توجد اليوم مؤشرات على اقتراب قيام “مجلس خبراء القيادة” بممارسة مهمته الرئيسية المتمثلة باختيار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، خصوصًا بعد توارد الأنباء عن مرض خامنئي وإجرائه لعملية جراحية تناولها الإعلام الإيراني بشكل علني، الأمر الذي يجعلنا نطرح عدة أسئلة عمن سيخلف خامنئي في حال وفاته أو في حال تعذر عليه مواصلة مهامه وصلاحياته.
تناقش هذه الورقة آليات اختيار المرشد الأعلى بالإضافة إلى أبرز المرشحين لشغل هذا المنصب وانعكاسات ذلك على الخارطة السياسية في إيران والمنطقة العربية، كما تطرقت الورقة إلى أبرز ما تمخضت عنه الانتخابات الخامسة لمجلس خبراء القيادة التي جرت في السادس والعشرين من شهر فبراير الماضي.
آلية اختيار المرشد
بعد انتخاب أعضاء مجلس خبراء القيادة عبر الانتخابات الشعبية المباشرة، يقوم المجلس باختيار أحد الفقهاء الجامعين للشروط المذكورة في المادة (109) من الدستور، وإلّا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدًا.
الشروط الواجب توافرها في المرشد
1- الكفاءة العلمية اللازمة للافتاء فـي مختلف أبواب الفقه.
2- العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية.
3- الرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير والشجاعة، والقدرة الكافية للقيادة، وعند تعدد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة يفضل من كان منهم حائزًا على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره.
1- مجلس خبراء القيادة
قام الإيرانيون في 26 شباط/ فبراير 2016 بانتخاب مجلس خبراء القيادة، المكون من 88 عضوًا جميعهم من الرجال، تناط بهم مهمة اختيار المرشد الأعلى، وقد توالى على رئاسة مجلس الخبراء رجال مقربون من آية الله خامنئي، في العام 1990 تصدى لرئاسته آية الله على مشكيني إمام وخطيب جمعة قم، وبعد وفاته 2007 خلفه الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني حتى 2011، حيث انتخب آية الله محمد رضا مهدوي كني، عقب خلافات عميقة بين المرشد ورفسنجاني بسبب إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد الرئيس السابق، ومؤخرًا جرى انتخاب آية الله محمد يزدي رئيسًا لمجلس الخبراء بعد أن انسحب آية الله محمود شاهرودي من المنافسة، في الانتخابات الداخلية لرئاسة المجلس التي تأتي بعد وفاة رئيسه محمد رضا مهدوي كني في أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
يقوم المجلس بمهمة اختيار المرشد الأعلى وذلك حسب المادة (107) من الدستور ومراقبة عمله، ووفقًا للمادة (111) فيحق للمجلس عزل المرشد إذا ثبت عجزه عن أداء واجباته أو فقد مؤهلًا من مؤهلات اختياره.
ويتم قبول الأعضاء المرشحين وفقًا لعدة شروط – لم يأت الدستور على ذكرها – وهذه الشروط هي: أن يكون المرشح “مجتهدًا ” أي أنه حاصل على درجة علمية تؤهله النظر في قوانين الشريعة الإسلامية واستنباط الأحكام منها، بالإضافة إلى تمتعه بسيرة حسنة وأن يتمتع بسمعة طيبة في التمسك بالدين والأخلاق، وبوجهات نظر سياسية واجتماعية سليمة، وأن يكون مؤمنًا بمبدأ ولاية الفقيه، بالإضافة الى تمتعه بسجل جنائي نظيف، وكان المجلس الثاني قد حدد جميع هذه المؤهلات في الفترة (1984-1991).
2- مجلس صيانة الدستور
يتكون المجلس من 12 عضوًا ويقوم المرشد الأعلى بتعيين نصف أعضائه، أما الستة الباقون فيكونون من الحقوقيين ويعينهم مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية، ويقوم المجلس بمهمة النظر في طلبات الترشيح المقدمة من قِبل المترشحين المتقدمين إلى الانتخابات التشريعية ومجلس خبراء القيادة، كما أنه يشرف على جميع الاستفتاءات التي تجري في الدولة، وهذا يعني عمليًا بأن اختيار خليفة المرشد يتم عن طريق المرشد نفسه بطريقة أو بأخرى.
