لا يتوقف السيسي ونظامه منذ يومه الأول عن التشدق بأن السُّعار الأمني لأجهزته القمعية هدفه التوقف عن تهديد الأمن القومي للبلاد، هذا المصطلح المطاط غير مفهوم الهوية ولا مبرر الإجراء.
لكن وعلى كُل حال، فبلسان حال النظام، فإن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ربما يمثل تهديدًا لأمن واستقرار النظام، وربما يكون الناشط السياسي محمد عادل القيادي بحركة السادس من أبريل، صاحب قوى خارقة ستمكنه من هدم النظام السياسي الذي بناه السيسي على القمع.
لكن أي تهديدٍ هذا الذي يمثله طفل لم يجاوز عقده الثاني بعد؟ أي تهديد هذا يجعل من النظام أن يصمم على احتجاز بل وتعذيب أطفال تكتظ بهم المؤسسات “العقابية”، على سبيل المثال، يتعرض معظم هؤلاء الأطفال لانتهاك كرامتهم الإنسانية التي قد تصل حدودها إلى التحرش الجنسي والاعتداء عليهم.
منظمة العفو الدولية، ذكرت في تقريرٍ سابق لها أن طفلًا قد اعتقل بتهمة الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين والتظاهر تعرض للاغتصاب والتعذيب خلال اعتقاله بقسم ثانٍ مدينة نصر بالقاهرة، بعد إخفائه قسريًا مدة أسبوع كامل، أنكرت خلاله مراكز الشرطة وجوده لديها.
المنظمة نقلت عن عائلة مازن محمد عبد الله الذي يبلغ من العمر 14 عامًا فقط، “أن الفتى عُذب بشكل متكرر في المعتقل، حيث تعرض للصعق بالكهرباء على أعضائه التناسيلة، إضافة إلى إدخال عصا في مؤخرته على يد الشرطة، لإجباره على الاعتراف بالتظاهر بدون ترخيص والانتماء إلى جماعة الإخون المسلمين”.
مازن تعرض مرارًا للاغتصاب بإدخال عصا في مؤخرته ما أدى إلى إصابات في الشرج، كما أبلغه عناصر الأمن الوطني بأنه سيتم استجوابه من ضابط آخر في اليوم التالي، وحذروه من أنه سيتعرض للتعذيب مجددًا إن سحب اعترافاته.
هل توقفت الانتهاكات بحق مازن عند الأجهزة الأمنية فقط؟
في اليوم التالي من تعذيب مازن، نُقل إلى مدعي عام أمن الدولة، وفق المنظمة، ليقدم مازن معلومات عن تعذيبه ويطالب محاموه بإجراء فحص طبي عليه، إلا أن المدعي العام قرر تثبيت التهم الموجهة إليه وأمر باستمرار حبسه، رغم أن القانون المصري يحظر حبس الأطفال دون سن الـ 15 قبل المحاكمة.
ومنذ ذلك الحين يجري تمديد حبسه كل 15 يومًا، ويحتجز في زنزانة مكتظة مع البالغين في قسم شرطة أول مدينة نصر، ولم يُسمح للمحامي بالاطلاع على تقرير الطب الشرعي.
مازن أصيب بمرض جلدي بسبب سوء نظافة المكان، ويسمح لعائلته بزيارته مرة واحدة في الأسبوع، ولدقيقة واحدة فقط، وهو ما يعني “أن أمه قادرة على تقبيله مرة واحدة من خلف القضيان ثم الرحيل”.
“أمرًا عاديًا، ممارسة منهجية”
وصفت صحيفة التليجراف البريطانية في مقالٍ سابق لها اعتقال الأطفال في مصر بأنه أصبح “أمرًا عاديًا”، وأكدت الصحيفة على وجود نسق ممنهج من الاعتداء الجسدي والعاطفي، فضلًا عن انتهاكات لا تعد ولا تحصى لحقوق المعتقلين.
ونشرت الصحيفة، شهادات عما يتعرض له المعتقلون ومن بينهم الأطفال في السجون المصرية، وقالت: “يتم إجبار هؤلاء المعتقلين على الجلوس مكدسين في زنزانة السجن الخانقة، وتناول طعام مليء بالحشرات، ويسمح لهم بالخروج لمدة خمس دقائق فقط في كل مرة”.
بلغ عدد الأطفال اللذين قامت القوات الأمنية في مصر باعتقالهم أكثر من 3200 طفل تحت سن 18 عامًا، نهاية العام الماضي، جلّهم إن لم يكن كلهم، تعرضوا للمعاملة الوحشية وللتعذيب والضرب المبرح داخل مراكز الاحتجاز المختلفة، حسب ما أشار التقرير الأممي الصادر عن الفريق المعني بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة، الذي أصدر قرارًا اعتبر أن الاعتقال التعسفي للأطفال في مصر يعد “ممارسة نظامية منهجية واسعة الانتشار”.
