ورحل الأسطورة
صباح الخميس الماضي، استيقظ العالم الكروي على خبر حزين، تمثل برحيل واحد من أبرز أساطير كرة القدم عبر تاريخها، إنه اللاعب والمدرب الهولندي السابق يوهان كرويف، الذي رحل عن الحياة عن عمر ناهز الـ 69 عامًا، مخلفًا وراءه إرثًا كرويًا خالدًا، جمعه عبر مسيرة رياضية حافلة امتدت زهاء 40 عامًا، قدم خلالها من المهارة والفن الراقي والفكر الكروي القيم، ما جعله يتبوأ قمة درجات المجد الكروي الرفيع، الذي لن تنطوي صفحاته المضيئة بانتهاء قصة حياة صانعها.
محطات من حياة كرويف كلاعب
كرويف خلال مواجهة ألمانيا في نهائي كأس العالم 1974
ولد هندريك يوهانس كرويف يوم 25 أبريل 1947 في أمستردام بهولندا، لأسرة متواضعة قوامها أب يعمل بقالًا، وأم تعمل كمسؤولة تنظيفات في مقر نادي أياكس أمستردام المجاور، والذي كانت جنباته وملاعبه الفرعية شاهدةً على بداية مداعبة الطفل يوهان للكرة وهو ابن 8 سنوات.
في العاشرة من عمره، انتسب يوهان إلى صفوف صغار نادي أياكس، وتدرج في فئات النادي السنية مدة 7 سنوات، قبل أن تلتقطه أعين المدرب فيك بوكنغهام، فيقوم بتصعيده للعب ضمن الفريق الأول اعتبارًا من 15 نوفمبر 1964.
مكث كرويف في أياكس 9 مواسم، صنع خلالها ربيع النادي الهولندي والكرة الهولندية عمومًا، بعد أن قاد نادي العاصمة لتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا 3 مرات متتالية أعوام: 1971، 1972، و1973، وكأس السوبر الأوروبي عام 1972، وكأس الإنتركونتيننتال عام 1972، إضافةً إلى الهيمنة على الألقاب المحلية بشكل مطلق، من خلال حمل لقب الدوري الهولندي 6 مرات، وكأس هولندا 4 مرات، ليترك النادي وفي جعبته 190 هدفًا سجلها خلال 240 مباراة.
مطلع أكتوبر عام 1973، انتقل كرويف إلى نادي برشلونة الإسباني مقابل مبلغ قُدر بمليوني دولار، وهو رقم قياسي بالنسبة لمبالغ الانتقالات حينها، وقد لبث بالفريق الكتالوني 5 مواسم، خاض خلالها 143 مباراةً وسجل 48 هدفًا، ساهم عبرها في إنهاء جفاف دام زهاء 14 عامًا من تاريخ النادي، بإحراز لقب الدوري الإسباني موسم 1973-1974، إضافةً إلى لقب كأس إسبانيا موسم 1977-1978، والذي كان آخر مواسم كرويف مع البارسا.
بعد البارسا، خاض كرويف عدة تجارب قصيرة، فلعب موسمين في الدوري الأمريكي بين عامي 1979 و1981، مع ناديي لوس أنجلوس أزتيكس ثم واشنطن ديبلوماتس، ثم رجع إلى إسبانيا ولعب مع نادي ليفانتي عدة أشهر، قبل أن يعود إلى وطنه صيف عام 1981 للعب مع ناديه الأم أياكس، حيث قضى موسمين ناجحين توجهما بإحراز لقبين في الدوري وآخر في كأس هولندا، ليشهد نادي فاينورد روتردام آخر محطات كرويف كلاعب، حيث قادهم لإحراز ثنائية الدوري والكأس المحليتين عام 1984، وهو ابن 37 عامًا!