أبرز المرشحين لخلافة خامنئي
1- آية الله العظمى محمد هاشمي شاهرودي: الأب الروحي للتيار المتشدد، ولد شاهرودي في مدينة النجف في العراق عام 1948 وتلقى تعليمه الحوزوي على يد محمد باقر الصدر (مؤسس حزب الدعوة)، وبعد خروجه من العراق إلى إيران أصبح ممثلًا لمحمد باقر الصدر فيها، وهو أحد مؤسسي “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقي” ومن المقربين لخامنئي وكان قد شغل منصب رئيس السلطة القضائية في الفترة الممتدة بين 1999-2009 ويحمل شاهرودي درجة “مرجع تقليد”، ليصبح ضمن القليلين الذين يحملون درجة علمية تخولهم شغل منصب المرشد الأعلى في الجمهورية.
وقد اتسمت فترة رئاسته للسلطة القضائية بكثرة الاعتقالات التعسفية والتضييق على المعارضين بالإضافة إلى التضيق على الصحفيين ووسائل الإعلام، لذلك فهو لا يتمتع بتأييد شعبي كبير.
ويشغل الآن عددًا من المناصب فهو عضو في مجلس صيانة الدستور، وكذلك عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام في الدورة الخمسية الحالية.
ولادته في العراق وتلقيه العلوم في حوزتها قد تضعف فرصه في النجاح، ويعود السبب في ذلك إلى العداء المبطن بين حوزة النجف وحوزة قم، فكل منهما تنظر إلى نفسها بأنها الأحق بقيادة شيعة العالم.
وفي حال فوزه فإن التأثيرات السلبية التي تنتجها إيران تجاه المنطقة ستتعاظم، فمشاركته بتشكيل “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” الذي شُكل بهدف ضرب الداخل العراقي وتصدير الثورة الإيرانية إليه وإلى باقي المنطقة، تعني أنه لا يؤمن بمبدأ تصدير الثورة فحسب، بل هو خبير في هذا المجال.
2- آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني: صانع خامنئي، وثعلب السياسة، قائد ديني وسياسي، ورئيس جمهورية إيران في الفترة (1989-1997)، بعد نجاح الثورة وتولي الخميني الحكم عُين رفسنجاني في مجلس الثورة، وشارك في تأسيس الحزب الجمهوري الإسلامي، وأسس لنفسه قاعدة سياسية، وتولى مهمة رئاسة القوات المسلحة في الفترة (1988-1989)، فاز رفسنجاني في الانتخابات الرئاسية بعد وفاة الخميني بنسبة 95% من أصوات الناخبين، وجاء هذا الفوز نتيجةً لحضور رفسنجاني القوي ودوره في إنجاح الثورة، بالإضافة إلى تجربته السياسية في الداخل والخارج، وقد عمل رفسنجاني في فترة رئاسته على تخليص إيران من مشاكلها الاقتصادية بالانفتاح على العالم والاعتماد على مبدأ السوق الحرة، وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية.
وما ميز رفسنجاني في إدارته للدولة أنه عمل على إشراك أعضاء حكومته في عملية صنع السياسات وتنفيذها خصوصًا فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية للبلاد، وقد عمل طوال فترة حكمه على حماية وزراء حكومته ضد مجلس الشورى، فكان إذا سحبت الثقة من وزيرٍ معين عمد رفسنجاني إلى تعيينه مستشارًا خاصًا له، كما أنه اعتمد في تشكيلاته الوزارية على التكنوقراط، فالعديد من وزرائه لم يكونوا متمتعين بمؤهلات ثورية وكان اثنان منهم فقط يحملان صفة حوزوية، وهو بذلك يعد من المناوئين السياسيين لخامنئي وللمؤسسة الدينية الإيرانية.
وقد تصاعدت حدة الخلاف بين خامنئي ورفسنجاني عام 2009 عندما هدد رفسنجاني خامنئي بالنزول إلى الشارع إذا ما أُعيد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسًا للجمهورية، وقد أفضت هذه الخلافات إلى إبعاد رفسنجاني وتنحيته عن رئاسة مجلس خبراء القيادة بضغط من خامنئي، ويرى خامنئي أن القضاء على التيار الإصلاحي لا بد أن يبدأ بالقضاء على رفسنجاني أولًا.
