باتت فكرة تلاعب الأمريكيين بالأسواق الاقتصادية في العالم تترسخ في ذهني بشكل كبير؛ فالبيانات التي تنشرها أمريكا بشأن مخزون النفط مثلاً تعكس جزءًا كبيرًا من هذه الفكرة، فعلى صعيد التوقعات بتراجع المخزونات الأمريكية، تتفاجأ الأسواق ببيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط سجلت قفزة هذا الأسبوع أو غيره، وهذه اللعبة تتكرر كثيرًا فتصعد بأسعار النفط يومًا وتهوى به أيام.
برأيي هذه هي لعبة الأمريكيين والتي غالبًا ما تدفع ثمنها الأسواق العالمية وأسواق الشرق الأوسط بشكل خاص، هذه اللعبة غير البريئة تقوم بها واشنطن كثيرًا، في الوقت الذي اتهمت به بكين أنها تنشر أرقامًا غير صحيحة أو مضللة حول اقتصادها، وفي الحقيقة الصين ليست بريئة بالكامل من هذه التهمه، ولكنها جديدة في مجال بات حكرًا على الأمريكان.
عمومًا هذه اللعبة تحدث الآن بقيادة الفيدرالي الأمريكي، فقبل خطاب جانيت يلين رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تعمد الأمريكان رفع حدة التكهنات برفعٍ جديدٍ في معدل الفائدة الأمريكية خلال أبريل المقبل، فقد خرجت موجة من تصريحات لمسؤولين بمجلس الاحتياطي الاتحادي تشير إلى احتمالات زيادة أسعار الفائدة الأمريكية أكثر من مرة هذا العام مع احتمال أن تكون المرة الأولى في أبريل المقبل، هذا الأمر أنعش العملة الأمريكية التي صعدت لمستويات قياسية الأسبوع الماضي.
فقد توالت التصريحات التي بدأها باتريك هاركر، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، ثم رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، وبعده رئيس بنك سانت لويس الاحتياطي الاتحادي جيمس بولارد، حيث توقعوا جميعًا زيادة الفائدة مرتين خلال العام الحالي.
بعد هذه التصريحات ارتبكت أسواق الأسهم العالمية وعلى رأسها وول ستريت، حيث جاءت تصريحات “يلين” بمثابة صدمة للعملة الأمريكية وحقنة إنعاش لوول ستريت.
يلين قالت إن المجلس يعتزم التحرك “بحذر” بشأن سياسته النقدية وزيادة سعر الفائدة، في ظل تراجع وتيرة نمو الاقتصاد العالمي، في الحقيقة واضعو السياسة النقدية الأمريكية لا يشغلهم الاقتصاد العالمي، فأمريكا سعيدة بهذا التباطؤ لأنها تجد نفسها فيه، اقتصادها ينتعش في ظل معاناة الآخرين فلا تنخدعوا بحديث يلين.
رئيسة الاحتياطي قالت أيضًا أمام نادي نيويورك الاقتصادي إن الأوضاع الاقتصادية والمالية هي الآن أسوأ مما كانت عليه عندما قرر مجلس الاحتياط زيادة سعر الفائدة في ديسمبر الماضي، ولا أظن أن الوضع اختلف كثيرًا ولكن المصلحة الأمريكية هي التي تريد أن تتلاعب بالأسواق.
إذا المشكلة الحقيقية تكمن في التطورات المالية والاقتصادية العالمية، هذا ما تريد أن تقوله يلين، وهذا غير حقيقي فحالة عدم اليقين بشأن التطورات حول النمو الاقتصادي العالمي لم تتغير خلال الأشهر الأخيرة وكذلك استراتيجية الفيدرالي لم تتغير، فأمر رفع معدلات الفائدة شبه منتهٍ، ولكن مزاج الأمريكان في التلاعب لم يتغير.
في الحقيقة إن الدولار حتى ولو اتجه إلى تسجيل أسوأ أداء شهري له منذ 5 سنوات خلال مارس بسبب تصريحات يلين، لكنه يبقى برأيي أكثر الأضرار التي يجب أن يقلق منها العالم خلال العقد القادم بعدما صنع منه ذهبًا جديدًا.
وعلى المستوى الأمريكي، وبحسب بنك أوف أميركا فإن ارتفاع الدولار بنسبة 25% وبالمفهوم التاريخي يعقبه دومًا ركود للأرباح في الفصول القادمة ويبلغ 10% تراجعًا لها.
وعلى أي حال أتمنى ألا تواصل الأسواق العالمية التجاوب بشأن تصريحات وتحركات الفيدرالي التي ليس لها هدف سوى التلاعب بكم، لتحقيق المصلحة الأمريكية، وأكرر المصلحة الأمريكية لا تتحقق إلا من خلال معاناة وضعف الآخرين.