تعتمد الفلسفة الناشئ عنها تغيير على أربعة حواجز رئيسية إذا كسرت جميعها أو معظمها فإن فعلًا تغييريًا سيحدث نتيجة زيادة الرقعة المشاركة في التغيير سواء قامت الحملة العنيفة بكسر هذه الحواجز أو قام المنهج اللاعنيف بكسرها.
ولعلنا نذكر تصنيفًا سريعًا لأنواع العنف الموجود في الحالة المصرية قبل الدخول إلى الأنواع الأربعة للحواجز والحديث عنها:
أنواع العنف في الحالة المصرية
في الحالة المصرية يمكن تصنيف العنف تحت واحد من ثلاثة أسباب:
1- المتبنيون للعنف بتعريفهم له أنه جهاد داخل إطار الحلم الأكبر المتعلق بإعادة الخلافة، وهؤلاء يمكن تصنيفهم إلى الجهاديين وبعض معتنقي فكرهم من غير الحاملين للسلاح وتعتبر العمليات القائمة في سيناء من ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة أحد أهم عناصرها.
2- المتبنيون للعنف من أجل الانتقام أو الردع تحت مسمى العمليات النوعية الخشنة ولا يوجد تفريق بين الانتقام والردع حيث إن النتيجة المترتبة على الهدفين واحدة؛ فهي تنتهج منهج خشن في التعامل مع عناصر الدولة من الشرطة أو الجيش أو مؤسسات الدولة والبنية التحتية لها فهؤلاء يتبنون عمليات الاغتيال المتعلقة ببعض أفراد الشرطة باختلاف مناصبهم والمتعلقة باختطاف عدد من المخبرين وتصفيتهم أو عمليات حرق وتفجير بعض أقسام الشرطة أو متعلقاتها أو زرع القنابل في بعض الأماكن وتفجيرها أو استهداف شخصيات من الدولة شاركت في عملية الانقلاب وخلافه.
العنف الممنهج والعمليات النوعية الخشنة التي يخطط أصحابها داخل إطار الثورة فهم يستخدمون العنف داخل الخطة الأكبر المتعلقة باسقاط النظام الحالي.
الحواجز الأربعة للمشاركة:
- الحاجز الأخلاقي.
- الحاجز المعلوماتي.
- حاجز الالتزام والانضباط.
- حاجز المشاركة الذاتية.
يبقى الحديث حول الأربعة حواجز المعيقة للمشاركة أمرًا مهمًا:
الحاجز الأول: حاجز المشاركة الفعالة
نقصد بها قيام الفرد بالمشاركة في الفعاليات الموجودة ليس مجرد على مستوى الاقتناع بالفكرة إنما القيام بفعل في المشاركة سواء كان الفعل إيجابيًا أو سلبيًا.
إن المشاركة الفعالة في المنهج العنيف تصنف مشاركة (عالية الكلفة عالية الخطورة) وتعتمد أيضًا على وجود مهارات خاصة للمشارك مثل التدريب المطلوب للتعامل بالعنف، القدرة الطويلة على التحمل، القدرة على استعمال الأسلحة، وأحيانًا تتطلب الانعزال عن المجتمع والعمل في الظلام.
لكن في المقابل فإن المشاركة في المنهج اللاعنيف قد تتطلب بعض الأمور أيضًا كالإرادة والتصميم والقدرة على التحمل لكنها لسعة أدواتها التكتيكية وسعة الاختيارات المتاحة للتطبيق فإن ذلك يسمح للمشاركين بتنوع في الأداء؛ فعلى سبيل المثال فإن الجلوس في البيت وقت الإضراب العام هو مشاركة فعالة في العملية، ولذلك فإن العمليات اللاعنيفة تحتوي على طيف من التكتيكات تبدأ من تكتيكات مهاجمة عالية الخطورة إلى تكتيكات سلبية قليلة الخطورة.
إن المشاركة في عمليات الإضرابات العمالية والمقاطعات الاقتصادية والاعتصامات لا يحتاج إلى تدريب معين أو عمر معين أو قوة وتدريب خاص، أيضًا يمكن المشاركة فيه للنساء والرجال على حد سواء بينما تقتصر المشاركة في عمليات العنف بالأخص في الحالة المصرية على عدد من المحددات، حيث تتطلب مشاركة من الشباب وتتطلب أن يكونوا ذكورًا فقط وتتطلب تدريب وتأهيل عالٍ لهم مما يضعف حجم المشاركة ويحجمها.
الحاجز الثاني: الحاجز المعلوماتي
يرى الباحثون أن معدل المشاركة في عمليات الاحتجاج تزداد عندما يكون متوقعَا مشاركة عدد كبير من المشاركين في العملية الاحتجاجية.
لذلك يجب على الحملة التغيرية أن تعتمد سياسة الانفتاح المعلوماتي في نشر الأعمال والأهداف الخاصة بها من أجل القدرة على تجنيد عدد أكبر من الطيف المجتمعي، حيث إن سهولة الوصول إلى المعلومة أو سهولة الانضمام للحركة يسهل عملية التجنيد ويزيد من رقعه انتشارها ويزيد معدل الثقة أن تلك الحركة لا يوجد لها أجنده داخلية.
