“نادية كانون” تونسية في عقدها الثالث، لم يمنعها النقاب من النجاح في الدراسة والعمل والحياة، ولم تمنعها نظرة البعض من الناس الرافضة لها لمجرد ارتدائها هذا النقاب والتثقف في الدين من نيل ما تتمنى والوصول إلى مبتغاها.
قبل إنهائها دراستها الجامعية سنة 2002 وحصولها على الأستاذية في الدراسات التجارية العليا من المدرسة العليا للتجارة بمحافظة صفاقس وسط تونس، ارتدت نادية حجابها، وكانت أولى تجاربها معه قبل أن تتحول إلى النقاب بعد الثورة التونسية مباشرة.
تشتغل كانون الآن مستشارة معتمدة من المركز الدولي للتجارة التابع لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة التجارة الدولية بمعايير فوق العادية (au-delà du standard) وتعتبر أول مدربة تونسية معتمدة من المركز الكندي للتنمية البشرية الذي أسسه الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله.
تقول نادية إن مشوارها المهني بدأ منذ أول سنة جامعية حيث كانت في حاجة إلى دخل مادي لتلبية حاجياتها وحاجيات عائلتها،”كنت أشتغل بحساب Part Time Job، كان الفضل لصديق لي – بارك الله فيه – اقترح عليّ أن أنضم معه إلى شركة تسويق مواقع واب في سنة 1999، كان حينها الإنترنت ومواقع الواب ثقافة جديدة في تونس”.
تسكت قليلاً ثم تتابع لنون بوست “في السنة الجامعية الثالثة، كنت مستشارة مدير شركة في ميدان الأحذية وكانت مهمتي البحث عن فرص تصدير عبر الإنترنت واستعمال الإنترنت للمراقبة التنافسية، بدأت حينها أسافر حول العالم عبر الإنترنت وبدأت أطور مشروعي الخاص وكنت أستعد لجلب منتج أمريكي كمكمل غذائي 100% طبيعي، وطرحت الملف الذي أعددته بالإنجليزية على أستاذ جامعي، فأَعجب هذا الأخير بمؤهلاتي وقدراتي وطرح عليّ فرصة العمل في شركة كرئيسة قسم التصدير ومساعدة لقسم الصفقات العامة”.
لم يكن دخول نادية إلى مجال الأعمال مقترنًا بعامل السن أو الدراسة؛ فقد كانت ثقافة العلم والعمل متأصلة فيها منذ صغرها، تقول نادية إنها قد اشتغلت في مخبز والدها منذ سن السابعة إلى جانب كل العائلة، وفي سن الثامنة بدأت في تعلم فن الخياطة مع أمها، في سن الـ 10 سنوات بدأت هي وصديقتها المقربة في ابتكار أشياء أخرى وبيعها مثل صنع المشموم وقلائد من الياسمين والفل وكان والدها من يصنع لها المشموم ذا الجودة العالية.
15 أبريل 2002 يومًا لم يكن عاديًا في حياة نادية؛ فقد قررت خلاله ارتداء الحجاب، يوم اعتبرته “ميلادها الحقيقي”، تقول “حينها كان شكل الحجاب نادرًا وتمسكت به لأنني اقتنعت به من الجانبين الشرعي والعقلي، الشيء الذي أعطاني قوة للصمود أمام رفض العائلة والمجتمع والدولة”.
عقب ارتدائها الحجاب مباشرةً بدأت المضايقات تلاحق نادية في مكان عملها، حتى تم توقيفها عن العمل فكانت أول إجازة لها ترتاح فيها من مشاق الحياة وبداية التفقّه في دين الله والبحث عن حل لإيجاد عمل تقتات منه لإعالة عائلتها حسب قولها.
خلال تلك الفترة لاقت كانون مضايقات عدة من الأمن التونسي وتأذت كثيرًا من نظرة المجتمع الرافضة للحجاب وكل أشكال التدين إما اقتناعًا منهم أو خوفًا من بطش النظام آنذاك، فقد كانت القبضة الأمنية على أشدها حيث كان يمنع ارتداء الحجاب في تونس زمن بن علي.
عقب ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي تم ألغاء “المنشور 108″ الذي يمنع ما سمي بـ”الزي الطائفي” داخل المؤسسات التابعة للدولة والذي أصدره الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة سنة 1981.
تقول نادية إنها قرأت قصة بطلتها امرأة من السلف الصالح أثرت فيها كثيرًا وتعلمت من خلالها قوة التسليم لله والاستعانة به، فدعت الله أن يرزقها عمل بشروط معينة (شركة أجنبية تتعامل بالإنجليزية، لا يهم في محافظة صفاقس أم لا، مجال العمل التسويق عن بعد webmarketing، رئيس العمل أجنبي لا يهمه الشكل الإسلامي، أصدقاء طيبون).
