أجوبة واضحة حول المؤهلات اللازمة لتصبح إرهابيًا

screen_shot_2016-03-30_at_2

كان للأخوين اللذين نفذا تفجيرات انتحارية في بروكسل الأسبوع الماضي سجلاً إجراميًا طويلاً واعتبرا في نظر العالم إرهابيين مفتش عنهما بتهم تتعلق بالإرهاب، في المقابل، كان منفذ الهجمات التي استهدفت مدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا يعمل كمراقب للصحة في المقاطعة وكان يعيش حياة عادية بعيد كل البعد عن الإجرام.

وخلال العام المنصرم، تم اعتقال العشرات من الرجال والنساء الأمريكيين بتهمة محاولة مساعدة تنظيم الدولة، حيث إن تنوع خلفياتهم وظروف حياتهم ساهموا في صعوبة تحديد نموذج وملف تعريفي خاص بهم من شأنه أن يسهل لاحقًا التعرف على هؤلاء الأشخاص وضمهم في خانة الإرهابيين.

وبالتالي ما هي الأسباب التي من شأنها أن تجعل شخصًا ما يتجه نحو العنف؟ وهل من الممكن إنقاذ هؤلاء الأشخاص وإجبارهم على العدول عن هذا المسار؟ لقد جعلت هذه الأسئلة كل الحكومات في العالم على مدى أجيال في حيرة من أمرها، كما أصبحت على غاية من الأهمية خاصة في أعقاب سلسلة الهجمات التي شنها تنظيم الدولة والتي استهدفت كلاً من أوروبا والولايات المتحدة.

وعلى الرغم من إنفاق الحكومة الأمريكية للملايين من الدولارات على البحوث المتعلقة بالإرهاب بالإضافة إلى الدعاية التي نشرها البيت الأبيض، والتي تهدف إلى الحصول على إجابات، إلا أنه لا توجد إجابة واضحة متفق عليها حول الأسباب التي من شأنها أن تجعل من شخص ما إرهابيًا.

وقال الطبيب النفسي والمستشار الحكومي مارك سيغمان إنه “بعد كل هذا التمويل والحملات الإعلامية ومع كل حادث إرهابي جديد، ندرك أننا لسنا أقرب إلى الإجابة على سؤالنا الأصلي حول ما يدفع الناس إلى اللجوء إلى العنف السياسي”، وأضاف “نفس الأسئلة البالية تُطرح مرارًا وتكرارًا، ولا نملك أية إجابات مقنعة”.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأمريكية لطالما تجاهلت نتائج البحوث التي يقوم بها مختصون في العديد من المجالات والتي تُعنى بظاهرة التطرف، حيث لم يمض مثلاً وقت طويل بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر سنة 2001، حتى قرر الخبير الاقتصادي في جامعة برينستون، ألن كروغر تحليل الرأي السائد الذي يفيد بأن الفقر هو العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى الإرهاب.

وبعد تحليل دقيق لاستطلاعات الرأي والبيانات المتعلقة بالانتحاريين والشخصيات الاقتصادية، توصل كروغر إلى نتيجة مفادها أنه لا توجد صلة بين ظاهرة الفقر والإرهاب.

وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، لا يزال المسؤولون عن تطبيق القانون والجماعات المحلية الممولة من قِبل الحكومة يعتبرون أن المشاكل المالية هي مؤشر للتطرف.

وعندما أعلن الرئيس أوباما سنة 2011 عن خططه لمنع الإرهاب الداخلي، كانت التفاصيل غير واضحة إلا أن البيت الأبيض وعد بتوفير علامات من شأنها تحذير كل من الأهل وقادة المجتمع حول هذا الخطر الإرهابي ومساعدتهم على التصدي لهذه الظاهرة.

وصرح نائب مستشار الأمن القومي، دنيس ماكدونو آنذاك أنه “”ستكون هناك جماعات مختصة ستتعرف على السلوك غير الطبيعي لشخص ما، مثل كثرة التغيب عن المدرسة التي اعتبرها مؤشرًا محتملاً على تورط بعض الأشخاص في عمليات إجرامية بالإضافة إلى أنها من الممكن أن تنذر بظاهرة التطرف العنيف”.

