تعزم إدارة بلدية مقديشو على تفعيل برنامج لإعداد خائط تحليلية للمدينة، يهدف البرنامج الى إعطاء الحكومة معلومات أكبر لحل النزاعات على الاراضي وتنظيم الضرائب وتحديد إستراتيجيات جيدة لإعادة إعمار المدينة. مع إستقرار البلاد يرتفع يوماً بعد يوم عدد العائدين إلى منازلهم وممتلكاتهم التي هجروها لسنوات تصل الى العقدين من الزمن، الامر الذي يشعل الخلافات بين من يسكن في هذه الأراضي ومن يدعي ملكيتها.
تحت إسم “خلق فرص عمل مستدامة وحياة أفضل للمجتمعات العمرانية المعانية في مقديشو” ينطلق هذ البرنامج المشترك بين الحكومة الصومالية ومنظمة موئل الامم المتحدة، ليعد الخطط اللازمة لتطوير نظام المعلومات الجغرافية المتوفرة عن المدينة وأحيائها السبعة عشر، وخاصة ما يتعلق بالبنية الحتية والمحلات والمنازل والاراضي الخاصة منها والعامة.
سيوفر البرنامج تفاصيل دقيقة عن كل منطقة، المشاريع اللازمة، حجمها، عدد المواطنين فيها، البنية التحتية، البضائع المباعة في المنطقة والمنتجات والخدمات المقدمة فيه، فضلاً عن مصدر البضائع ووجهتها.
يستخدم البرنامج صور الأقمار الصناعية وأشخاص ذو خبرة بكل أحياء المدينة ليساعدوا في تحديد أصحاب المحلات والمباني المهجورة.
من جهته قال كلير ألسيد، الخبير في برامج موئل الأمم المتحدة، قال لشبكة إيرين للأنباء الإنسانية: “في مقديشو هناك حاجة ماسة لتنسيق ومراقبة المشاريع التنموية، إنعدام التخطيط العمراني يزيد من الفوضى القائمة حالياً ويأدي الى البناء بشكل عشوائي وبالتالي يعطل خدمات البلدية ويجعل حياة المواطنين أكثر صعوبة مما ينبغي”. وعليه فإن البرنامج سيحل هذه الفوضى ويمكن البلدية من إعطاء تراخيص البناء بعد دراسة إيجابيات وسلبيات كل مشروع مطروح على حدة.
ومن المتوقع أن يحقق البرنامج نجاحاً كبيراً إذ أنه يعطي الحكومة والجهات المعنية فرصة لتوفير العمل وبناء المشاريع في المناطق الأكثر حاجة إليها، عبر تحسين البنية التحتية وتقييم الحالة الاقتصادية لكل منطقة وتحفيز السكان على تنطيم أنفسهم عبر جمعيات قادة على خدمتهم لتكون مسؤولة عن التنظيف والصيانة، وإعطاء التراخيص وجمع الضرائب وحل مشاكل النفايات. الأمر الذي يسهيل الخدمات ويفعيل دور الإدارات المحلية لكل منطقة من مناطق مقديشو السبعة عشر.
توليد الدخل:
في مقديشو، يتوقع التجار وأصحاب المحلات أن يدفعوا مبلغاً قدره 135$ لرسوم التراخيص السنوية، والتي تجمعها بلدية مقديشو، ولكن بسبب عدم توفر معلومات تخطيطية دقيقة لا يمكن لهذه الضريبة أن تكون فعالة. البرنامج الجديد سيحل هذه المشكلة حيث سيسجل كل المحلات المفتوحة في مقديشو وينظم رسوم التراخيص علاوة على تحديد الممتلكات العامة المهجورة مثل المكتبات والمدارس والمرافق الصحية لدراسة سبل إعادة إعمارها.
بسبب الحروب وإنعدام الأمن والصراع السياسي في البلاد، تم تدمير سجلات الأراضي والمباني والخرائط القديمة، والتي تعود إلى حقبة الإحتلال الإيطالي وما بعد الإستقلال. برنامج إعادة رسم خرائط مقديشو سيعيد الأمل للكثيرين ويحفز المغتربين منهم بأن يعودوا الى الوطن وأن يساهموا في إعادة إعمار المدينة عبر مشاريع صغيرة ومتوسطة.
