ثلاثة كتاب وصحفيين من مؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سُجنوا حتى الآن ولم يتحرك لنصرتهم، رغم أنه هو من شجعهم على “تجديد الخطاب الديني”، وهو من وضع مادة في دستوره تسجن المتهمين بـ”ازدراء الاديان”، كما أنه وعد مثقفون علمانيون ويساريون التقي بهم قبل اسبوع بالوقوف مع المتهمين في هذه القضايا.
هل صمت السيسي له علاقة بما قيل: “آخر خدمة النظام علقة”؟ أم بما يشكو منه هؤلاء المثقفون العلمانيون بشأن “عودة مظاهر الدولة الدينية”؟ أم لأن السيسي بطبعه “متدين”؟ أم لأن نظامه يستغل الدين باعتباره مكونا أساسيا في المزاج العام للمصريين؟
عندما تولى السيسي منصبه عام 2014، وعد بتحقيق “ثورة دينية لمحاربة التطرف، وتعليم الآراء المنفتحة والتفسيرات المعتدلة للإسلام”
وبدلا من تحقيق ذلك، بات الدين يستخدم بشكل متزايد لتصوير السيسي على أنه المسلم الملتزم، لتبرير أنه صاحب السلطة المطلقة.
وفي ديسمبر 2015، بعد انتخاب المصريين برلمان جديد، وصف داعية إسلامي حكومي السيسي بأنه “ظل الله في الأرض”، معتبرا أن “من يسيء إليه يسيء للرب”!.
“الدين” لكسب التعاطف الشعبي
وقد علقت صحيفة “واشنطن بوست” علي حبس مؤيدي السيسي الذين وجهوا إهانات للدين الاسلامي أو شعائرهم متسائلة: “لماذا تجاهل السيسي حبس الشاعرة فاطمة ناعوت المؤيدة له، بعدما غردت ضد شعيرة ذبح الاضاحي علي فيس بوك ووصفتها بأنها “مذبحة”؟
وقالت: “الواضح أن الإدانات المتعلقة بازدراء الأديان لم يستنكرها السيسي أو المخلصون له جهرا، رغم أن الحكم ضد ناعوت أدهش العديد من المصريين، لا سيما وأنها إحدى المؤيدات البارزات للرئيس”.
وعلقت “واشنطن بوست” الأمريكية، على حبس “ناعوت” الخميس 31 مارس 2016، بقولها: “رغم التاريخ العلماني الطويل للجيش المصري، الذي يهيمن حاليا على الحكومة، إلا أن الإدانات المستندة إلى الدين تزايد عددها في عهد السيسي بشكل يتجاوز الحكومة الإسلامية التي حل السيسي محلها، وفقا لنشطاء حقوقيين”.
وقالت إنه “بالنسبة لمؤيدي السيسي، فإن المحاكم تمثل ساحة معركة في الحرب مع جماعة الإخوان المسلمين، بغية كسب قلوب وعقول المصريين”.
أما “في عيون منتقدي الرئيس، فقد أضحى الدين بشكل متزايد أداة تساعد السيسي على تشديد قبضته وإسكات مناهضيه واكتساب سلطة أخلاقية”، بحسب الصحيفة.
استخدام “الورع” كأداة سياسية
وتقول الصحيفة إن مصر “تعيش مأزقا وجوديا هذه الأيام، شأنها شأن العالم العربي، الذي كانت قائدة له يوما ما”. وتضيف: “المثالية التي ولدتها الثورة أفسحت الطريق لانتخاب حكومة الإخوان بقيادة محمد مرسي، لكن الحكم تحت نطاق أيديولوجيات دينية أثبت عدم شعبيته حيث نزل المصريون إلى الشوارع مجددا ودعموا السيسي، الذي حقق فوزا كاسحا في الرئاسة وقدم وعودا بإجراء إصلاحات دينية، لكن ذلك لم يحدث”.
وتابعت: “مع تنامي الحركات المسلحة الإسلامية وعدم حدوث انتعاش اقتصادي، ظهرت الآن معارضة وليدة ضد السيسي حتى من بعض مؤيديه، ممزوجة بمشاعر إحباط، أوسع نطاقا، إزاء ارتفاع الضرائب وخفض الدعوم”.
