*ساعد في كتابة المقال جوناثان روبرتس
ترجمة وتحرير نون بوست
إذا سنحت لكم الفرصة للتصويت لصالح سياسي موثوق تمامًا، متيقنين بأنه لا يخفي أجندات سرية، وبأنه سيمثل حقًا آراء الناخبين، فستقومون بالتصويت له حتمًا، أليس كذلك؟
ولكن ماذا لو كان ذاك السياسي روبوتًا؟ وليس المقصود هنا بشر بشخصية روبوتية، بل روبوت حقيقي يتمتع بذكاء اصطناعي مستقل؟
المستقبل الذي يتضمن أشياءًا مثل تلك كان موضوعًا للكثير من طروحات الخيال العلمي منذ عقود خلت، ولكن هل يمكن حقًا أن يتحقق ذلك؟ وإن كان الأمر في متناول اليد، هل يجب علينا أن نطبقه؟
فقدان الثقة
تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة بأن الثقة الشعبية بالسياسيين تنخفض بسرعة هائلة ضمن المجتمعات الغربية، حيث يستعمل الناخبون أصواتهم في الانتخابات على نحو متزايد للتعبير عن احتجاجهم عل السياسات القائمة.
هذا لا يعني بأن الشعوب فقدت اهتمامها بالسياسة وصنع السياسات، بل على العكس من ذلك، هناك أدلة تشير إلى تزايد انخراط الشعب في الحياة السياسية غير التقليدية، مما يشير إلى أن الشعوب مازالت مهتمة سياسيًا ولكنها فقدت الثقة بالسياسات الحزبية التقليدية.
بشكل أكثر تحديدًا، يشعر الناخبون على نحو متزايد بأن الأحزاب السياسية القائمة متشابهة للغاية، وإن السياسيين غارقين حتى النخاع في كسب النقاط والمناورات السياسية، كما يتزايد الشعور ما بين صفوف الناخبين الساخطين حول ارتهان الأحزاب الكبيرة لأصحاب المصالح الخاصة القوية، وتعاونها الوثيق مع كبار جال الأعمال أو النقابات العمالية، مما يحط من قيمة أصواتهم ويجردها من قدرتها على إحداث أي فارق.
المظاهر الأخرى التي تشير إلى تغيّر نوع المشاركة السياسية، وليس فك الارتباط ما بين الشعب والسياسية، هو صعود الأحزاب الشعبية ببرامجها المتشددة المعادية للحكومات، واهتمامها المتزايد بنظريات المؤامرة، تلك النظريات التي تؤكد تنامي شعور المواطنين بفساد أنظمتهم.
لا تعتبر فكرة أتمتة الساسة وموظفي الخدمة المدنية حديثة بحد ذاتها، حيث يمكننا رؤية شيوع هذه الأفكار ضمن المسلسلات التلفزيونية مثل يس مينستر (Yes Minister) وأحدث سلسلة من المسلسل الأمريكي هاوس أوف كاردس (House of Cards).
إذن، وفي ظل فقداننا لثقتنا في نهج السياسة التقليدية، ما هي البدائل التي نحوزها؟ وهل يمكننا استبدال السياسيين ببديل أفضل؟
التفكير المؤتمت
إحدى البدائل المقترحة هي تصميم أنظمة قرارات سياسية بطريقة تحول دون تعرض واضعي السياسات لأي تأثير خارجي غير مبرر، فمن خلال قيامنا بذلك، كما يقول مؤيديو هذا الرأي، سنفسح المجال لصنع القرار بناء على أدلة علمية موضوعية بعيدًا عن المصالح الخاصة المكتسبة.
للوهلة الأولى يبدو هذا البديل جديرًا بأن نطمح إليه، ولكن إذا تعمقنا بشكل أكبر ضمن هذا الخيار، لا بد لنا وأن نتساءل عن الكيفية التي سنؤتمت بها القضايا السياسية العديدة التي مازالت تشهد انقسامًا عميقًا بين صفوف السياسيين، كالتغير المناخي، الزواج المثلي، أو سياسات اللجوء؟
صنع السياسات كان وسيبقى بطبيعته عملًا سياسيًا، ومن الأفضل للسياسات، وفق أفضل الأدلة التي نحوزها، أن تُستخلص من الأدلة بدلًا من أن تكون قائمة على الأدلة، ولكن هل يمكن أن ننزع تسييس بعض القضايا ونسندها للروبوتات للقيام بها؟
أولئك الذين يركزون على التقدم التكنولوجي قد يميلون للإجابة بنعم على هذا السؤال؛ فبعد كل شيء، العمليات الحسابية المعقدة التي كان يستغرق استكمالها سنوات عديدة بالطرق التقليدية أضحت تُجرى الآن في غضون ثوانٍ باستخدام أحدث التطورات في مجال تكنولوجيا المعلومات، كما ثبُت بأن الابتكارات التكنولوجية قيمة ومذهلة للغاية في بعض المجالات السياسية المعينة، فعلى سبيل المثال، يدرس مخططو المدن اليوم جدوى مشاريع البنية التحتية الجديدة باستخدام برنامج نمذجة مرورية قوية للغاية للتنبؤ بمستقبل التدفقات المرورية.