ورغم أن الضرائب المدفوعة للدولة ترتفع وتتحسن طرق جمعها بشكلٍ تدريجي، إلا أن هناك عراقيل كثيرة تمنع تطويرها، في هذا السياق يأكد حسن محمود سليمان، وزير المالية والتخطيط أن الحكومة تجمع ستة ملايين دولار شهرياً بعكس الحكومة السابقة التي كانت تجمع حوالي المليوني دولار. الأمر الذي يظهر مدى جدية هذه الحكومة في إثبات نفسها.
وأضاف: “لتحسين قدرتنا على رفع هذه الإيرادات، سنقوم بوضع خطط لبناء القدرات المؤسسية لدينا، مثل توظيف عملاء أكفياء فضلاً عن الإجراءات المالية الصحيحة.” وأكد سليمان أن وزارته تعمل على تطوير الأنظمة المتاحة لفرض ضريبة القيمة المضافة VAT لرفع إيرادات الدولة ولكن هذا وسيستغرق شهوراً لتطبيقها.
الإزدهار العمراني:
في أواخر سبتمبر من هذا العام، قال مختار ديوب نائب رئيس البنك الدولي لشؤون إفريقيا: “إن التقدم الملحوظ في السلام والتنمية شجع عشرات الآلاف من الصوماليين للعودة الى البلاد، اليوم تشهد مقديشو إنتعاشاً إقتصادياً بسبب الإزدهار العمراني في المدينة، ولتحسن المسارات الجوية من وإلى المدينة، وإرتفاع معدلات التجارة بسبب تحسيين طرق إدارة الميناء. الأمر الذي يبعث بالأمل بأننا في حقبة جديدة من الرخاء.”
واصل ديوب قائلاً: “بعد عقود من الصراع والإهمال، ورثت الحكومة الحالية أعباء كبيرة بالكاد تعمل عليها مع قدراتها المحدودة، ولكنها مع هذا تحاول جاهدة أن تزيد من الإيرادات العامة لتمويل سلسلة هائلة من إحتياجات التنمية.”
ورغم أن الدول المانحة تعهدت بتقديم مليارات الدولارات للصومال لإعادة بنائه، إلا أن هذه الوعود لم ترى النور بعد. فعليه فإن الحكومة تحاول جاهدة أن تظهر للعالم بأنها قادرة على تنظيم الدولة وإعادة مكوناتها التنفيذية عبر إعداد خطط إقتصادية وعمرانية واضحة تحفز المانحيين على الوفاء بعهودهم.
الفساد:
أشار التقرير الذي صدر مؤاخراً من قبل مجموعة الأمم المتحدة للمراقبة في الصومال وإريتريا أنه في حين أن واردات ميناء مقديشو -أكبر مصد للعائدات الداخلية- تبلغ 3.8 مليون دولار شهرياً، ولكن رغم هذا لم يتم تسجيل إلا ماهو أقل من 2.7 مليون دولار في البنك الصومالي المركزي بين أغسطس 2012 ومارس 2013. أي أن هناك أكثر من 20 مليون دولار لا يعرف عنها أي شيء، أين ذهبت ولمن دفعت وكيف إختفت من خزينة الدولة.
لحل هذه المشاكل، لابد من إيجاد نظم عالمية متطورة لمتابعة هذه الإيرادات، فالإقتصاد الصومالي لا يمكن له أن ينتعش في ظل هذا الفساد القائم حالياً، إذ أنه سيعكر الأمل الذي حققته الإنجازات الأمنية في المدينة. العائدون إلى مقديشو ليسوا مستعددين لهدر ما جمعوه في أيام الغربة ودفعها للفاسدين والمرتششين، لابد أن يحسوا بالأمن على أموالهم كما على أرواحهم.
التنمية الإقتصادية وتوفير الخدمات الإجتماعية وجمع الإيرادات اللازمة لإزدهار الصومال ليس أمراً مختلَفاً عليه، ولكن الأمر يحتاج الى بيئة مستقرة وآمنة وخالي من الفساد بشتى انواعه.