الرغبة وحب السيطرة والأجندة الفارسية، ثالوث الحوثيون باليمن، الذي تلاقت أهدافه مع مطامع ورغبة في التدمير لميليشيات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كانت المسوغ الوحيد للمليشيات الانقلابية التي خرجت عن القيم والمواثيق الدولية بانقلابها على الحكومة الشرعية للرئيس عبدربه منصور هادي صيف العام 2015.
على مدى عام أو أكثر والميليشيا الانقلابية المدعومة من إيران ثم روسيا وحزب الله، ترتكب انتهاكات خطيرة ضد اليمنيين، شملت قتل مدنيين وتدمير الأحياء، وتهجير الأهالي والقتل الجماعي، فضلاً عن عمليات النهب، وفرض حصار على كافة المدن اليمنية خصوصا عدن في الجنوب ثم تعز.
حرب شاملة
لم تقتل الحرب على اليمن الإنسان فقط، بل دمرت مقومات الدولة نفسها، كما ترى الناشطة الجنوبية أقدار مختار، وتعددت الجرائم، وتفننت المليشيات في بشاعتها، حتى صعب علي الجميع التفرقة بين جريمة و أخرى، وهو ما دفع بالمملكة العربية السعودية، لتشكيل تحالف من دول الخليج، برئاستها لمواجهة العدوان الحوثي على الشرعية، لكن نجاح الحوثيين وخلفهم إيران وروسيا، في إطالة أمد الحرب مع تهاوي سعر برميل البترول، وتخلف بعض دول التحالف عن الالتزام بما تم الاتفاق عليه في تمويل حملات التحالف، وضع المملكة في مأزق كبير جعلها تفكر جديا في صفقة تخرجها من مستنقع اليمن، الذي يرى الكثير من المحللين أنه يتجه بها إلى “فيتنام جديدة”.
صفقة برعاية ولد الشيخ
ما يدعم فكرة “الصفقة” السعودية – الحوثية، هي ملابسات زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ مؤخرا إلى صنعاء، بعد لقاءه الرئيس هادي في الرياض، خصوصا وأنه تجنب الإدلاء بأي تصريح لدى وصوله المطار، والمعلن عنها أنها تقتصر على إقناع الانقلابيين بالذهاب إلى الكويت، المكان المفترض لعقد الجولة الجديدة من المشاورات، لكن المتابعين يرون أن ما وراء الزيارة هو حمل الحوثيين على القبول بالخطوط العريضة لصيغة الحل الذي قد ينهي الحرب.
ملامح الصفقة
تفاصيل الصفقة ربما تكون غير واضحة الآن، لكن ملامحها في الغالب لن تخرج عن توقف إيران عن دعم الحوثيين، وتحويلهم لحزب سياسي بعد أن يتم تغيير قياداته المتورطة في أعمال وجرائم ضد اليمنيين، مع الاتفاق على أن يخرج الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من اليمن، بعد أن يعلن إنهاء تحالفة مع الحوثي، ويتجه للإمارات أو عمان، حيث سيخضع للإقامة الجبرية، ولا يمارس أي عمل سياسي أو حزبي، لكن الأزمة هنا في الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، الذي يراه الكثير من المحللين جزء من المشكلة لا الحل، وهناك مقترحات شبه سرية تدعمها الإمارات بقوة، على أن يقوم هادي بنقل صلاحياته لنائبة خالد بحاح بشكل مؤقت، لحين إجراء انتخابات رئاسية، وألا يعود لليمن مطلقاً.
جانب آخر للصفقة يراه المحللين عنصر فاعل في اتمامها، ويتعلق هنا بالوضع في سوريا، تتضمن بنودها استمرار الأسد فى السلطة لفترة انتقالية، في مقابل انسحاب ميليشيات إيران الشيعية، ووقف دعم السعودية للمعارضة فى سوريا، ليبقى الحل سورى- سورى دون أى تدخل خارجى، وهو اتفاق سترعاه ضمانة أمريكية روسية مشتركة.