ومع مرور السنوات لم يتمكن أحد من تضييق قائمة الإرهابيين المحتملين خاصة بعدما توصل العلم إلى أن أي شخص تقريبًا هو إرهابي محتمل، وتشير بعض الدراسات إلى أن الإرهابيين من المرجح أن يكونوا مثقفين قد تلقوْا تعليمهم الكامل، في حين أن البعض الآخر يؤكد أنهم اعتكفوا عن الدراسة في المراحل الأولى من حياتهم، كما حذرت العديد من الدراسات من أولئك المراهقين الذين “يواجهون صعوبة في تحقيق ذواتهم داخل المجتمع”.

وكانت هذه التعميمات هي السبب وراء تنديد المدافعين عن الحريات المدنية بجهود الحكومة، فمثل هذه التعميمات من شأنها أن تقوض حريات الأفراد وتضعهم من دون وجه حق في خانة الأشخاص المعرضين لارتكاب الجرائم.

وفي هذا السياق، عبر الباحثون عن امتعاضهم من السياسات المعتمدة من قِبل كل من إداراتي بوش وأوباما فيما يتعلق بتحديد الإرهابيين المحتملين، حيث اعتبروا أن انشغالهم بإجراء البحوث من الممكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى اشتباههم بأبرياء لا علاقة لهم بالإرهاب.

وقال الأستاذ في علم النفس في كلية برين ماور الذي أجرى أبحاثًا حول الإرهاب مولتها الحكومة لسنوات؛ كلارك ماكولي الابن، إن “الولايات المتحدة عاجزة في الوقت الراهن عن إيجاد أجوبة متعلقة بخصائص الإرهابيين لذلك فإن أي شخص سيقدم نتيجة بحث حول هذا الموضوع، سيحظى باهتمام السلطات”.

كما أن أوروبا أيضًا في حالة صراع دائم حول الأسئلة المتعلقة بالإرهاب حيث لا وجود لإجابة واضحة من شأنها أن تجعل هذه الحكومات تتخذ إجراءات ردعية للحد من هذه الظاهرة؛ ففي بلجيكا، المساعي حثيثة لمنع الجهاديين من الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة.

أما في بريطانيا فقد حثت الحكومة البريطانية شعبها على ضرورة الإبلاغ عن الأشخاص الذين يشتبه بهم، والذين قد يشكلون خطرًا على من حولهم، في المقابل، تعالت الأصوات في الولايات المتحدة المشككة فيما إذا كان دستور البلاد يسمح للسلطات بمراقبة الخطاب السياسي أو الديني في الداخل.

إن القيام بالبحوث حول ظاهرة الإرهاب هو أمر صعب للغاية باعتراف الجميع نظرًا لصعوبة تحديد الأسئلة التي من شأنها أن تميز بين الإرهابيين والمعارضين والجنود، فمن الذي ينطبق عليه توصيف “الإرهابي” بين هؤلاء؛ هل هو نيلسون مانديلا، الانتحاريون الفلسطينيون، حركة طالبان أم المجاهدون الأفغان الذين دعمتهم وكالة الاستخبارات المركزية؟

كما أن الباحثين نادرًا ما يستطيعون اختراق الجماعات الإرهابية والقيام ببحث شامل اعتمادًا على أساليب علمية، ففي سنة 2005، صرح عالم النفس في جامعة كاليفورنيا، جيف فيكتوروف أن “الأبحاث الرائدة في مجال الإرهاب هي في الغالب مجرد نظريات سياسية وروايات غير دقيقة” وأضاف أن “عدم وجود تحقيق علمي ممنهج في هذا السياق، فتح المجال أمام صناع القرار بالتخطيط لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب دون الاستفادة من الحقائق”.