مع المنتخب الهولندي، شكل كرويف أهم ركن من أركان مدرسة الكرة الشاملة التي ابتكرها المدرب الشهير رينوس ميشلز، حيث قاد منتخب الطواحين لبلوغ المباراة النهائية لمونديال ألمانيا 1974، والتي خسروها أمام المنتخب المضيف بنتيجة 1-2، قبل أن يحرزوا المركز الثالث في بطولة أمم أوروبا 1976 بيوغسلافيا، في حين شهد عام 1977 حدثا مصيريًا في حياة كرويف، حين تلقى تهديدات بالقتل من قِبل بعض مافيات المراهنات بأمريكا اللاتينية، وذلك لمنعه من اللعب في بطولة كأس العالم التي أقيمت عام 1978 بالآرجنتين، فرضخ النجم الهولندي للتهديدات وأعلن اعتزاله اللعب دوليًا في العام ذاته، ليختتم مسيرةً دوليةً قوامها 11 عامًا، خاض خلالها 48 مباراةً وسجل 33 هدفًا.
على صعيد الألقاب الفردية، حظي كرويف كلاعب بعدة جوائز وتكريمات، أهمها فوزه بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في أوروبا 3 مرات أعوام: 1971، 1973، و1974، إضافةً لاختياره كأفضل لاعب في بطولة كأس العالم عام 1974، وجائزة أفضل لاعب في هولندا 5 مرات، قبل أن يتم تكريمه من قبل الفيفا عام 1999 باختياره كأفضل لاعب أوروبي في القرن العشرين.
المسيرة التدريبية لكرويف
كرويف عندما كان مدربًا لبرشلونة
انطلقت مسيرة كرويف كمدرب بعد اعتزاله بعام واحد، حيث تولى تدريب ناديه الأم أياكس 3 مواسم بدءًا من عام 1985، وقادهم خلالها لإحراز كأس هولندا مرتين عامي 1986 و1987، إضافةً للتتويج بلقب أبطال الكؤوس الأوروبية عام 1987.
صيف عام 1988 تصدى كرويف لمهمة تدريب ناديه الأسبق برشلونة، حيث استطاع عبر طرقه التدريبية المبتكرة المستمدة من مدرسة الكرة الشاملة التي تشرب مبادئها كلاعب في هولندا، إحداث قفزة نوعية هائلة في النادي الكتالوني، أسفرت عن فوزهم بـ 11 لقبًا مختلفًا خلال 8 مواسم، أهمها لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخ النادي عام 1992، وكذلك لقب السوبر الأوروبي في العام ذاته، ولقب أبطال الكؤوس الأوروبية عام 1989، فضلًا عن احتكاره لقب الدوري الإسباني 4 مواسم متتالية بين عامي 1991 و1994، وكأس إسبانيا عام 1990، والسوبر الإسباني أعوام 1991، 1992، و1994، لتنتهي مسيرته التدريبية مع البارسا ومع الكرة عمومًا في مايو من عام 1996.
إضافةً إلى ألقابه الجماعية، حظي كرويف كمدرب بعدة جوائز وألقاب فردية، أهمها جائزة مدرب العام 1987 من قِبل مجلة وورد سوكر الإنجليزية، وأفضل مدرب في العالم عامي 1991 و1992 من قِبل مجلة أونز مونديال الفرنسية.
مقتطفات من حياة كرويف الشخصية
كرويف إلى جانب زوجته وطفلته أثناء تتويجه بجائزة الكرة الذهبية عام 1971
عام 1968، تزوج كرويف بمواطنته داني كوستر، التي رافقته طيلة فترة حياته، وأمنت له الراحة والاستقرار الذي كان أحد أهم أسباب نجاحاته الكروية، وقد أنجبت له 3 أولاد هم: شانتال، سوسيلا، وجوردي، والأخير كان لاعبًا سابقًا في برشلونة فترة التسعينات.
عام 1991 إبان تدريبه لنادي برشلونة، تعرض كرويف لأزمة قلبية حادة، خضع على إثرها لتدخل جراحي خطير في الشريان التاجي للقلب، وقد عزا الأطباء سبب الأزمة إلى إفراطه في التدخين، الذي قال عنه كرويف يومًا: “كرة القدم أعطتني كل شيء والتدخين حرمني من كل شيء”.