هذا، وقد “عمَق حبس الآلاف من الإسلاميين المعتدلين وحظر الإخوان مشاعر الاستياء بين أنصار الجماعة، وبثا القلق في نفوس المسلمين المتدينين”، بحسب التقرير، وهو ما علق عليه النائب “سمير غطاس” قائلا: “الحكومة الحالية لا ترغب في أن تخوض مواجهة مع أي شيء يمس الدين، خشية من اتهامها بمعاداته”. وتابع قائلا: “السيسي يخشى رد فعل إسلامي عكسي، إنه يخاف أن يفقد الدعم الشعبي”.
أما الناشط الحقوقي، مينا تايبت، فقال: “إنهم يريدون السيطرة على الشعب عبر إظهار أن لديهم قواعد أخلاقية يلتزمون بها، حتى لا يتوجه إليه أحد بأسئلة”. وأردف: “الأمر يتعلق بمصلحتهم الشخصية، والرغبة في الحفاظ على السلطة. السيسي يحارب معارضيه السياسيين، ولا يحارب التطرف”.
“ورغم المظهر الخارجي المعتدل لمصر، إلا أن غالبية المصريين محافظون دينيا، لذلك يمثل “الورع الديني” سبيلا للسيسي لتعزيز قاعدة دعمه، بما يعكس تكتيكا استخدمه قادة عرب في الماضي لتأكيد سلطتهم”، فقا للصحيفة نفسها.
ولذلك، امتد نطاق الإدانات القضائية بازدراء الأديان إلى مثقفين علمانيين من الطبقة الوسطى، ورغم ترديد المسؤولين في مصر أن القضاء يتمتع بالاستقلال، تنفي منظمات حقوق الإنسان ذلك وتتهم السلطة القضائية بالتواطؤ لتحقيق هدف “النظام العسكري” بسحق أي احتجاجات.
وعلق “جمال عيد” المحامي الحقوقي قائلا: “إنهم يريدون إظهار أنفسهم كحماة الإسلام”. فيما قال المخرج عمرو سلامة: “الاتجاه الرئيسي للدولة يتمثل في عدم السماح للإسلاميين بمهاجمتهم بدعوى ليبراليتهم الشديدة، لذلك أصبحوا أكثر محافظة من الإسلاميين. وما حدث لفاطمة ناعوت لم يكن ليحدث أبدا في عهد مبارك أو في وقت الثورة، أو في حكم مرسي”.
أما من وجهة نظر مؤيدي السيسي المحافظين، فإن أحكام الإدانة المرتبطة بازدراء الأديان ضرورة لحماية الإسلام، حيث يقول عالم الدين الأزهري محمود دراز “هذا النوع من الحديث (يقصد ما قالته الشاعرة فاطمة ناعوت) يزرع الشك وغير مقبول، السجن مصيرها بمشيئة الله”.
ولفتت صحيفة “واشنطن بوست” إلى إقالة وزير العدل المستشار أحمد الزند الشهر الجاري بعد قوله إنه يستطيع إلقاء القبض على النبي محمد إذا ارتكب جريمة، وهو ما اعتبرته وسائل التواصل الاجتماعي أيضا ازدراء للإسلام.
هل اخلف وعده للمثقفين؟
ولم يمض أسبوع على تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مثقفين علمانيين ويساريين، بإيجاد حل لمسألة حبس كتاب بتهمة ازدراء الاديان، حتى قضت محكمة جنح مستأنف السيدة زينب بالقاهرة، اليوم الخميس، برفض الاستئناف المقدم من الكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت، على حكم حبسها 3 سنوات بتهمة ازدراء الأديان، وأيدت دخولها السجن 3 سنوات.
دا سيسك ودا قضائك ودا قانونك
مش من حقك تعترض يا سيساوي وتفتح بقك بكلمة على حكم #فاطمة_ناعوت
إخرس خالص— النملة الشجيعة (@TheBraveAnt) March 31, 2016
وقبل صدور الحكم بأسبوعين، توقعت “ناعوت” أن تُسجن عبر حسابها علي فيس بوك، قائله: “قد أُسجن بعد أسبوعين في جلسة الاستئناف على الحكم يوم 31 مارس الجاري، رغم أن الدستور يحميني”، ولهذا خرجت من مصر بحجة حضور مؤتمر لتكريمها في كندا، وعقب نشطاء على حسابها بالقول إن هذا “هروب يشبه هروب البرادعي”.