ومن المفترض أن يكون الهدف الأساسي من القيام بالبحوث هو التعرف على جذور الإرهاب حتى يصبح من الممكن مساعدة الأشخاص ودرئهم عن العنف والتطرف، إلا أن الحكومات ليس باستطاعتها تأطير المتطرفين بسبب غياب استراتيجية واضحة لاحتوائهم، فإدارة أوباما مثلاً سعت إلى إطلاق شبكة من المستشارين والخبراء والشخصيات الدينية الذين من شأنهم التدخل للمساعدة، لكن هذا المشروع لم يدخل حيز التنفيذ إلى يومنا هذا.

كما أن البيت الأبيض كلف مؤخرًا وزارة الأمن الداخلي بتنسيق الجهود فيما يتعلق بملف الإرهاب، وأعلن المسؤول في الأمن الداخلي، جورج سليم، أن “إدارة أوباما لم تعمد مطلقًا إلى إملاء السياسات المتعلقة بهذا الملف وأن الحكومة الأمريكية قد بدأت بالفعل بإجراء المحادثات وتعزيز العلاقات بين كل من المجتمعات وسلطات تطبيق القانون”.

وفي مدينة مينيابوليس، إحدى المدن التي تعد مثالاً ناجحًا لجهود الإدارة الأمريكية في مكافحة التطرف، تمكن المحامي أندرو لوغر من توطيد علاقاته مع المجتمع الصومالي في المدينة بهدف دمج الصوماليين داخل المجتمع الأمريكي لتجنب تورطهم في أعمال إرهابية مستقبلاً.

كما أن وزارة الدفاع الأمريكية قدمت مقترحًا للحكومة من شأنه أن يطور من “تقييمها السريع” للتطرف؛ حيث إن الحكومة ستقوم بإنشاء قائمات بأسماء المشتبه بصلتهم بالإرهاب الذين خضعوا للتحقيق من قِبل السلطات بالإضافة إلى الأسباب التي جعلتهم موضع شك سواء تلك المتعلقة بشعورهم بالإساءة من قِبل الحكومة أو انعدام الثقة في تطبيق القانون أو حتى إذا ما كانوا يتعرضون لأي نوع من أنواع التمييز.

وقد أفاد الباحث ماكولي، أن الدراسات التي تقدم في النهاية إشارات تحذيرية من أجل الوقاية من التهديد الإرهابي هي التي تحظى باهتمام السلطات، أما تلك التي تقوم بربط الإرهاب بالسياسات الأمريكية المُعتمدة فغالبا ما يتم تجاهلها.

ومن الناحية العلمية، يؤكد الباحثون أن القوائم التي تحتوي على أسماء المشتبه بصلتهم بالإرهاب سيكون مصيرها الفشل؛ ففي بلد مثل الولايات المتحدة تحتوي على عدد ضخم من السكان مقارنة بعدد ضئيل من الإرهابيين، مثل هذه القوائم ستجعل من الأبرياء موضع شك وستشتت انتباه السلطات حول الإرهابيين الحقيقيين.

ودعت منظمة “وورد” في مقاطعة مونتغومري في ولاية ماريلاند، إلى ضرورة الانتباه لعدد العلامات التحذيرية التي من شأنها أن تنبئ بوجود “إرهابي” محتمل مثل الاكتئاب، الصدمات النفسية، الضغوط الاقتصادية والمظالم السياسية، وإبلاغها بالأشخاص المشتبه بهم حتى تؤمن لهم استشارات نفسية وإرشادًا دينيًا من شأنها أن تساعدهم على تخطي هذه المرحلة.

ومع تأكيد الباحثين بأن هذه العوارض التي أصدرتها منظمة “وورد” من شأنها بالفعل أن تؤدي إلى التطرف، قررت إدارة الرئيس أوباما منح حوالي 500 ألف دولار كتمويل لمشروع هذه المنظمة، في هذه الصدد، علقت رئيسة المنظمة هادية ميراحمادي قائلة “هذه مجرد بداية للتعاطي مع ملف الإرهاب وقد قمنا بتقديم استشارات لحوالي 20 شخصا إلى الآن، لكننا لا نستطيع معرفة ما إذا كان أي من هؤلاء الأشخاص سيصبح عنيفا في المستقبل، ولا حتى  إمكانية التنبؤ بذلك”.

المصدر: نيويورك تايمز/ ترجمة: إيوان 24