أدى الانقلاب العسكري الذي عاشته مصر في 3 يوليو الماضي، إلى تحولات جيوسياسية هامة وغير متوقعة في منطقة الشرق الأوسط، كان أبرزها قبل أيام حينما احتضن الإيرانيون من كانوا يصفونهم سابقا بالشيطان الأكبر ووضعوا اتفاق ينهي أزمة طهران مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، وكذلك العلاقات الإيرانية التركية التي كان المحللون يجمعون على أنها تتجه نحو الأسوء، قبل أن يفاجئوا بزيارات كثيفة لأحمد داوود أغلو لإيران وحلفائها ولزيارة مرتقبة لحسن روحاني إلى تركيا.
وفي دراسة خاصة بوكالة الأناضول، يقول عبد الحافظ الصاوي: “للمشهد الإقليمي ترتيباته السياسية المعقدة، التي تعيد دور بعض الدول بالمنطقة وحسابات اعتبار أيًا منها يُعد قوة إقليمية، يمكن أن تُدرج في معادلة إعادة تشكيل خريطة المنطقة، وبلا شك فإن الأمر يأخذ المكاسب والخسائر الاقتصادية في الحسبان”، حيث يرى الصاوي أن “التغيرات الجيوسياسية قد تدفع دول خليجية لدعم تعاونها الاقتصادي مع النظام الجديد في مصر على حساب تركيا، في المقابل ستحرز أنقرة تقدما كبيرا في علاقاتها الاقتصادية مع إيران المنافس الأكبر للخليج ، بفضل تخفيف العقوبات”.
المشهد الإيراني
حسب بيانات وزارة الخارجية التركية، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران في سنة 2010 ما يقدر ب10.6 مليار دولار، بعد أن كان بحدود 1.2 مليار دولار في عام 2002، في حين تخطط الدولتان لبلوغ حجم التبادل بينهما إلى 30 مليار دولار في عام 2015، وفي سنة 2012 حقق حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران قفزة غير متوقعة، حيث بلغ نحو 20 مليار دولار، وهو ما يجعل تركيا تزاحم الإمارات في المركز الأول كشريك تجاري لإيران.
وحسب خبراء، فإن قفزة أخرى ستتحقق في الفترة القادمة على مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة في ظل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، حيث ستفتح السوق الإيرانية للمنتجات التركية بشكل أكبر، كما سيتمكن الإيرانيين من الاستثمار مباشرة في تركيا دون خوف من القيود السابقة التي جعلت الاستثمارات الإيرانية المباشرة ضعيفة للغاية، حيث بلغت في عام 2010 نحو 110 مليون دولار فقط.
المشهد المصري
الموقف الرسمي مما حدث في مصر كان صلبا منذ اليوم الأول حيث وصف رئيس الوزراء التركي ما حدث بالانقلاب العسكري، ثم كسب أردوغان رمزية كبيرة لدى معارضي الانقلاب بمبادرته برفع شعار رابعة، وهو ما توقع عبد الحافظ الصاوي بأن يكون له تأثيرات سلبية على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث يصل حجم التبادل التجاري بينهما لأكثر من 4 مليار دولار، وتبلغ الاستثمارات التركية في مصر 1.5 مليار دولار، منها 1.3 مليار في المجال الصناعي من خلال 200 شركة تركية في مصر، كما قدمت تركيا وديعة للبنك المركزي المصري بمليار دولار إبان تولي محمد مرسي الرئاسة.
ورغم طرد مصر للسفير التركي، فإنها لن تكون قادرة على اتخاذ خطوات تجاه العلاقات الاقتصادية مع تركيا، “فالاستثمارات التركية بمصر إنتاجية وليست ريعية، ومن الصعوبة بمكان أن تضيف مصر في ظل الانقلاب العسكري مشكلات، من نوع إضافة عاطلين جدد نتيجة تصفية الاستثمارات التركية”، كما أن مصر غير قادرة على اتخاذ قرارا برد الوديعة التركية، بسبب وضع احتياطي النقد الأجنبي المصري.
“وبالتالي يمكن استنتاج أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا ومصر ستظل كما هي، إلا أنها لن تشهد تطورًا أكبر مما هي عليه الآن، نتيجة للتوجه المصري، المعارض للسياسة التركية المنددة بالانقلاب العسكري في مصر، على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
المشهد الخليجي
يقدر إجمالي التبادل التجاري الخليجي مع تركيا بما يزيد عن 20 مليار دولار، حيث عملت تركيا على جذب الاستثمارات الخليجية خلال الفترة الماضية، ونجحت في دفع الخليجيين إلى تملك عقارات بتركيا، وعن التلميحات الإعلامية بإمكانية استخدام الخليج للورقة الاقتصادية للضغط على تركيا لتغيير موقفها من الانقلاب العسكري في مصر، يقول الصاوي: “في ظل توسع العلاقات الاقتصادية لإيران مع تركيا بشكل مُلفت، وبخاصة في عام 2012، فإن الخليج سيعيد حساباته في ضوء إحداث نوع من التوازن الإقليمي”، أي أن مصلحة دول الخليج ستقتضي الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع تركيا وربما تطويرها.
المستقبل والتوقعات
وحول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين كل من تركيا وإيران، وتركيا والخليج، يقول الصاوي:”وفي ضوء الإمكانيات الاقتصادية نجد أن الاقتصاد التركي سوف يمتلك ميزة نسبية في علاقاته الاقتصادية والتجارية مع إيران والخليج، إذ تمتلك تركيا اقتصادًا صناعيًا بنسبة كبيرة، بينما الخليج وإيران في عداد الدول النفطية”.
وحتى في حال رغبة دول الخليج في تحويل تجارتها بشكل نسبي من تركيا إلى مصر، من أجل تقديم مزيد من الدعم للانقلاب، فإن ذلك يستلزم أن يستوفي الإنتاج المصري شروط الجودة العالية التي يتمتع بها المنتج التركي، الذي اعتمد المواصفات الأوروبية القياسية في صادراته، مما أكسبه موقفًا تنافسيًا تجاه العديد من الصادرات الأخرى، وهو ما لن تستطيع مصر تحقيقه في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أنه من الصعب جدا تغيير ثقافة المستهلك الخليجي الذي قد يفضل المنتج التركي.