قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إعداد قائمة لقاعدة بيانات ضخمة تضم جميع مؤسسات الأعمال الضالعة في النشاطات بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وتم اعتماد القرار بأغلبية 32 صوتًا وتغيب 15 عضوًا ودون معارضة.
وتنص “القائمة السوداء” للأمم المتحدة على إدانة المستوطنات، وعدم قانونيتها حسب القانون الدولي، والامتناع عن تقديم أي نوع من المساعدات للمستوطنات، وتحذير الشركات ورجال الأعمال من الانخراط في مبادرات اقتصادية وصفقات تجارية معها.
تطال القائمة السوداء مختلف النشاطات التجارية والاقتصادية في المستوطنات، ولا تقتصر على البناء والعمران وتزويد مواد ومعدات البناء فقط، بل تمنع تزويد الخدمات المالية والمصرفية لمساعدة المستوطنات بما في ذلك قروض الإسكان، ومنع تزويد عتاد لهدم البيوت وخدمات ومعدات الحراسة، ومعدات المراقبة على الجدار الفاصل.
وسبق قرار الأمم المتحدة قرار هام على المستوى الوطني اتخذته الحكومة الفلسطينية للتصدي لقرارات الاحتلال بمنع الشركات الفلسطينية من تسويق منتجاتها في القدس المتحلة وأراضي 48، حيث قامت بمنع خمس شركات إسرائيلية من دخول منتجاتها وتسويقها في الضفة الغربية، وهذه الشركات هي شركة ” تنوفا للألبان، شتراوس، تارا، زغلوبك للحوم، وتبوزينا للمشروبات”.
وكلفت الحكومة الجهات المختصة بتنفيذ القرار، وتحديد مدة كافية لاستفاذ مخزون منتجات الشركات الإسرائيلية المتوفرة حاليًا في السوق الفلسطيني، حيث أخطرت وزارة الاقتصاد الوطني الموزعين للشركات الإسرائيلية بعدم إدخال منتجاتها للسوق الفلسطيني تحت طائلة المسؤولية، وتم إمهال التجار للتخلص مما لديهم من إنتاج هذه الشركات مدة عشرة أيام وبعد ذلك سيتم سحب الكميات وإتلافها وفق الأصول القانونية المتبعة، ولاقى هذا القرار الحكومي ارتياحًا في الشارع الفلسطيني، ورحبت به الشركات الفلسطينية.
وصدرت دعوات سابقًا عن اتحاد الصناعات الغذائية الفلسطينية، لمقاطعة منتجات الاحتلال وحظر دخولها إلى السوق الفلسطيني، ردًا على إجراءات سلطات الاحتلال، حيث تكبدت الشركات الفلسطينية خسائر فادحة بعد قرارت الاحتلال، من جانب آخر قال اقتصاديون إن منتجات الشركات الإسرائيلية التي منعت بالأراضي الفلسطينية، تمثل نسبة مهمة من مجمل الواردات للاحتلال.
ويتناقض قرار الاحتلال بشأن حظر دخول المنتجات الفلسطينية، والرد الفلسطيني عليه، مع اتفاق باريس الاقتصادي بين الجانبين الذي ينص على انسيابية حركة السلع والبضائع بينهما دون عوائق.
ورحبت جمعية حماية المستهلك بقرار الحكومة الفلسطينية بمنع خمسة شركات إسرائيلية من التسويق في السوق الفلسطيني على قاعدة التعامل بالمثل ردًا على الاحتلال، واعتبرت هذا القرار يأتي انسجامًا مع الإرادة الشعبية التي جسدتها الجمعية ومؤسسات مجتمعية شريكة عملت معًا، والتي ترى أن المنتجات الفلسطينية يجب أن تكون وتظل الخيار الأول والثاني والأخير للمستهلك الفلسطيني.
بدوره أشار تقرير جديد أعدته منظمة “كتلة السلام” الإسرائيلية، أن عدد الشركات الإسرائيلية التي نقلت مصانعها أو مخازنها من مناطق صناعية في المستوطنات إلى داخل الخط الأخضر بالأراضي المحتلة تزايد في السنوات الأخيرة، وذلك على ضوء الخوف من مقاطعة منتجاتها في الأسواق العالمية، وبين التقرير أن ما بين 20% – 30% من الشركات التي كانت موجودة في المناطق الصناعية المستوطنات لم تعد موجودة هناك الآن.