وتؤكد أغلب التقارير الدولية، أن وزارة الداخلية هي المسؤولة عن أماكن احتجاز الأطفال في مصر، وأن هذا الانتهاك من قِبل السلطات المصرية يخالف بشكل سافر قانون الطفل، والذي يحمّل وزارة التضامن الاجتماعي مسؤولية تسيير وإدارة والتعامل مع الأطفال المحتجزين، وأكد أيضًا أن أماكن احتجاز الأطفال في مصر مخالفة للمعايير الدولية، بل معايير احتجاز الأطفال في القانون المصري ذاته.
المحامى حافظ أبو سعدة، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان (منظمة حكومية) قال في تصريحات صحفية مطلع الشهر الجاري، إن من عدم المعقولية وعدم الصحة حبس الأطفال، قائلا: “من مستحيل المستحيل ارتكاب الأطفال للتهم المنسوبة إليهم”، وأنه لا يجوز حبس الأطفال قبل سن المسؤولية الجنائية، وفقًا لاتفاقية حقوق الإنسان وحقوق الطفل، قائلًا “اعتقال الأطفال جريمة”.
وبحسب تقديرات المحامى والناشط الحقوقى عمرو علي الدين، التي وصفها بالحقيقية، فإن عدد الأطفال المعتقلين في قضايا سياسية، تجاوز أربعة آلاف طفل.
هل تعرّفت على الانتهاكات وقرأت الإحصائيات؟ إليك قصص بعض هؤلاء الأطفال.
أكرم.. معتقل بتهمة كشف تعذيب الأطفال
أكرم إبراهيم الصاوى طفل لا يتجاوز عمره الـ 14 عامًا تم اعتقاله مرتين، في المرة الأولى كانت التهمة قطع الطريق الدائري، والثانية كانت بسبب كشفه عن تعذيب واعتقال أكثر من 200 طفل رآهم داخل مكان احتجازه.
وقال أكرم في شهادته التي نُشرت قبل اعتقاله: “معسكر بنها عبارة عن 3 أدوار، الدور الأول والثالث سياسي واللي في الوسط عساكر مسجونين، وكل زنزانة فيها حوالي 25 معتقل، الموجودين هناك وسنهم صغير حوالي 200 واحد، كان فيه واحد بس أصغر مني عنده 13 سنة، وواحد كبير عنده حوالي 20 سنة اسمه حسين”.
صهيب.. عامان من المرض خلف القضبان
قضى الطفل صهيب عماد ما يقرب من العامين خلف القضبان، وتحكي والدته قصة اعتقاله، فتقول: “في يوم الثلاثاء، 1 فبراير حاولي الساعة السابعة ونصف قامت قوات الأمن بمداهمة المنزل والقت القبض على صهيب وأخيه بدون إذن نيابة بعد تحطيم المنزل وتكسيره، وتم سرقة اللاب توب والتليفونات المحمولة الخاصة بنا، كما قامت النيابة باتهامه بعدة قضايا منها حيازة أسلحة بيضاء ومولوتف”.
أصيب صهيب في محبسه بروماتيزم بركبته اليمنى، بسبب سوء المعاملة داخل المؤسسة العقابية ولم تنجح العقاقير في شفائه حتى قام بإجراء عملية جراحية بها في أغسطس الماضي.
وننقل هنا ما قالته أخته سمر عن حالته بقسم ثان المنصورة، “مش عارفة اكتب إيه أو إزاي، بس صهيب في أوضة جوا قسم تاني، وحشة أوي بجد والوضع مقرف وبيعاني فعلاً، يعني أعتقد لو كان مش تعبان كانت هتبقي أهون شوية لأنه مبيعرفش يتحرك غير بمساعدة، ووضع الحمام حاجة تانية خالص الصراحة غير بقى التشديد اللي هناك”.
سيف أسامة.. أصغر معتقلي دمياط
سيف أسامة شوشة، طفل يبلغ من العمر 16 عامًا، تم اعتقاله يوم 3 أغسطس 2014 بعد قيام بلطجية بالاعتداء عليه بالأسلحة البيضاء، وتسليمه إلى قسم شرطة دمياط الجديدة، ولم يتم علاجه أو نقله إلى المستشفى.
ويروي والده ووالدته في هذا الفيديو، أنه خرج للتنزه مع أصدقائه، في مدينة دمياط الجديدة، فاعتدى عليه عدد من البلطجية، بالأسلحة البيضاء وركلوه بأقدامهم وأصابوه في رأسه بجرح قطعي وكدمات في بطنه وظهره.
