في خطوة أقل ما يقال عنها أنها هوليودية، تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية صور استقبال 19 يهوديًا يمنيًا في “أرض الميعاد” بعد خروجهم من جحيم اليمن المستعر، في عملية رفضت الصحافة الإسرائيلية وصفها بأقل من فائقة السريّة والتعقيد، وكأننا أمام فيلم “أكشن” بطله الوكالة اليهودية.
الوافدون حملوا معهم من اليمن مخطوطة قالوا إن عمرها يتجاوز الخمسمائة سنة، قصدوا منها إعطاء البُعد الديني لهجرتهم، والمشقات التي تحمّلوها على غرار أجدادهم الأوائل في سبيل الوصول إلى أرض “اللبن والعسل”.
وكما جرت العادة تمت الإشادة بحزم القيادة الإسرائيلية في رعاية اليهود، وبثّ رسالة في الاتجاهات كافة أن إسرائيل هي الملاذ الآمن والمكان الطبيعي لأبناء الديانة اليهودية حول العالم، لاسيما أن يهود اليمن يعتبرون من أقدم الجاليات اليهودية في العالم بما يحمله ذلك من دلالات ومعانٍ.
بالتوقف عند هذا الحادث نجد أن هذه العملية ليست الأولى؛ حيث سبق في العام 2013 أن تم استقدام قرابة الـ 20 يمنيًا في سيناريو مشابه، والذي يأتي ضمن المخطط الإسرائيلي لإفراغ اليمن من اليهود وحصرهم ضمن حدود الدولة العبرية.
من المعروف أن قادة إسرائيل يعمدون إلى استغلال الأحداث الأمنية حول العالم لدفع مزيد من اليهود إلى الهجرة لإسرائيل بما يخدم قيام دولة يهودية صرفة، وخير دليل هو وعود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة بتهجير المئات من يهود الفلاشا خلال العام الجاري والبقية الباقية خلال فترات لاحقة، في معرض رده على مطالب عضوي الكنيست إبرهام نغوسا من أصول إثيوبية وداود مسلم بتهجير 9000 يهودي من إثيوبيا إلى إسرائيل.
من خلال استرجاع بعض المحطات يمكن تصوّر حجم الطاقات التي تسخّرها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للوكالة اليهودية – منظمة شبه حكومية والمسؤولة عن تنسيق هجرة اليهود إلى إسرائيل – بهدف استقطاب المزيد من اليهود حول العالم، أبرزها تطوّع نتنياهو “لإنقاذ” يهود فرنسا عقب هجمات باريس التي تضمنت احتجاز رهائن في متجر الكاشير للأغذية اليهودية نهاية العام 2015، حيث كانت جملته الشهيرة “لكل يهود فرنسا وكل يهود أوروبا أريد أن أقول: دولة إسرائيل ليست مكانًا فقط تصلون من أجله ولكنها وطنكم أيضًا”، مستغلًا حالة الخوف التي تملّكت يهود فرنسا من هجمات محتملة ضدهم.
هذه الدعوة غير المباشرة المصحوبة بزخم إعلامي حول تفاقم حالة “معاداة الساميّة” في أوروبا، لاقت صدى في صفوف يهود فرنسا، حيث ارتفعت أعداد المهاجرين في العام 2015 لتصل إلى 8000 شخص مقارنة بمستويات العام 2013 والتي وصلت إلى 3300 شخصًا.
السيناريو الفرنسي كان مشابهًا لما حصل في أوكرانيا مع اندلاع النزاع بين الحكومة وروسيا؛ حيث قالت الوكالة اليهودية التي تعني باستقدام اليهود إلى إسرائيل إن 762 مهاجرًا أوكرانيًا وصلوا خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2014 مقابل 315 خلال الفترة عينها من العام الذي سبقه.
من المؤكد أن الفترات القادمة ستشهد المزيد من موجات الهجرة اليهودية في ظل الهجمات الانتحارية الأخيرة في بلجيكا والتوتر الأمني في أوروبا كافة، مدعومة بالحراك الانفصالي المستعرّ في الشرق الأوسط والحديث المتزايد عن دويلات طائفية (علوية وشيعية وسنية)، أول غيثها كان إعلان الأكراد في سوريا النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم شمال البلاد.
ويبقى الاستجلاب المتزايد لليهود من أصقاع العالم وسعي الحكومة الإسرائيلية الدؤوب لرفع وتيرة الاستيطان وتأمين المساكن اللازمة للوافدين الجدد، رأس حربة في مشروع إعلان إسرائيل الكبرى كدولة قومية لليهود، بما يتضمنه من عمليات ترانسفير وتهجير للبقية الفلسطينية داخل الخط الأخضر والقضاء على كافة الفرص الممكنة لعودة اللاجئين الفلسطينيين في أي تسوية مستقبلية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.