في عالم تزخر فيه حركة المال والاستهلاك هو المحرك الرئيسي فيه للاقتصاد ، بدونه لا يوجد طلب والطلب هو المحفز الوحيد على الإنتاج، فإذا انعدم الطلب انعدم الإنتاج، وبالتالي لم يعد هناك توظيف فترتفع البطالة وتتسع رقعة الفقر، في عالم اليوم حيث الماركات التجارية ملأت الأسواق وتنافست الشركات على الزبون لإغرائه من أجل شراء منتجاتها وخدماتها، في حياة كهذه يصبح الحليم حيران لا يعرف ماذا يفعل، هل يتبع قاعدة “اصرف ما في الجيب يأتيك في الغيب” أم يتبع “ادخر قرشك الأبيض ليومك الأسود” هل عليه أن يستجيب لنظريات السوق الاستهلاكية وينعم بكل ما هو جديد ويكتسب عادات الإنفاق بكل أشكالها، فتراه يحمل هاتفًا فإذا صدر آخر أحدث يرميه ويشتري الأحدث.
هناك كثير من الأشخاص قادرين على موازنة هذه المعادلة بين الادخار والاستهلاك، من خلال إدراك أن استهلاك معظم المرتب سيؤدي إلى دخولهم في حالة تقشفية بعد التقاعد أو بعد الخروج من العمل لهذا يسعون إلى تعادل هاتين العادتين بانتظام فلا يكونوا مبذرين ولا بخلاء.
شيء مهم في الاقتصاد علينا كعمال وموظفين أن نعرفه ويصبح من ثقافتنا اليومية؛ الدخل والادخار والاستثمار، أما الدخل فيشير إلى النقود التي يستطيع الفرد إنفاقها على الاستهلاك خلال فترة زمنية معينة سواء من بيع خدماته أو عائدات الأصول التي يملكها، أما في إطار المؤسسات فيشير الدخل أو الإيرادات إلى إجمالي الإيرادات مخصومًا منها النفقات.
وفي حال كان إنفاق الشخص أكثر من دخله يسمى هذا اقتراضًا أو ادخارًا سالبًا، أما إن كان الإنفاق أقل من إجمالي الدخل فيسمى حينها ادخارًا إيجابيًا وعند انفاق الشخص جزءًا من المدخرات بغرض الحصول على دخل في المستقبل يسمى هذا استثمارًا.
الاستثمار يزيد الدخل المستقبلي
مما لا شك فيه أن الادخار يقلل حجم الاستهلاك الذي يمكن أن تستمتع به في الوقت الحاضر، ولكن من ناحية أخرى فإن فائدة الادخار والاستثمار هو زيادة حجم استهلاكك في المستقبل، كيف يتم هذا؟
لنتخيل معًا شخصين موظفين في نفس الشركة يأخذ كل منهما الراتب نفسه ولكن كل شخص يتصرف بسلوك مالي مختلف؛ فالأول هو خالد شخص مسرف يحب أن يستهلك ويشتري كل ما يحلو له في حين أن محمد لا يحب ذلك ويؤمن بالادخار، سنفترض أنهما في بداية عهد العمل وسيبقوا في نفس العمل حتى التقاعد.
الوضع المالي لخالد يبدو كما في الجدول التالي:
في الجدول أعلاه نرى كيف أن خالد يحب الاستهلاك فيصرف 95% من مرتبه ويقوم بادخار 5% فقط من راتبه، هذا المدخر يقوم باستثماره ويأخذ عليه فائدة قدرها 5%، يتراكم هذا المبلغ مع مرور الوقت وفي السنة السادسة يصبح المبلغ 3016 مع بقاء المرتب ثابت، ودعونا نتخيل هنا أن خالد توقف عن العمل أو أنه أكمل فترة عمله كاملة وأحيل للتقاعد فانقطع سيل الراتب البالغ سنويًا 12000 وعندها سيلجأ إلى المبالغ التي كان يستثمرها ليصرف منها على حاجياته واستهلاكه الذي اعتاد أن يصرف بكثرة، سيجد خالد إذا توقف عن العمل في السنة الخامسة أنه لا يملك سوى 3016 دولارًا أي قرابة 20% من راتبه الذي كان يتقاضاه وهذا لا يكفيه لأن يقعد عن العمل لمدة شهرين فقط، وعند التقاعد سيجد خالد أيضًا أنه يملك مبلغًا لا يكفيه في فترة تقاعده وسيضطر للدخول في حياة تقشفية من أجل يكفيه المبلغ الذي ادخره ولأنه عود نفسه على الصرف والاستهلاك سيدخل في دوامة الدين والاقتراض.
أما الآن فدعونا نرى محمد وجدوله المالي:
محمد مثل خالد من حيث الراتب الذي يستلمه ولكنه يتبع استراتيجية أخرى في الاستهلاك والادخار وقد انتهى في السنة السادسة ومعه مبلغ يستثمر فيه قدره 18548 وهذا يسمح له إذا توقف عن العمل أن يعيش سنة كاملة وأزيد كأنه لازال في عمله أما إذا واصل في العمل حتى التقاعد فإنه سيجد مدخراته التي كان يستثمر فيها ويراكمها تسمح له أن يعيش بأريحية مطلقة بدون تقشف ويحافظ على نوع الحياة التي كان يعيشها أثناء العمل كما كان يستهلك بمقدار 70% وبهذا لن يضطر محمد أن يقترض أو يستدين بل على العكس سيعيش وكأنه لازال يتقاضى مرتبًا سنويًا ويصرف منه مستحقاته.
فانظر لنفسك ومستقبلك وأولادك أيهما تريد أن تختار، بقي أن أشير أن الاستهلاك الزائد عن حده هو منبوذ في الديانات السماوية كلها والادخار أمر مرغوب فيه وقد لخصها لنا نبينا الكريم في حديث يقول فيه “لا تسرف ولو كنت على نهر جار”.