بلغ عالمنا المعاصر حدّا من الدمار باتت معه الحروب هي ماتبقى من خيار،فلا مؤتمرات سلام نفعت، ولا مفاوضات تهدئة نجعت،ولا هيئات دولية شفعت، مايجعلنا نتساءل عن الخلفيات الحقيقية لهذا الشّرر الذي نخر جسد هته الأمة فلم يبق ولم يدر.
وهاهي الأزمة الليبية تطل عليناهي الأخرى بلهيب لامناص منه ولا خلاص، سيقضي بعد دول المشرق على دول المغرب،خاصة إن غابت حكمة الجزائر،كونها أكبر قوة سياسية وأمنية محرِّكة في المنطقة، وإذ نثمّن إتخاذها لخطوات الحل السلمي إزاء هته الأزمة، ونراه رأس الحكمة، إلا أننا في المقابل لا نعصمها من عديد السقطات، فقد جانبت الصواب كثيرا في إختيارها لحلفائها السياسيين الذين تقوى بهم شوكتها، خصوصا ونحن نرى رغبة دول حلف الناتو في توجيه الضربات العسكرية على ليبيا.
ففرنسا،روسيا وكذا إيران ليسوا بالحلفاء المأموني الجانب،ومطامعهم في المنطقة ليست بالخفيّة،وهي مصالح لا تُقارب قيد أنملة مصالح الجزائر،وبالتالي فسياستهم البراغماتية ستجعلهم في صراع معها دائم لأنها مجرد مطية لتحقيق مآربهم التوسعية،فإن تمرّدت فلن تجد إلا فزاعة داعش تروضها،وهي السياسة التي عرّفها الهنود قبل ثلاث آلاف سنة بسياسة القدرة على إثارة الحرب وتأكيد السلام بين الدول، كما أنّ أمريكا لن يفوتها حضورالوليمة،وستبقى تمارس نفس سياستها اللئيمة، بحماية اسرائيل، ومحاربة كل عدو لها، والتغلغل السياسي لخدمة مصالحها دون خسائر تضرِّر بسمعتها وأمنها، فما ستفعله وهو الذي قد بدَت إرهاصاته، هو أنها ستبعد الجزائرعن القضية الليبية، وسوف تسحبها بإشغالها بالقضية المغربية الصحراوية، رغم أنّ الجزائر ليست أبدا طرفا في النزاع المغربي الصحراوي، بل هي مجرد دولة تماما كليبيا، دعمت الصحراء الغربية في حربها ضد الإسبان، والتي امتدت من 1894 إلى 1973،حيث سنة 1973 كونت جبهة البوليساريو حركة تحررية أو مايعرف بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، فقامت الجزائر حينها وإلى جانب ليبيا بمساعدة الجبهة على افتكاك استقلالها، ولأنّ إسبانيا أرادت أن تترك شرارة كهربائية تشعل من خلالها فتنة لاتنطفئ، فقد دعت كل من المغرب وموريطانيا إلى مدريد لإقتسام الصحراء الغربية بينهما، غير أنّ البوليساريو لم ترض بأيٍّ منهما، وطالبت بحقها في تقرير مصيرها،فالأمور واضحة بيّنة، ولا غبارعلى حقيقة أن الصحراء للصحراويين، فالجزائر كانت ولا زالت تدعمها في قضيتها،وذاك ليس عداوة للمغرب سابقة، إنما نصرة لحق سامقة،ومايمكن أن يثبث ذلك هوالبوليساريو نفسها، التي إن شاءت بمحض إرادتها أن تنضم للمغرب، فلا يمكن للجزائر أن تحول دون ذلك، بل على العكس من ذلك تماما، ستراه حلا سلميا ينهي القضية من جدورها.
فكأولوية حتمية على الجزائر في هته المرحلة، هو العمل على محاولة التقارب السياسي بينها وبين المغرب، حتى لاتقع في فخ ماأرادته لها أمريكا وحلفائها، وهو الإنشغال عن الأزمة الكبرى وهي الأزمة الليبية، ثم على الدبلوماسية الجزائرية أن لاتبق ضمن معمعة عمائم إيران، فإيران هي الحليف المُستتِر لإسرائيل، والجزائر أخطأت خطأ فادحا حين إعتبرت حزب الله الإيراني منظمة غير إرهابية، هذا الحزب الإرهابي بكل المقاييس،ففرنسا الراعي الرسمي للطائفة الشيعية منذ عهد الخامنئي، هي حليف مهم لايران، هذا الخامنئي الذي يتبنى رؤيا ومشروع واضح بينه في ثلاثة أعمدة خطيرة :الأولى: تصدير الثورة في المنطقة العربية وهي فتنة سياسية، الثاني:نشر ماعتبره مذهبا لآل البيت عليهم السلام وهته فتنة طائفية، والثالث :أن الله عزوجل يصطفي في كل عصر من يخدمون الاسلام، فكان العرب في صدر الاسلام، ثم الترك في زمن الدولة العثمانية،ثم برأيه قد آن الأوان ليكون الفرس في هذا الزمان وتلك فتنة عنصرية .
فإن أرادت الجزائر حقيقةً أن تكون ذاك الملاك الحارس في المنطقة العربية، فماعليها إلا أن تعلن عن رفضها لما يقوم به الصفويون في الفلوجة، الأحواز وسوريا، خصوصا وأنها سبق ومارست وساطتها الدبلوماسية بين العراق وإيران في عهد الشاه،الرئيس هواري بومدين، ونائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين ,كما قامت الدبلوماسية الجزائرية بحل الأزمة المتفجرة بشأن رهائن السفارة الأمريكية بإيران، وهو ماأنقد المنطقة برمتها من أبعاد مأساوية مدمرة، ثم إن إيران لايمكن أن ترضى بحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج في ليبيا، لأنها لن ترضى إلا بتعميم عمائمها على رؤوس كل الحكام العرب، مايجعل الجزائر في مأزق حقيقي، فهي إما أن ترضى بتدخّل عسكري من جانب فرنسا،ايران وروسيا،أو ترضخ لحكم صفوي يقضي على المنطقة، ويؤجج نيرانا للطائفية لاتهدأ .
ولاخلاص للجزائر إلا بتقوية جبهتها الداخلية أولا،من خلال محاولة التقارب بين كل الأطياف والتوجهات السياسية،وذلك بتغليب مصلحة البلاد على المصالح الشخصية الدونية،بحيث لاتكون لفرنسا أي سيادة ولا قيادة،ومؤتمر مزفران إثنان،والذي يراه الكثيرون لاحدث يُذكَر،هو بالفعل الحدث الأكبر الذي سيمكّن الجزائر من تقوية مناعتها الداخلية ضد مايحيطها من أخطار خارجية.
وأخيرا مطلوب من الدبلوماسية الجزائرية وضع بدائل صلبة تتكئ عليها، كالتوجه إلى حلفاء جدد استبعدتهم تماما في سياستها الخارجية، تحسبا لأي طارئ من الخذلان، قد تنقلب فيه العصا إلى ثعبان، فالأزمة تحتاج إلى العجلة في الفصل،فالظرف أبدا ليس بالهزل.