مازالت غزة تجمع بين التناقضات، فبعيدًا عن ملامح الدمار والحصار وتغييرًا للصورة النمطية للمدينة خرجت مجموعة من الفرق الموسيقية التي ينبض صوتها بالأمل والسلام لتعيد مجد الحياة، ويزهر لونها علها تقشع ضبابية الأيام التي يعيشها سكان القطاع .
تتوالى أصواتهم بالأغانى التراثية لأسمر اللون، ثوري يا جماهير الأرض المحتلة، الله أكبر هلل وكبر وقول يارب، بتناغم وتزامن مع الآلات الموسيقية فرحًا وطربًا وسط تصفيق وتشجيع من الجماهير المؤيدة لهذا الفن الملتزم باللون الفلسطيني الموحد للأغاني الوطنية والثورية، بعيدًاعن أي شكل من أشكال الحزبية؛ فهذا ما تهدف إليه وتتمسك به فرقة “دواوين الموسيقية” التي يغرد صوتها من قطاع غزة والتي لا يتجاوز عمرها الشهرين .
تتكون دواوين من 50 شخصًا يتوزعون ما بين مدربين صوت، مدربين نفسيين، مهندسين ديكور، مصممين جرافيك، وبينهم 13 عضوًا يشكّلون الفرقة الغنائية، ضمنهم مطرب ومطربة، ولا يتجاوز متوسط العمر لغالبية أعضاء الفرقة الـ24 سنة .
ويعمل الملحن الموسيقي للفرقة عاطف عكاشة، على صياغة وتوزيع أغاني التراث والفلكلور الفلسطيني بطريقة شبابية جديدة، مع المحافظة على اللهجة الفلسطينية بها، حيث قال: “الوطن العربي يعاني من نقص في الوسط الغنائي التراثي الملتزم، خاصة الفلسطيني، نحن نحيي هذا الوسط بشكل عصري يحاكي اهتمامات الشباب وكبار السن معًا”، بتعبيره.
وتحاول الفرقة إبعاد الشعب الغزّي عن حالتي الحزن والكبت النفسي، وتقديم شيء جديد يشعرهم بالفرح والسرور، من خلال فنًا قديمًا يعنى بموسيقى وإيقاعات عصرية تجذب السامعين .
فرقة موسيقى الشوارع
على شاطئ بحر غزة تحلق طيور النورس وتحلق معها أحلام وأماني الغزيين، وسط ذلك وبالهواء الطلق يعزف على آلة الجيتار والكمنجا مجموعة من الشباب الذين درسوا الموسيقى ويعرّفون أنفسهم “بفرقة موسيقى الشوارع” كتجربة جديدة لهم علها تكون بداية طريق لمشوارهم الفني.
تتكون الفرقة من أربعة شبان يعزفون مقطوعات موسيقية متنوعة على آلاتهم فيبهرون المارة على شارع الكورنيش ويشعرونهم بالتسلية مجانًا، ويعتبر هذا نوع جديد يراه السكان فيغذي أرواحهم بالموسيقى بعيدًا عن هموم وضجيج المدينة، فهم اختاروا الشاطئ كمرفأ لهم .
الشقيقان غادة ومحمد شومان
لا يتجاوز عمرهما الـ 20 عامًا، ثنائى يغني بروحٍ واحدةٍ، هو مشهد متكامل لسيمفونية رائعة تصدح من قلب الحصار الغزي لتظهر للعالم الخارجي بأبهى رونق لإيصال رسالتها المحملة بالسلام .
بدأت غادة بتأليف المقطوعات الغنائية بالتعاون مع أوتار جيتار أخيها محمد أثناء الحرب الأخيرة عام 2014 على قطاع غزة، حيث اتخذت من حنجرتها سلاحًا تقاوم به عدوها فدفعها انتماؤها لوطنها لذلك بالإضافة إلى أنها أرادت التعبير عن مكنوناتها الحزينة لمشاهد القتل والدمار التي خلفتها الحرب على مدينتها.
يدرس الأخوان الموسيقى بمعهد إدوارد، المركز الوحيد الذي يعلم الموسيقى بالقطاع، وبدوره يستقطب المواهب بغزة مممن يمتلكون أصواتًا جميلة لتدريبها .
يركز الثنائي على الجانب الإنساني والاجتماعي بمقطوعاتهم الغنائية، والتي تدعو إلى حرية التعبير والحق في الحياة ومن أشهر مقطوعاتهم الموسيقية التي أخرجتهم لسماء النجاح ولاقت ترويجًا وحصدت مشاهدة عالية عبر اليوتيوب “حلمنا نهار وخيارنا الأمل.. تهدينا الحياة أضواء في آخر النفق، تدعونا كى ننسى ألمًا عشناه “.
ويتمنا شومان أن يحترفا الفن الهادف الموشح بالقالب الفلسطيني الوطني والمعبر عن القضية الفلسطينية بكل أبعادها، وان تخرج موهبتهما من رحم المعاناة وترى النور، كما يسعىان لإنتاج مقطوعاتهم الموسيقية من تأليفهم وتوزيعها بأنفسهم واغتنام كل فرصة نجاح لهم .
يعاني قطاع غزة من حصار إسرائيلي للعام التاسع على التوالي، وتعرض لعدة حروب وعمليات عسكرية إسرائيلية خلال تلك السنوات، ما دفع مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة (الأونكتاد)، للإعلان أن قطاع غزة سيكون مكانًا غير صالح للسكن خلال 2020، ورغم ذالك لا يستسلم الغزيون لليأس ويحاولون تحقيق أحلامهم المبتورة بالأمل والتحدي لتنمية مواهبهم، فالموسيقى ملاذهم الذي يعطي حياتهم نكهة الفرح.