في سنة 2003 كانت بداية نحاج نادية وانطلاقتها المهنية المتميزة في شركة أمريكية بالرغم من ارتدائها الحجاب، وبعدها بـ 5 سنوات – سنة 2008 – بدأت نادية تفكر في الانطلاق لحسابها الخاص بالرغم من واجباتها العائلية فبدأت في محضنة المؤسسات بمحافظة صفاقس وبعد بضعة أشهر تعرفت على رجل أعمال شاب لديه فكرة مشروع “Start Up“، شاب كان يمر بأزمات مختلفة انواعها فاقترح عليها انضمام شركتها لشركتيه وتأسيس مجموعة شركات تشرف على إدارتها نادية وإشراف الشاب على الجانب التقني.
اشتغلت نادية بمجهود 4 و5 أشخاص بمعدل 20 ساعة في اليوم لمدة سنتين حتى توفر المال الكافي لمشروعهم، لم تتقاض أجرها لمدة السنتين والنصف، وقالت إنها مرت بتحديات كبيرة إلى حين أصبح لفكرة المشروع قيمة مهمة في السوق.
قبل اندلاع الثورة التونسية تم اختيار نادية كانون من قِبل مركز التجارة الدولي التابع للأمم المتحدة لتلقي علم جديد خاص بها في مجال تطوير تنافسية الاستراتيجيات، فحققت حلمها الذي كنت تحلم به منذ سن الـ 20 بأن تعمل مع الأمم المتحدة.
حسب نادية فإن جزءًا لم يكتمل في منظومة معايير قياس تنافسية الاستراتيجية من الجانب التسويقي في مركز التجارة الدولي (ITC) فقامت بتطويره وتبناه المؤطر Sébastien من الـ ITC وساهم في إعادة صياغته، بعد ذلك بدأت نادية تطور ألعاب تساهم في استيعاب المنظومة نظرًا لتعقيدها.
عملها مع مؤطرين مسيحيين كان بداية رؤيتها للقرآن والسنة من جانب جديد ورؤيتها للكون والحياة من جانب علمي عميق حسب قولها، وتؤكد نادية أن هذا العمل كان بداية التفكير في النقاب والتوصل إلى منظومة إحسان العلمية التي هي في طور تأسيسها.
التعريف العلمي للإحسان حسب نادية كانون هو “أن تحسن في استعمال الموارد للوصول إلى الهدف في أقل وقت وبأقل خسائر وباتباع استراتيجية معينة”.
أسست الشابة التونسية المركز الدولي لعلوم الإنسانIHSCEN International Human Science Center وشعارهم “نرتقي وإياكم إلى درجة الإحسان”، كما أسست أكاديمية إحسان للقائد المحسن لتدريب طاقات بشرية (أطفال – شباب – رجال أعمال خاصة) على “القيادة المحسنة” التي تعتبرها نادية “منظورًا جديدًا لقيادة المشاريع “.
لم يمنع النقاب نادية كانون من النجاح في عملها ومن اعتمادها كمدربة تنمية بشرية لدى المركز الكندي للتنمية البشرية ولم يكن حاجزًا أمام شريحة المتدربين الذي أرادوا الاستفادة من علمها، إلا أن نادية ما زلت تواجه بعض التحديات في مجتمعها حسب قولها “نظرا لتشويه الإعلام التونسي لصورة المنتقبة خاصة والإسلام عامة ولثقافة الخوف ورفض الآخر وعدم قبوله”، وتضيف “هناك أصدقاء فقدتهم وهناك الكثير من الأصدقاء الجدد والعلاقات التي اكتسبته”، وأكدت نادية سعادتها بارتدائها النقاب وقالت “سعيدة جدًا لأن كل من قبل التواصل معي بالنقاب يكتسب مرونة ذهنية وطاقة روحانية كبيرتين وأخلاق عالية”.
وأرجعت عدم قبول النقاب وربطه بالإرهاب من قِبل السياسيين والإعلاميين إلى عدم قدرتهم على ابتكار حلول ذكية تكفل الأمن لكل الشعب من كل شر من جهة وتكفل الحريات التي تقيدها الأخلاق من جهة أخرى، وعدم القدرة على احترام اختيار الآخرين وقبول الأخر كما هو وقبول فقط من يشبههم في الشكل والفكر والمعتقد، إضافة إلى انعدام ثقافة الحوار البناء والإيجابي والتفكير الإيجابي والتركيز الإيجابي.