جاء ذلك بعد تزايد حملة المقاطعة العالمية للحكومة الإسرائيلية وبضائع المستوطنات (المعروفة باسم BDS)، وهي حركة سلمية عالمية تمارس نشاطاتها في عدة دول، خصوصًا في أوروبا وأمريكا، وتدعو إلى مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية الأكاديمية والاقتصادية والسياسية بسبب ما ترى أنه “جرائم متواصلة للاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين”.
عقد الاحتلال المؤتمر الأول لمواجهة حملة المقاطعة العالمية للحكومة الإسرائيلية وبضائع المستوطنات، والذي أقامته صحيفة “يديعوت أحرونوت” مطلع الأسبوع، حيث تناقلت الصحف الإسرائيلية تصريحات لوزراء وقادة الاحتلال المشاركين في المؤتمر، تدعو إلى ملاحقة واستهداف قادة ونشطاء “حملة المقاطعة”، من خلال تنفيذ اغتيالات محددة وتكثيف الجهود لاستهداف قادة ونشطاء حركة المقاطعة، بما في ذلك العمل على الربط بينهم و بين منظمات إرهابية معادية لدولة إسرائيل، وبالتالي إمكانية ملاحقتهم من خلال التنسيق مع أجهزة مخابرات عالمية.
بدوره قال المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان – وهو مؤسسة حقوقية أوروبية مقرها جنيف – إن تصريحات الاحتلال تضمنت مسًّا خطيرًا جدًا بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، وبالمتعارف عليه في العلاقات بين الدول، حيث إن هذه الدعوات تمثل تدخلاً فظًا وغير مسبوق في الشؤون الداخلية للدول التي يتواجد بها النشطاء أو يحملون جنسيتها، وهي تهديدًا لحق النشطاء في الأمن الشخصي وحق الحياة، والحق في التعبير والاحتجاج السلمي، وهي الحقوق التي كفلتها مواثيق حقوق الإنسان والقوانين الدولية، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، والذي تعد إسرائيل طرفًا فيه.
وقال سفير الاتحاد الأوروبي في إسرائيل لوراس أندرسون الذي شارك في المؤتمر، بأن الاتحاد الأوروبي ضد حركة المقاطعة العالمية BDS وسياسة الاتحاد ترفض المقاطعة وعلى العكس من ذلك فأنها تدعو للحوار، وأضاف الحدود المشروعة للتسوية مع إسرائيل لا تشمل المستوطنات، لذلك يجب التفريق بين سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه المستوطنات والاستيطان وتجاه إسرائيل، كذلك يجب التفريق بين المقاطعة وحركة BDS وبين وضع علامات على منتجات المستوطنات، هذه البضائع تصل الأسواق الأوروبية كباقي البضائع من إسرائيل، ولكن تم وضع علامات لهذه البضائع القادمة من المستوطنات ارتباطًا بموقف الاتحاد الأوروبي من المستوطنات والاستيطان وليس من باب المقاطعة.
جاءت تصريحات الاتحاد الأوروبي بعد كشف وزيرة العدل الإسرائيلية أيليت شاكيد عن الخطوات “القانونية” التي اتخذتها وزارتها لمحاربة حركة المقاطعة، وقالت إنها استأجرت خدمات شركات قانونية لبحث الأدوات التي يمكن استخدامها للتعامل مع القرارات مثل القرار الأوروبي بوضع علامات مميزة على البضائع المنتجة في المستوطنات، وأنها تعمل على تشجيع دول العالم على تبني تشريعات لمحاربة المقاطعة.
هل تتوقف السياسة التحريضية والعدائية من قِبل الاحتلال تجاه النشطاء السلميين ومعالجة سبب المقاطعة، أم أنه سيستمر في سياساته والتضييق على الفلسطينيين والحركة التجارية والاقتصادية لهم، ووضع العراقيل أمام الاقتصاد الفلسطيني، وسط عدم وجود ضغوطات دولية عملية تتصدى للاحتلال وتوقفه.