على الجانب الآخر، أولئك الذين يركزون على الجوانب الاجتماعية والأخلاقية، سيمتلكون تحفظات كبيرة حول أتمتة السياسة؛ فالتقدم التكنولوجي يتمتع باستخدام محدود ضمن القضايا السياسية التي تنطوي على معتقدات متنازع عليها وأحكامًا تقديرية، أحد الأمثلة على ذلك هو تشريع القتل الرحيم، الذي يخضع بطبيعته للمعتقدات الدينية وللأسئلة المستمرة حول حق تقرير المصير الشخصي؛ فعلى الرغم من أننا قد نميل للقول بأن هذه القضية تعد استثناءًا صغيرًا، إلا أن ذلك يعني أن نتغاضى أيضًا عن حقيقة أن معظم القضايا السياسية تنطوي على معتقدات متنازع عليها وأحكامًا تقديرية، ومن هذا المنظور فإن الروبوتات السياسية لا تتمتع بفائدة تذكر.
القواعد الأخلاقية
قد تكون الحواسيب العملاقة قادرة على تقديم تنبؤات دقيقة عن أعداد مستخدمي الطريق في معرض اقتراح إنشاء طريق دائري، ولكن ما الذي سيفعله هذا الحاسوب العملاق عندما يواجه معضلة أخلاقية؟
معظم الناس سيتفقون بأن قدرتنا على إصدار الأحكام التقديرية هي التي تميزنا وتضمن تفوقنا على الآلات، ولكن ماذا لو استطعنا برمجة المعايير الأخلاقية المتفق عليها ضمن أجهزة الكمبيوتر، لنعطيها مسؤولية اتخاذ القرارات على أساس المبادئ التوجيهية المعيارية المحددة مسبقًا وما ينجم عن هذه الخيارات؟
إذا كان ذلك ممكنًا، وهو الأمر الذي يقر بعض الأشخاص بإمكانيته، هل يمكننا أن نستبدل سياسيينا الخطائيين بروبوتات تتمتع بذكاء اصطناعي معصوم عن الخطأ؟
هذه الفكرة قد تبدو بعيدة المنال، ولكن هل هي كذلك فعلًا؟
قد تصبح الروبوتات جزءًا من حياتنا اليومية في وقت أقرب مما نعتقد؛ فعلى سبيل المثال، قد يتم استخدام الروبوتات في المستقبل القريب لأداء المهام الروتينية في مرافق رعاية المسنين، ولمرافقة المسنين أو المعوقين، لا بل إن البعض ذهب إلى حد اقتراح استخدام الروبوتات في الدعارة، وأيًا كان الرأي الذي نضمره حول الروبوتات السياسية، إلا أن أسس استعمالها موجودة اليوم بالفعل.
لتأكيد ذلك، عرض أحد الأبحاث مؤخرًا نظامًا يقوم بكتابة الخطب السياسية تلقائيًا، وبعض هذه الخطب حقيقية للغاية لدرجة أنه يصعب على معظمنا معرفة ما إن كانت مكتوبة من قِبل إنسان أم آلة، فضلًا عن أن ساسة اليوم يعتمدون بالفعل على كتّاب خطابات من البشر، ومن هذا المنطلق، فإن الاعتماد على كتّاب خطابات من الروبوتات لا يمثل إلا نقلة صغيرة بالنسبة لهم.
الأمر ذاته ينطبق على صانعي السياسات المسؤولين عن التخطيط الحضري أو خطط التخفيف من آثار الفيضانات على سبيل المثال، والذين يستخدمون مسبقًا نماذج برمجية متطورة للقيام بعملهم، ومن هذا المنطلق، قد نكون قادرين قريبًا على إخراج البشر تمامًا من هذه المهنة واستبدالهم بروبوتات تتضمن نماذج البرمجيات وتتخذ القرارات بنفسها.
يمكننا التفكير بالعديد من السيناريوهات المشابهة، إلا أن القضية الأساسية ستبقى على حالها، فهذه الروبوتات بحاجة لتتم برمجتها بمجموعة متفق عليها من المعايير الأخلاقية، ليُسمح لها بإصدار الأحكام بناء على تلك الأسس الأخلاقية.
المدخلات البشرية
لذلك حتى لو أصبح لدينا برلمان كامل من الروبوتات، سنبقى بحاجة لوكالة بشرية مسؤولة عن تحديد المعايير الأخلاقية لبرمجتها ضمن الروبوتات.
وهنا سيتبادر السؤال فورًا إلى أذهاننا: من سيكون المخول باتخاذ القرارات بشأن تلك المعايير الأخلاقية؟ في هذه النقطة، سنضطر ربما لعرض هذا الأمر للتصويت ما بين مختلف الأطراف المعنية والمتنافسة، وهذا سيرجعنا دائرة كاملة إلى الخلف، لتظهر مجددًا مشكلة الكيفية التي يمكن من خلال الحؤول دون خضوع السياسيين للتأثيرات غير المبررة.
دعاة الديمقراطية التشاورية، الذين يؤمنون بأن الديمقراطية يجب أن تكون أكثر من مجرد نزهة عابرة إلى صناديق الاقتراع، سيرتعدون من احتمالية استخدام الروبوتات السياسية.
لكن على الجهة المقابلة، دعاة السوق الحرة، المهتمين بتعيين حكومات هزيلة، وبتطبيق تدابير التقشف وخفض معدلات البيروقراطية، قد يكونون أكثر ميلًا لتجربة نظام أتمتة السياسة.
لذا، وفي ظل حيازة دعاة السوق الحرة لليد العليا في مختلف ساحات السياسة الراهنة، عندما ستسمع في المرة القادمة أحد المعلقين يشير إلى أحد السياسين بأنه يعمل كالروبوتات، تذكر بأنه ربما سيصبح في يوم من الأيام بعضًا من أولئك السياسيين روبوتات حقيقة ذكية!
المصدر: فيز دوت أورغ