على الجانب الآخر فإن منهج العنف يتحتم عليه المحافظة على سرية معلوماته وعدم تداولها والحفاظ على المعلومات المتعلقة بالأفراد والأهداف والفعاليات مما يخلق حالة من العزلة بينهم وبين المجتمع ويؤدي إلى الدخول في حالة انعزال معلوماتي عن المجتمع.
لكن قد يقول البعض إن نتيجة العملية هي بمثابة إعلان عن الفعاليات المقامة فعمليات الخطف والاغتيال والتفجير هي في الأصل عمليات مكشوفة تعلن عن نفسها وبالعكس فإنها تجذب الآله الإعلامية لها بشكل أكبر.
يظل غياب المعلومات التي تعرف بالحركة أو غياب المظاهر الواضحة للمعارضة أمر يحول دون زيادة عدد المجندين في الحركة.
بينما تحتاج حركة اللاعنف إلى وقت طويل من التجهيز وتحتاج إلى تواصل كبير وتنظيم للوصول إلى حدث كبير يمكن أن يحدث صدى إعلامي كبير، لكن على العكس فإن تفجيرَا واحدًا أو عملاً انتحاريًا أو اغتيال أحدهم يمكنه أن يعلن عن نفسه؛ فهو يمثل مادة جاذبة للإعلام من تلقاء نفسه.
إذًا تتميز حركة اللاعنف بقدرتها على تداول المعلومات بشكل أكبر لأن فلسفتها الرئيسية قائمة على نشر أفكارها بأكثر طريقة مكشوفة من أجل تجنيد أكبر عدد من الناس بينما تعتمد الحركة العنيفة دائمًا على السرية والحيطة الكبيرة في نشر المعلومات المتعلقة بها من أجل الحفاظ بشكل أكبر على كيانها، لكنها في المقابل تعد أعمالها جاذبة للإعلام بشكل أكبر من اللاعنيفة في العادة.
في بعض الأحيان تحتاج الحركة اللاعنيفة إلى إخفاء نشاطها والعمل في الظلام من أجل الحفاظ على أفرادها أيضًا مثل الأوقات التي يمضيها قيادات الحركة في التخطيط لأفعالهم، وهذا يحدث في الأنظمة شديدة القمعية خصوصًا عند بدايات تشكيل الحركة وعدم وجود قاعدة صلبة قوية ترتكز عليها، لكن تظل القاعدة العامة أن المنهج اللاعنيف يعتمد بشكل أقل على العمل في الظلام من نظيره العنيف.
الحاجز الثالث: الأخلاقي
قد يمنع حاجز الأخلاق والتقاليد الموجودة في مجتمع ما من المشاركة الفعالة في أي حركة تغيير فعلية، لكن تظل احتماليات المشاركة في المنهج اللاعنيف هو الأكثر احتمالاً وسهولة من نظيره العنيف.
قد ينظر البعض إلى أن عملية تهديد السلم العام وإثارة الفوضى في البلاد أمر لا يتماشى مع أخلاقه ومبادئه، لكن إذا اعتبرنا أن ذلك أحد الحواجز فإنه على صاحب المنهج اللاعنيف إسقاط هذا الحاجز فقط ليستطيع تجنيد الشخص معه في الحركة بينما سيكون على صاحب المنهج العنيف إسقاط هذا الحاجز أولاً ويتبعه عدد من الحواجز الأكبر كحمل السلاح مثلاً ثم بعدها استخدام هذا السلاح في قتل أحدهم إما بحجة الدفاع عن النفس أو بمنطق الهجوم لتحقيق مكاسب أو أن يكون هناك حاجز مثل أن يتخلى عن حياته الاجتماعية أو أن ينعزل عنهم، كلها حواجز تضاف لمنهج العنف بشكل أكبر مما يجعل أمام معتنق الفكر العنيف كسر عدد كبير من الحواجز الأخلاقية من أجل تجنيد أعداد جديدة لفكرته على عكس العدد المطلوب من نظيره اللاعنيف.
إن مجرد الدعم الفكري أو التأييد لأفعال حركة عنيفة دون المشاركة فيها قد يمثل خطورة على الشخص سواءً على المستوى الأمني أو القانوني أو يمثل خطورة على عائلته، الأمر قد يكون مشابهًا للمؤيد لمنهج اللاعنف لكن مع اختلاف مقدار الخطورة.
الحاجز الرابع: الانضباط والالتزام
بجانب حواجز المشاركة الفعالة والحاجز المعلوماتي والأخلاقي، فإن المنهج اللاعنيف يعطي الفرصة بالمشاركة التفاعلية ولا يتطلب من أعضائه انضباطًا والتزامات محددة أو تضحية بمقدار فوق طاقته، بينما لا تقوم الحركة العنيفة إلا على قدر كبير من الالتزام والانضباط بين أفراده وأيضًا على مقدار كبير من التضحيات والخطورة تتمثل عقباته في أربع نقاط:
الأولى: يتطلب تجنيد فرد جديد في الحركة العنيفة تدريبًا خاصًا به وأن يكون على مستوى جيد من المهارات الضرورية لتمكنه من القيام بالمهمات التي ستسند إليه في الحركة بينما العكس في المنهج اللاعنيف.