وفي الفترة الماضية تصاعدت حدة التوتر بين رفسنجاني ومؤسسة الحرس الثوري الإيراني؛ حيث انتقد رفسنجاني الدور الذي تلعبه قوات الباسيج (قوات التعبئة الشعبية) في التضييق على المرشحين الإصلاحيين، وفي حقيقة الأمر فإن تاريخ العلاقة بين الحرس الثوري ورفسنجاني لم تكن جيدة على طول الخط، فقد أدار الحرس الثوري حملات منظمة تهدف إلى إسقاط رفسنجاني وإبعاده عن الساحة السياسية الإيرانية، وتعود مسببات هذا العداء إلى النهج الاقتصادي الذي ينتهجه ويدعو إليه رفسنجاني، بالإضافة إلى سعيه إلى فتح علاقات موسعة مع الغرب، كذلك فكر رفسنجاني الذي يعد خليطًا من الفكر الليبرالي والفكر البراغماتي.
تصاعدت قوة وحضور رفسنجاني بعد انتخاب حسن روحاني في 2013، إذ بات يلعب دور الجسر الواصل بين المحافظين والإصلاحيين، ومن المتوقع أن يحصل رفسنجاني ومؤيدوه على نسبة كبيرة في انتخابات مجلس الشورى القادم، ويعود السبب في ذلك إلى حضور رفسنجاني القوي على الساحة الإيرانية؛ حيث إنه يحمل بصمة واضحة في التاريخ الإيراني الحديث، فعلاوة على أنه أحد أعمدة نجاح الثورة الإيرانية وعلاوةً أيضًا على المناصب الرفيعة التي حققها، فإنه أحد أسباب إنجاح علي خامنئي في وصوله إلى كرسي الولاية، ويتميز بالبراغماتية والواقعية السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وفي حال حصوله على منصب المرشد (وهو أمر مستبعد) فإن براغماتيته قد تخفف من حدة تعامل إيران مع الملفات العربية، والشاهد على ذلك موقفه من حرب الخليج الثانية 1991، حيث إنه لم يقف مع طرف على جانب الآخر وتعامل مع الحدث بواقعية وأدان كلًا من أمريكا والعراق وأبقى بلاده بعيدة عن الصراع الدائر في المنطقة، وقد تعرض بسبب موقفه هذا إلى انتقاداتٍ واسعة في الداخل الإيراني، وقد حصل رفسنجاني على مقعد في مجلس خبراء القيادة بعد فوزه في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي.
3- آية الله مصباح يزدي: ولد آية الله مصباح يزدي عام 1935 في مدينة يزد الصحراوية، وسافر إلى النجف لتلقي علومه الحوزوية ولكن عاد بعد عامٍ واحد إلى مدينة قم بسبب الضائقة المالية، وقد تلقى علومه على يد “آية الله الطبطبائ” وتجمع آية الله يزدي علاقة قوية مع الخميني، وقد قام يزدي بدعم من الخميني بتأسيس عدة مدارس ومؤسسات تعليمية أهمها قسم التعليم في مؤسسة فى طريق الحق ومؤسسة باقر العلوم ويرأس حاليًا مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي في قم، انتخب عام (1990م) نائبًا عن محافظة خوزستان في مجلس خبراء القيادة، كما انتخب مؤخرًا نائبًا عن أهالي طهران فى المجلس المذكور.
يعد موقف يزدي ضعيفًا نوعًا ما لأنه لا يحظى بتأييد أي من التيارات السياسية داخل إيران، كما أن آراءه غالبًا ما تكون عرضة للانتقاد من داخل المؤسسة الدينية.
4- آية الله أحمد خاتمي: خطيب الجمعة في طهران وغالبًا ما يعمل من خلالها على تبني مواقف المحافظين، ولد عام 1960 في مدينة سمنان، يعرف أحمد خاتمي بتشدده وولائه المطلق لخامنئي، كما أنه يعرف بتشدده في القضايا الاجتماعية، فضلًا على معارضته الشديدة لدعوة رفسنجاني بفرض الرقابة على المرشد، لذلك فهو يحظى بقبول قوي من المحافظين والحرس الثوري على حدٍ سواء وتعتبر هذه النقطة إحدى أهم نقاط القوة لديه، إلا أنه في المقابل لا يحظى بقبول شعبي نتيجةً لتشدده في المواقف الاجتماعية.
ولا يقتصر تشدده على المواقف الداخلية فقط، بل يتعدى ذلك إلى المواقف الخارجية؛ حيث إنه أطلق تهديدات شديدة اللهجة ضد الحكومة السعودية على خليفة إعدام رجل الدين “نمر النمر” ويعد هذا الموقف مؤشرًا واضحًا على مواقف خاتمي تجاه المنطقة وملفاتها.