وقالت “كمنتقبة يهمني جدًا الأمن داخل تونس وخارجه، فمن الإحسان السلام والأمن والحب ونشر الخير”، وأضافت “كمستشارة وخبيرة أقيم أن منع تغطية الوجه عمومًا ليس حلاُ جذريًا”، وبررت موقفها بأن الرجل أو المرأة المكشوف(ة) الوجه بإمكانه(ا) تمرير قنبلة وتفجيره في أي مكان عمومي بالرغم من أن إمكانية التعرف عليه سهلة وإمكانية القيام بعمليات التجميل وتغيير شكل الوجه وتضليل الأمن، وأوضحت أن مبدأ التخويف من كل شكل استخدم في العمليات الإجرامية سيخل بالأمن النفسي للمجتمع وسيؤثر على سير الحركة الاقتصادية والاجتماعية، وبينت أنها “كمنتقبة تونسية لن تواجه هي وغيرها من المنتقبات أي مضايقات من المجتمع لو أن الدولة من خلال مؤسساتها والأحزاب السياسية قامت بتثقيف الشعب التونسي على احترام بعضه البعض وقبوله كما هو”.
ودعت نادية الدولة التونسية إلى تكثيف عملية المراقبة والتفتيش واعتماد مبدأ البصمة للدخول لأي مكان عمومي مغلق كحل يضمن أمن المواطنين التونسيين والتعرف على الأشخاص في حالة حصول عملية إجرامية لا قدر الله وضمان الحرية الشخصية لكل شخص.
ورأت نادية أنه من الأجدى بالدولة أن تحقق ما قامت عليه ثورة بلادها وسقط من أجله الشهداء كمقاومة ظاهرة الفقر والخصاصة ومحاربة بعض الظواهر الاجتماعية السلبية كتفشي ظاهرة الإدمان في صفوف الشباب والأطفال، إلى جانب تفاقم ظاهرة الطلاق والتفكك الأسري وظاهرة العنوسة التي بدأت تتفاقم وظاهرة التحرش الجنسي.
وأكدت أن اتباع فرنسا واستيراد مقترح منع إخفاء الوجه يوحي أن لا حلول غير منع النقاب والحال أن دولة الهند فيها العشرات من الأديان والكل يعيش في سلام، بالإضافة إلى وجود عديد من الدول الأوروبية التي تشهد دخول عدد كبير من مواطنيها في الإسلام ولم تصدر قانونًا كهذا.
وتقدم مجموعة نواب من كتلة الحرة المنشقة عن حزب “نداء تونس” بمقترح قانوني مساء الجمعة 18 مارس، لمجلس نواب الشعب (البرلمان) يقضي بمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ويهدف هذا المقترح المتعلق “بمنع إخفاء الوجه في الفضاءات العمومية”، بحسب ما جاء في بيان صادر عن كتلة الحرة إلى “حماية الأمن العام وحقوق الغير”.
وتصل عقوبة من تتعمد ارتداء زي يخفي الوجه، بحسب نص المقترح، للسجن مدة 15 يومًا فضلاً عن غرامة مالية، كما يعاقب كل شخص يجبر امرأة على ارتداء هذا الزي بالسجن سنة أو بغرامة مالية على أن تتم مضاعفة العقوبة عند قيام شخص بإجبار فتاة قاصر على إخفاء وجهها بلباس بحيث تتم معاقبة المُجبر بالسجن سنتين.
وختمت نادية بقولها “توجد قصص نجاح كثيرة لمنتقبات عدة حول العالم كسائقة الطائرات الباكستانية شهناز لغاري والداعية السويسرية نورا إيلي (دكتورة في الأديان) والسعودية هاجر العقيلي التي حازت من طرف وزير التعليم العالي بأستراليا على ﺟﺎﺋﺰﺓ تقديرية للتصميم الإبداعي ﻓﻲ 2014 وذلك ﻟﺘﺼﻤﻴﻤﻬﺎ ﺟﻬﺎﺯًا ﻣﺤﻤﻮﻻً ﻟﻠﻤﻜﻔﻮﻓﻴﻦ والإعلامية المراسلة اليمينة أحلام العسكري والمخترعة السعودية المنتقبة نادية عبد الغفور الأنديجاني الحائزة على الجائزة الذهبية فى المعرض الكوري الدولي الخامس للنساء المخترعات لعام 2012 والكاتبة المصرية حنان محمود لاشين وغيرهن أكيد كثيرات” حسب قولها.
ومنعت وزارة التربية في تونس رسميًّا في شهر نوفمبر 2015 ارتداء النقاب بكافة المؤسسات التربوية، كما تم إيقاف مدرسات منتقبات عن العمل عقب هذا القرار.