الأزمة الحدودية
الصفقة هنا يحكمها مبدأ انتهاء أزمة الحرب الحدودية بين الطرفين على الحد الجنوبي للمملكة، وتحلحل العقدة الشائكة في الأزمة، ما يسمح للمملكة بعقد صفقتها الآن، خصوصا وأن الميليشيات الانقلابية ستذهب للكويت، وقد فقدت هذه الورقة المهمة “أزمة الحدود”، وهو ما يبرر استماتتهم في معارك استعادة المواقع التي فقدوها في الحادي عشر من مارس بغرب مدينة تعز، ورغبتهم الملحة في إعادة فرض الحصار الخانق على هذه المدينة من جديد.
لكن في المقابل، هذه الفكرة لا تروق لليمنيين أنفسهم بعد كل ما عانته العوائل والأنفس في اليمن من قتل وتشريد، وهذه الصفقة لن تكون – مهما كانت بنودها – الثمن المناسب لتضحياتهم، ولكل هذه الدماء التي سالت والخراب الذي طال البلاد، ويسعون لإنهاء وجود الحوثيين وميليشيات صالح للأبد، وتخليص البلاد من العنف المحتمل في المستقبل.
التساؤل الذي يؤرق السعوديين أنفسهم هو هل يمكنها الاطمئنان للمخططات الإيرانية وأذنابها من الحوثيين، فربما تكون الموافقة على الصفقة، حلقة جديدة من حلقات الخداع ، ثم تبدأ بعدها الآلة الإعلامية الفارسية “الناجحة” في التأثير على هيبة المملكة الإقليمية، وتسويق الصفقة على أنها هزيمة للمملكة، وليس العكس، باعتبار أن حربها مع المملكة قائمة على مشروع جهوي مليشياوي طائفي، لاستعادة السلطة واحتكارها في اليمن وباقي جيوبها بالمنطقة، وهنا نقطة الخطورة.
فالصفقة لن تكون قيمتها كبيرة كونها مع خصوم مثل الحوثيين، وهم ليسوا الخصم الحقيقي للمملكة، فهناك من يحركهم لأسباب عقائدية، وهذا النوع من الصراعات لا يحسم بالاتفاقات السياسية.
حراك الأزمة
المملكة هنا – وتلك هي خطورة الموقف- ستجد نفسها تتحرك بمفردها فيما يخص بنود الصفقة، لكن باقي دول التحالف لها أجندات أخرى، كل منها يسعى لفرضها، خصوصا الإمارات التي يشاع أنها أعطت وعودا “مكتوبة” لقوى الحراك الجنوبي، بدعم فكرة فك الارتباط مع الشمال، وهي خطوة لن تتوافق عليها بنود الصفقة أيا كانت، ما يعني فتح المجال لأزمة بين المملكة، وباقي دول التحالف، خصوصا الحليف الأقوى في دبي الذي فقد الكثير من جنوده بعدن.
النقطة الثانية هي أن المملكة ليست وحدها صاحبة القرار الداخلي باليمن الآن، فهناك طرف وطني يتمتع بالكفاءة في التأثير على سير الأحداث، ولديه من المصداقية والانتماء ما يخولها قول رأيه، وسيرفض قطعا أية تسوية لا تتضمن تطبيق القرارات الأممية، ومعاقبة مرتكبي جرائم الحرب وموالوهم، وهناك ثورة شعبية ربما خمدت قليلا، لكنها موجودة يمكنها أن تطيح بالجميع، وتضع المملكة نفسها في مأزق كبير، تعرف إيران وأذرعها وقتها كيف تستغله لصالحها.
وهنا تأتي أهمية دور الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، هل يمكن التعويل على دور فاعل له لمنع الصفقة أو تعديل بنودها ، أم سيكتفي بأمانه في المنفى، مثلما سبق ورعى توقيعا لاتفاق السلم والشراكة، أوصل الحوثيين إلى غرف نومه في عدن؟