عام 2010، قامت إدارة نادي برشلونة برئاسة جوان لابورتا، بتسمية كرويف رئيسًا فخريًا للنادي، كتقدير واعتراف بفضله الكبير في صنع نجاحات النادي الكتالوني لاعبًا ومدربًا.
عام 2010، فاز كرويف بجائزة الاستحقاق التقديرية الخاصة من قِبل الفيفا، وهي جائزة تُمنح لأكثر الشخصيات العالمية تأثيرًا في تاريخ كرة القدم.
مطلع عام 2015، أُعلن رسميًا عن إصابة كرويف بمرض سرطان الرئة القاتل، ورغم تفاؤله الذي دعاه للتصريح مطلع العام الحالي بأنه “أحرز هدفين في مرمى السرطان”، كدلالة على تحسن حالته الصحية، إلا أن الموت لم يمهله طويلًا حيث داهمه في مقر إقامته ببرشلونة يوم 24 مارس 2016، منهيًا مشوار حياته الزاخر بالنجاحات.
قيل في رثاء الراحل
الراحل كرويف في مختلف أطوار حياته
كان لرحيل الأسطورة الهولندية يوهان كرويف، وقع الصدمة على كل من عاصره وزامله وعشق فنه الكروي الراقي، من لاعبين ومدربين وشخصيات رياضية وعامة، وقد رصدنا لكم فيما يلي بعض ما قيل في رثاء النجم الراحل خلال الأيام القليلة الماضية:
“فقدنا رجلًا عظيمًا وقدوةً يُحتذى بها، إرثه سيبقى خالدًا في كرة القدم”، البرازيلي بيليه.
“لن ننساك أبدًا أيها النحيف”، الأرجنتيني دييغو مارادونا.
“أشعر بالصدمة لوفاته فقد كان أخًا وليس زميلًا فحسب”، الألماني فرانس بيكينباور.
“الخسارة كبيرة فقد رحل أعظم لاعب على مر العصور”، الفرنسي ميشيل بلاتيني.
“كرة القدم افتقدت أكثر من أعطاها عبر التاريخ”، الإنجليزي غاري لينيكر.
“لقد أحدث ثورةً كرويةً في عالم الكرة، إنه مثلي الأعلى وإرثه سيبقى وإن رحل”، الإسباني بيب غوارديولا.
“شكرًا يوهان، فقد كنت ملهمي وأستاذي العظيم”، الهولندي رود خوليت.
“لقد أعطى المتعة للجمهور لاعبًا ومدربًا، فقد جمع بين الأناقة والجودة وقوة الشخصية”، الإيطالي فرانشيسكو توتي.
“جزء كبير مما حققه برشلونة مؤخرًا يعود إليه، فهو أكثر من ساهم بتغيير مفهوم الكرة عندنا وفي العالم”، الآرجنتيني ليو ميسي.
“يوم حزين للكرة العالمية، سنحيا بالأثر الذي تركه”، الإسباني أندريس إنييستا.
“وداعًا للأسطورة، لقد كنت سابقًا لعصرك لاعبًا ومدربًا”، الإسباني سيرخيو راموس.
“الرقم 14 لن يعود كما كان بعد رحيل كرويف”، الإسباني تشابي ألونسو.
“إنه رمز للعب الأنيق ومصدر إلهام للاعبين وإعجاب للمشجعين، بصمته ستبقى خالدة”، رئيس الفيفا السويسري جياني إنفانتينو.
“لقد خسرنا كهولنديين رياضيًا فريدًا من نوعه أغنى كرتنا وأعطاها وجهًا جديدًا، إنه أيقونة هولندا الخالدة”، ملك هولندا فيليم ألكسندر.
“كل العالم كان يعرفه وعن طريقه عرف العالم هولندا”، رئيس الوزراء الهولندي مارك روتة.
“الناس مازالوا يتحدثون عنه رغم توقفه عن اللعب والتدريب منذ 20 عامًا، والدي سيبقى خالدًا”، جوردي يوهان كرويف.