سيف بعد فصول عديدة في النيابة العامة، تمت إحالة قضيته إلى القضاء العسكري، في انتهاك قانوني واضح، حيث إنه طفل ومدني، ولا يجوز محاكمته عسكريًا، ليُعرض على النيابة العسكرية دون علم أسرته أو محاميه، لتقوم المحكمة بالحكم عليه بالسجن مدة 3 سنوات.
مرضه لم يكن سببًا لرحمته من التعذيب
كان الطفل السيد جمال السيد، البالغ من العمر 12 عامًا ويدرس بالصف الخامس الابتدائي، على موعد مع فصلٍ مرعب في حياته، يوم الجمعة الموافق، 23-1-2015، في مدينة السادات بالمنوفية.
حيث تم اعتقاله من الشارع عشوائيًّا ليتم تعذيبه وضربه داخل قسم شرطة المدينة، ويتم عرضه على النيابة بملابسه الداخلية وتقرر الأخيرة حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيق، رغم أنه مريض ويعاني من مرض بالسكر.
كُل ذلك مخالفةً لنص اتفاقية حقوق الطفل الدولية، الموقع عليها من قِبل الحكومة المصرية، والتي تنص بعض بنودها على:
– ألا يعرّض أي طفلٍ للتعذيب أو أي شيء، من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية المُهينة.
– ألا يُحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية، ويجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقًا للقانون ولا يجوز ممارسة هذا إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة.
من المتهم؟
بعد استعراض كُل هذه البيانات والإحصائيات، واستعراض بعض قصص الأطفال المعتقلين، فإنه ليس من المنطقي اعتبار وزارة الداخلية، المتهم الوحيد في هذه الكارثة الإنسانية، فإن النظام الحالي قد نجح في توريط عدد من الجهات كان من المفترض أن تحمي نفسها أولًا من السقوط في وحل اللاإنسانية الذي ترعاه الأجهزة الأمنية، وتقوم بحماية حقوق الأطفال في مصر، وعدم تعريضهم إلى كل هذه الانتهاكات.
إن المجلس القومي للأمومة والطفولة هو المتهم الأول بعد الأجهزة في هذه الجرائم، وهو الذي تغاضى عن كُل هذه الانتهاكات، رغم أن دروه الأساسي هو العمل على حماية الطفل من كُل الجرائم التي يتعرض، لكن المجلس الآن يقف دور المتفرج في كُل هذه الانتهاكات.
وأيضًا تبريرات المجلس القومي لحقوق الإنسان المتكررة لموقف النظام المصري وتزييفه لواقع كثير من الانتهاكات الإنسانية في مصر، تجعله ضمن نطاق الاتهام، فالمجلس لم يتخذ خطوةً جدية واحدة لحماية كُل هؤلاء الأطفال من هذه الجرائم، بل أطلق المجلس العديد من البيانات والتصريحات، التي تؤكد أن حقوق الإنسان في مصر في “أبهى صورها”.
إن أذرع الدولة القضائية أضحت تقف موقف العدو من أطفال مصر، وتقوم نياباتها بتمديد حبس هؤلاء الأطفال، وتقوم محاكمها بإنزال أقسى العقوبات عليهم في مخالفات صريحة لقانون الطفل والمعاهدات الدولية الموقعة عليها مصر، وتبرر تلك الإجراءات لأجهزة القمع الرسمية، حالة السعار الأمني التي نراها اليوم بحق الأطفال.
وفي هذا الصدد، لا يمكن إغفال، دور القضاء العسكري، الذي ينظر العديد من قضايا الأطفال ويقوم بالحكم المشدد عليهم في كثير من القضايا.
كذلك وفي خلفية كُل هذا، لا يمكن تحت أي ذريعة تنحية قانون الطفل جانبًا، الذي يحمّل وزارة التضامن الاجتماعي مسؤولية تسيير وإدارة والتعامل مع الأطفال المحتجزين، الذين يعانون أقسى صنوف التعذيب والإهانة في السجون والمؤسسات العقابية، ما يضع الوزارة، ضمن قائمة المنتهكين لحقوق الأطفال.
كما يجدر القول، بأن وقوف الأمم المتحدة، ومقرريها المختصين بحقوق الإنسان والأطفال، هذا الموقف غير الإيجابي الذي لا يتعدى الشجب والإدانة، يزيد من معاناة الطفل المصري، وعدم تحرك المنظمة وأدواتها، في هذا الصدد، بشكل جدي، يساعد النظام المصري على التمادي في انتهاكاته، في ظل هذا الصمت الدولي.