المشاركة في عملية نوعية لاغتيال أحد ضباط الشرطة (على سبيل المثال عميلة وائل طاحون) إذا أفترضنا استخدام سيارة أو دراجة نارية وعدد من الأسلحة الآلية ولنفترض أن القائم بالعملية هم شخصين فإن الأمر يتطلب تدريبًا خاصًا لكليهما من ناحية القيادة للدراجة النارية وأيضًا من ناحية التدريب على استخدام السلاح، أضف إلى ذلك إذا كانت العملية أكبر من ذلك وتحتاج إلى أعداد أكبر أو خلافه.
إن تجهيز قنبلة لتفجيرها يتطلب مهارة وتدريب خاص للقيام به بصورة سليمة مع وجود احتمالات كبيرة بانفجار العبوة أثناء إعدادها.
قد تكون التدريبات في بعض الأحيان سهلة فلتحضير قنبلة عليك أن تبحث على الإنترنت فقط وستجد ألف دليل لكن يظل عامل التدريب إلزاميًا مع وجود معدلات خطورة عالية فيه.
بينما للمشاركة في مظاهرة أو المشاركة في حملة لا عنيفة مثل استغلال احتفالات رأس السنة لتوزيع هدايا على المارة بداخلها منشورات مضادة للانقلاب فإن ذلك لا يتطلب أي نوع من أنواع التدريب المسبق عليه.
ثانيًا: إن درجة الانضباط والالتزام يجب أن تكون عالية جدًا عند المشترك الجديد في الحركة العنيفة خصوصًا في بدايتها من أجل الحفاظ على السرية أو من أجل الالتزام بكل الأفعال المطلوبة منه حتى وإن لم يجد لها تفسير وقد يطلب منه في البداية القيام بأحد الأعمال العنيفة كبرهان على التزامه بالأوامر.
ثالثًا: في حالات ملاحقة النظام للمعارضين له فإنه في حالات اللاعنف قد يستطيع المشارك أن يعود إلى بيته وعمله وحياته الخاصة بعد الانتهاء من المشاركة في إحدى الفعاليات، حتى في أكثر الحالات قمعًا فإن النظام يتتبع كل المشاركين سواء كانوا في حالات عنف أو لا لكنه تحت حاجز المشاركة الكبيرة وعدم القدرة على تتبع الجميع فإن عددًا كبيرًا من المشاركين في اللاعنف يعودون إلى حياتهم ما لم يكونوا قياديين أو أصحاب أسماء معروفة، بينما قد يصعب ذلك على المشارك في المنهج العنيف ذلك فتتبع أثار منفذي عملية اغتيال يكون أكثر تركيزًا وتدقيقًا من قِبل قوات الأمن والأجهزة الشرطية من تتبع المئات أو على أقل تقدير عشرات المشاركين في تظاهرة كما في الحالة المصرية.
قامت قوات الأمن المصرية باغتيال عدد من الأفراد المشاركين في عمليات نوعية (بعضهم استغلت القوات الأمنية الفرصة لاغتيالهم بحجه التخطيط لعمليات عنف) حيث كان تتبع هؤلاء أو الوصول إليهم أمرًا معينًا، فهم يريدون الوصول إلى أفراد محددين معينين معروفين لدى الأجهزة الأمنية لكن يظل الاعتقال أثناء المشاركة في مظاهرة هو اعتقال عشوائي غير مقصود به أشخاص محددين.
أي أن التضحيات في الحياة الاجتماعية والفردية للمشارك في عمليات اللاعنف هي بأي حال من الأحوال تظل أقل خطورة من نظيرتها في العنف.
رابعًا: تكتيكات منهج اللاعنف تسمح بطيف أوسع بتكتيكات قليلة الخطورة لكن يظل معامل الخطورة موجود، فلا يوجد عمل معارض دون التعرض لمخاطر أو مشاكل، لكن تظل الأعمال العنيفة أعلى خطورة وأكثر تعرضًا للمشاكل.
تظل الحالة المصرية هي محل الدراسة حيث تنطبق المعادلة التالية
قمع شديد + قله الإبداع في التكتيكات + ازدياد حالة اليأس= التفكير الأسهل في منهجية العنف
لكن لعل الإجابات في هذا البحث كانت تركز على أن العلة ليست في المنهج المستخدم ولكنها في الطريقة التي نفكر بها فبمنطق البحث الاختباري فإن المنهج نجح في عدة أماكن وتجارب أخرى مع العلم أن استنساخ التجارب الإنسانية شبه مستحيل لكن يظل السمة العامة للمنهج التغييري له سمة وأسلوب عام يمكن تكراره.