وأسقطت المحكمة حق الكاتبة في الاستئناف على الحكم الصادر بحبسها 3 سنوات مع الشغل بتهمة «ازدراء الأديان»، بسبب تغيبها ومحاميها عن الجلسة، فيما نشر “ناعوت” نص دعوتها لكندا على مواقع التواصل لتؤكد أنها لم تهرب، وأنها في الطريق إلى كندا.
نفت “ناعوت” على حسابها أنها هربت، وقالت: “وصلت إلى مطار تورنتو ومعنوياتي مرتفعة للغاية”، وكررت ما قاله محاميها أن ما قيل عن رفض الاستئناف وتأكيد حبسها “غير دقيقة”، مشيرة إلى اضطرارها للسفر “وسيقدم فريق المحامين الخاص بي معارضة استئنافية في الوقت المناسب”.
وكانت فاطمة ناعوت قد نشرت عبر صفحتها الشخصية على “فيس بوك”، بالتزامن مع عيد الأضحى عام 2014، تدوينه قالت فيها: “كل مذبحة وأنتم بخير”، وانتقدت شعيرة ذبح الاضاحي. وأحالت نيابة السيدة زينب، ناعوت إلى محكمة الجنح، ووجهت لها تهمة “ازدراء الإسلام والسخرية من شعيرة إسلامية وهي الأضحية”.
ثالث كاتبة تُسجن بازدراء الدين
وفاطمة ناعوت هي ثالث كاتب مصري يتعرض للسجن بسبب مادة في القانون تتعلق بتهمة ازدراء الأديان الإسلامي، بعد “إسلام بحيرى”، الذي حُكم عليه 3 أعوام، خُفتت إلى عام ولا يزال يقدم استشكالات قانونية على حكم حبسه، بسبب تشكيكه في مصادر للأحاديث النبوية.
وحكمت محكمة أخرى على الصحفي والاديب “أحمد ناجي” بجريدة “أخبار الادب” بالسجن أيضا ثلاثة سنوات لكتابته “مقال جنسي خادش للحياء”، بحسب اتهام النيابة. كما قضت محكمة في المنيا بمعاقبة أربعة أطفال أقباط ،تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما، بالحبس 5 سنوات بتهمة ازدراء الدين الإسلامي على خلفية بث فيديو مسيء على الإنترنت سخروا فيه من صلاة المسلمين.
لماذا أعدت “الدولة الدينية”؟
وفي محاولة لاسترضاء مثقفين يساريين وعلمانيين انتقدوا أحكام صدرت بسجن بعضهم بتهم “ازدراء الدين”، أو كتابة روايات تتصادم مع تعاليم الاسلام، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 22 مارس الجاري، جلسة حوار مع 30 شخصية من المثقفين، غابت عنها فاطمة ناعوت.
وانتقد الكتاب ما قالوا إنه “عودة مظاهر الدولة الدينية من بعض الأحكام القضائية التي صدرت بشأن ازدراء الأديان وخدش الحياء العام، وهو ما يتناقض مع ما دعت إليه ثورة 30 يونيو لهذا ناقشنا السيسي في ذلك وطلب منا حلول”، بحسب تعبيره.
وأشار “سلماوي” إلى أن قضية حرية الإبداع، والفكر طُرحت، وطلب منا الرئيس، كيفية حلها، ولم يعترض على هذه الأطروحات، وكانت مناقشته تؤكد أنه مُلم بكل هذه المشاكل، وأبدى استعدادًا كبيرًا للتعامل معها، وفقا لما يضعه المثقفون من تصور مجموعات العمل، واصفًا ذلك بــ”بالظاهرة الصحية تنبأ بأمل كبير”.
بيد أنه رغم هذه التعهدات وتشكيل المثقفين عدة لجان لبحث هذه القضايا برعاية وزير الثقافة، فقد استمرت احكام الحبس بتهمة ازدراء الاديان في مؤشر علي عدم جدوى تعهدات الرئيس السيسي للمثقفين.
وتنص المادة 98 من قانون العقوبات المصري على فرض عقوبة بالحبس لفترة تصل إلى 5 سنوات وغرامة غليظة لأي شخص يهين الأديان أو ينشر أفكار متطرفة، وهي سبب حبس مؤيدي السيسي الذين قالوا انهم صدقوا حديثه عن “تجديد الخطاب الديني”، ولكن عندما تحدثوا تم حبسهم.
المصدر: إيوان 24