5- صادق لاريجاني: رئيس السلطة القضائية، ولد صادق لاريجاني في النجف عام 1960، وهو من عائلة سياسية فهو أخو علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى، وأخو محمد جواد لاريجاني، رئيس قسم حقوق الإنسان في المجلس القضائي، يعرف بطاعته المطلقة لخامنئي، كما أنه يتمتع بعلاقات طيبة مع المحافظين.
في حال فوزه فلن تتغير مواقف إيران تجاه المنطقة، فهو محافظ قريب من خامنئي، وبعيد عن البراغماتية والمرونة السياسية التي يتمتع بها علي لاريجاني.
6- حسن الخميني: حفيد قائد الثورة الإيرانية، وغالبًا ما يشار إليه بـ”الإمام” في إيران، يعود الدور الخاصّ لحسن الخميني إلى عدد من العوامل بالإرث الأبوي، فهو الابن الأكبر لأحمد الخميني الذي أصبح اليد اليمنى للمرشد الأعلى وكان شخصيّة رئيسيّة في منزل الخميني بعد نجاح الثورة، بالإضافة إلى أن أحمد الخميني كان قد لعب دورًا محوريًا في إنجاح خامنئي ووصوله إلى الحكم جنبًا إلى جنب مع رفسنجاني.
درس حسن الخميني في الحوزة العلمية بمدينة قم، وفي الوقت الحالي فإنه من المدرسين المهرة والأكثر شهرة داخل قم.
يحسب حسن الخميني على التيار الإصلاحي، ومن الدلالات على ذلك أنه في لقاءٍ له مع صحيفة الشرق قال: “نحن نفتخر بماضينا، وننتقد وضعنا الحالي ونتطلّع بتفاؤل واحترام إلى مستقبلنا”، وهذا يعني أنه غير راضٍ عمن يحكم بعد جده، بالإضافة إلى أنه انتقد سياسات محمود أحمدي نجاد، وقاطع حفل تنصيبه، وعلَّق المراسم في ضريح جده الخميني، وتعرضت مواقفه للنقد والهجوم من قِبل شباب ينتمون لحزب الله إيران، الذين حاولوا منعه من الحديث في ذكرى وفاة جده، ورغم أن حسن الخميني أظهر في أكثر من موقف أنه ليس على نفس الصفحة مع التيار الأصولي وأعضاء مجلس الخبراء إلا أن لديه إرثًا واحترامًا داخل المجتمع الإيراني، ويحظى بقبول كبير من الأوساط الإصلاحية وتيار رفسنجاني.
تم رفض ترشيح حسن الخميني من قِبل مجلس صيانة الدستور الذي ينظر في طلبات الترشيح للانتخابات، معللين السبب في ذلك إلى أنه لم يحصل على درجة الاجتهاد وهذه الدرجة إما أن يحصل عليها برسالة علمية دينية يبحث فيها موضوعًا معيّنًا، أو بتأييد مكتوب وموقّع من عشرة رجال دين من “آيات الله”، أو عليه أن يخضع للامتحان ليثبت امتلاكه المعايير.
لكن سجلات تأييد الصلاحية لمجلس الخبراء تقول بعكس ذلك فهناك من جرى تأييد صلاحيته بدون هذه الشروط ومن أبرزهم:
– حجة الإسلام والمسلمين علي رضا أعرافی، رئيس جامعة المصطفی العالمیة.
– آية الله نصرالله شاه آبادي.
– حجة الإسلام والمسلمين سید محمد سعیدي ممثل الولي الفقيه في محافظة قم.
– حجة الإسلام والمسلمین سید محمد مهدي میر باقري.
بالإضافة إلى أن خامنئي لم يكن مستوفيًا لشروط الترشح لمنصب المرشد الأعلى وهذا يجعل البعد القانوني محل سؤال.
ويعد هذا الإجراء ضربةً لرفسنجاني في المقام الأول؛ حيث إنه كان يسعى لصناعة مرشد جديد، يستطيع من خلاله اكتساب نفوذ أكبر، أو أنه يرغب بسن قوانين تحد من صلاحيات المرشد الأعلى أو تغيير شكل الحكم عن طريق تشكيل تحالف قوي داخل مجلس الخبراء، وقد تنامى التخوف بين أوساط المحافظين والمرشد من هذا الأمر عندما قال رفسنجاني بضرورة تشكيل لجنة تملًا الفراغ الذي سيحصل بالسلطة في حال موت خامنئي أو دخوله في غيبوبة.
