهد الوليد بن عبد الملك عندما اشتكى الناس للوليد على الوالي لأحد الأمصار وكان قريبًا للوليد وتكلم الناس بشكواهم وتكلم الوالي وإياس ساكت لا يتكلم، فقال له الوليد: لِمَ أنت ساكت؟ فقال له: أقول وأنا آمن؟ فقال له: قل، إنك آمن، فقال إياس:
أقيم لإصلاح الورى وهو فاسد متى يستقيم الظل والعود أعوج
فأرجع حقوق الناس وعزل الوالي وعزل إياس.