بدأ سكان هذه الجزيرة الإندونسية الصغيرة “سومبا” يعرفون السهر بعد منتصف الليل، بعد أن دخلت الكهرباء إلى جزيرتهم بفضل مزرعة رياح صغيرة، وفرت لكل بيت كهرباء، استطاعوا من خلاله السهر على مذاكرة الأطفال، وكذلك استطاعت النساء أن تبدأ نشاط “الغزل” وهو نشاط اقتصادي يضيف دخلًا للأسر هناك.
هذه القرية كان حوالي 25% منها فقط يحصلون على الكهرباء قبل العام 2010، وذلك بسبب وقوع هذه الجزيرة في تضاريس وعرة يصعب توصيل الكهرباء إليها، فهي واحدة من آلاف الجزر الإندونيسية التي تقع في رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان.
ومع هذا تطلع هذه الجزيرة البالغ عدد سكانها 650 ألف نسمة أن تقدم نموذجًا لاستخدام مصادر الطاقة النظيفة لكل إندونيسيا بالرغم من عدم تجاوز نسبتهم من عدد السكان الكلي لإندونيسيا نسبة 0.2%.
جزيرة سومبا هي واحدة مثل بقية الجزر الإندونيسية التي تمتلك إمكانات طبيعية تؤهلها لخوض غمار هذه التجربة، فهناك الوفرة في مصادر المياه الطبيعية، والرياح ، والطاقة الشمسية، لذا أدركت شركة غير حكومية “هولندية” في العام 2009 أنه باستخدام هذه الموارد المطروحة يمكن أن تعيش هذه الجزيرة على الطاقة المتجددة النظيفة فقط بشكل كلي بحلول 2025.
انطلق هذا المشورع في هذه الجزيرة الصغيرة واستطاع جذب أنظار المانحين فشاركت فيه الحكومة الإندونيسية، والبنك الآسيوي للتنمية، والسفارة النرويجية في جاكرتا، بعدما أثبتت جزيرة سومبا أنها قادرة على تغطية احتياجاتها كليًا من الطاقة عبر موارد الطاقة الطبيعية.
الآن نجحت سومبا بالفعل أن تحوز على طاقة من كل هذه الموارد مثل خلايا الطاقة الشمسية، ومحطات توليد الكهرباء من خلال الرياح والمياه، كما حازت الجزيرة بالفعل على الغاز الحيوي، كما يؤكد المسؤولون الحكوميون في إندونيسيا.
وبهذا تحولت الجزيرة المحتفظة بتراثها في نمط معيشتها الفقير الذي يخلُ من البنية التحتية للتطوير بعدما كانت تستخدم الكيروسين للحصول على الطاقة، فأصبحت محاطة بمصادر جديدة من الطاقة المتجددة.
عززت الجهات المانحة تمويلها للمشروع للمساعدة في إدخال تقنيات توليد الطاقة من هذه المصادر لهذه الجزيرة الفقيرة، مثل بناء محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة على الأنهار في سومبا، وهو الأمر الذي مكن قرى سومبا من الحصول على الكهرباء بكل سهولة للعديد من المنازل وللمدارس في النهار أيضًا.
تحولت حياة سومبا تمامًا بعد توافر الكهرباء، فالمحلات المتواجدة في الجزيرة استطاعت أن تفتح في الليل، وبدأت الأسر في استخدام الإنارة في معيشتها ليلًا ما أعطى حيوية للقرى التي تشتغل بمجال الزراعة وفقط.
بل إن الجزيرة استطاعت أن تستثمر في هذه الطاقة المولدة من بيعها للمصانع، ومن ثم تعاد استثمار هذه الأرباح في المجتمع، كما مكنهم تمويل مشاريع أخرى للتنمية كالمياه النظيفة وإنتاج السماد العضوي، تلك المشاريع التي يمكن أن تصبح مصدرًا آخر للدخل فيما بعد.
أحد المشكلات الكبرى التي تواجه سومبا هي عدم تمكن أهل الجزيرة من صيانة هذه الحياة الجديدة بأنفسهم، فعند حدوث أعطال في محطات الرياح، يضطر الأهالي إلى الاستعانة بخبراء من الحكومة لكي يُصلحوا هذه الأعطال، فأصبح هناك تحديًا آخر على العاملين في الحقل التنموي بالجزيرة يستدعي تدريب الأهالي على هذا النشاط.
فيما يشتكي الأهالي من عدم تعاون الحكومة بشكل كافي معهم، كما أنهم يحتاجون إلى المزيد من التمويل والعمالة المدربة لكي تستمر الجزيرة في مشروعها الذي أطلق منذ عدة سنوات، كما يتحدثون عن إمكانية الوصول إلى حلم 2025 باستخدام الطاقة المتجددة فقط في حال حصولهم على الدعم الحكومي.
رغم أن مشاريع الطاقة المتجددة هذه توفر على الحكومة 22 ألف دولار هي تكلفة تركيب خطوط للطاقة للحصول على الكهرباء لكل كيلو متر واحد فقط، وهو أمر في غاية التكلفة في هذه الجزر النائية، والتي تحاول تدارك هذه المشكلة بمشاريع الطاقة اللامركزية على نطاق صغير.
وبالفعل بدأت منظمات عالمية تستلهم نموذج سومبا لتطبيقه في مزيد من المدن العالمية التي لديها قدرة أكبر من سومبا في توفير التمويل اللازم والكادر البشري المدرب لإدارة مثل هذه المشروعات التي تستهدف في نهايتها التخلص من كل مصادر الطاقة الملوثة للبيئة، والاعتماد بشكل كلي على الطاقة النظيفة ، وهو ما يوافق التوجهات العالمية الأخيرة التي خرجت من قمة المناخ في باريس.