ويبدو أن دعم رفسنجاني لحسن الخميني جاء نتيجةً لتأكده من صعوبة حصوله على منصب المرشد الأعلى لعدة اعتبارات أهمها علاقته المتوترة بخامنئي ومؤسسة الحرس الثوري والمحافظين بشكلٍ عام، وبمنع حسن الخميني من الترشح تم قطع الطريق أمامه.
7- مجتبى خامنئي: ولد مجتبى خامنئي عام 1969 في مدينة طهران، ولا توجد أدلة على أنشطة سياسية لمجتبى قبل عام 2005، وكان أول حضور شبه علني له خلال عامي 2004 و2005 إثر وجوده في لجان الانتخابات التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد، و كان له الفضل في حصول أحمدي نجاد على تأييد والده في الانتخابات البلدية التي أفرزت فوز نجاد برئاسة بلدية طهران، ثم فوزه في انتخابات عام 2005 الرئاسية، ولمجتبى فريقًا استشاريًا رفيعًا، وتشير عدة تقارير إلى الدور الذي يلعبه مجتبى في اختيار قادة الحرس الثوري الأمر الذي خلق له نفوذًا قويًا في أوساط المؤسسة العسكرية الإيرانية، وقد تشكلت سمعته بين معظم الإيرانيين بارتباطه الشهير بقوات “الباسيج” وأجهزة الاستخبارات,
ورغم التعقيد الذي يحيط بانتخاب خليفة المرشد، وعلى الرغم من افتقاده للمؤهلات الدينية والسياسية، إلا أنه يبقى في مقدمة الأسماء التي تطرح على هذا الصعيد، فهو من السادة، وما زال شابًّا مقارنة بباقي المرشحين، بالإضافة إلى نفوذه المالي والأمني، وقد تشكلت سمعته بين معظم الإيرانيين بارتباطه الشهير بقوات “الباسيج” وأجهزة الاستخبارات، ويمتد نفوذ مجتبى إلى خارج إيران، حيث تجمعه علاقات قوية مع قادة كبار في حزب الله، وقد وُجِّهت له اتهامات بخصوص صفقات تجارية مع الخارج، وسعى خلال السنوات الأخيرة لتذليل العقبات التي تعترضه، وانخرط في الدروس الدينية سعيًا للوصول إلى مرتبة مجتهد.
إن من يدعم تنصيب مجتبى عليه أن يتجاوز ثلاث عقبات، هي: 1- الحوزة العلمية في قم، وأتباع الإمام الخميني المشهورون. 2- آية الله هاشمي رفسنجاني، بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة النظام الثورية والمناهضة للملكية لا تشجع عملية التوريث.
دلالات نتائج انتخاب “مجلس خبراء القيادة”
فاز آية الله هاشمي رفسنجاني بـ 51% من أصوات المقترعين البالغة (4.500.894) صوتًا في انتخابات مجلس الخبراء، وجاء أولًا، وحَلَّ الرئيس الإيراني حسن روحاني في المرتبة التالية، فيما حلَّ آية الله أحمد جنتي، المعروف بمواقفه المناهضة لرفسنجاني في المرتبة السادسة عشرة والأخيرة في مقاعد مدينة طهران، وخرج من المجلس كل من آية الله مصباح يزدي الذي وُصف في فترة من الفترات بـ (الأب الرُّوحي لأحمدي نجاد)، وكذلك الرئيس الحالي للمجلس آية الله محمد يزدي.
وعلى الرغم من أن القائمة المشتركة بين الإصلاحيين والمعتدلين قد حصلت على أغلبية المقاعد في مجلس الخبراء (35 مقعدًا)، إلا أن المجلس لم يفقد صبغته الموالية للمرشد ويبدو ذلك جليًا في التصريحات التي أعقبت نتائج الانتخابات فقد قال محمد يزدي: “هذا المجلس أكثر وفاءً للمرشد”، قد يصنف هذا التصريح ضمن دائرة حرب التصريحات والتقليل من وقع الخسارة، وقد يفهم في إطار حرب اختيار المرشد، فمن المؤكد أن عملية اختيار المرشد الجديد ستكون خاضعة لقواعد اللعبة الإيرانية المعقدة، والتي تخضع غالبًا لإرادة المؤسسة الثورية (سياسيين موالين لخامنئي والحرس الثوري الإيراني).
أبرز التغييرات التي طرأت على تركيبة المجلس
– خروج آية الله مصباح يزدي وآية الله محمد يزدي (خصوم رفسنجاني) من طهران لكن تلاميذهم حضروا بقوة في المحافظات.
– الكثير من أعضاء المجلس كان لديهم تحفظات كبيرة على موقف هاشمي رفسنجاني من أحداث 2009.
– كثير من الفائزين عبروا عن معارضتهم لطرح رفسنجاني فيما يتعلق بلجنة لانتخاب المرشد.
هذا يعني بأن فرص هاشمي رفسنجاني في صناعة المرشد الجديد ستكون ضئيلة جدًا، ويرجع السبب إلى أن 90% من المرشحين الاصلاحيين تم استبعادهم من المشاركة في الانتخابات من قِبل “مجلس صيانة الدستور”، إن هذه التركيبة في المحصلة منحازة في ولائها للولي الفقيه، وذلك ينطبق على كثير من المرشحين المنضوين ضمن تحالف الإصلاحيين وتيار الاعتدال التابع للرئيس حسن روحاني.
انعكاسات تعيين المرشد الجديد على إيران والمنطقة العربية
ستلعب مؤسسة الحرس الثوري وبعض الشخصيات والمؤسسات الموازية التي قام خامنئي ببنائها خلال العقدين الماضيين دورًا كبيرًا في عملية اختيار المرشد القادم – لا محالة – وذلك في ظل نفوذها السياسي والاقتصادي وتغولها على باقي مؤسسات الدولة، بالإضافة الى وجود خلافات وصراعات شديدة يقودها تيار المحافظين والمعتدلين، وإذا ما قامت هذه المؤسسات بهكذا خطوة فإننا سنكون أمام إفرازات داخلية وخارجية؛ فأما داخليًا ففي حال تم فرض مرشد محسوب على طرف دون الآخر فإن صراعًا شديدًا سينشب بين القوى السياسية الإيرانية المختلفة، وخارجيًا؛ فثمة تحالف استراتيجي بين الحرس الثوري ومؤسسة ولاية الفقيه، حيث يضمن هذا التحالف استمرارية الهيمنة على الدولة وصناعة قرارها الداخلي والخارجي، وهو ما يعني ثبات الموقف الإيراني فيما يخص الأزمات المختلفة في المنطقة (العراق، سوريا، اليمن) على الأقل في بداية حكم المرشد الجديد، حيث إنه سيكون على الأغلب ضعيفًا لحين تثبيت أركان حكمه.
خلاصة
من الصعب التكهن بهوية الخليفة القادم لخامنئي، ناهيك عن صعوبة التكهن بما إذا كان “مجلس الخبراء” سيستخدم حقه القانوني في الاختيار أصلًا، إذ من الممكن أن يتم تغيير القوانين والتجاوز على صلاحيات المجلس ولعل قيام خميني بعزل خليفته حسين منتظري، نتيجةً لاحتدام الخلاف السياسي بينهما، دون الرجوع إلى “مجلس خبراء القيادة” أو “مجلس تشخيص مصلحة النظام” مثالًا حيًا على أن المرشد الأعلى يمارس ما يراه مناسبًا دون أي رقابة، والعكس صحيح أيضًا، فإذا كان النظام يريد السماح لأي شخص بأن يشغل منصبًا سياسيًا معينًا دون توافر الشروط الواجب توافرها فإنه سيقوم بتعديل القوانين لكي يتسنى تعيين الشخص المراد وهذا ما حصل فعليًا مع “الخامنئي” الذي لم يكن حاصلًا على درجة “آية الله” حين اُنتخب مرشدًا للجمهورية خلفًا للخميني.
كما أن ذهاب مرشد ومجيء آخر لن يؤثر على السياسات الخارجية الإيرانية خصوصًا فيما يتعلق بالمنطقة العربية، حيث إن هذه السياسات محكومة من قِبل رغبات وقناعات مؤسسات متنفذة تدير الملفات في الداخل والخارج الإيراني، مثل مؤسسة الحرس الثوري، بالإضافة إلى بعض الشخصيات والقوى التي كان لها الدور في مساعدة الخميني في ثورته.